معهد الأمن القومي: إيران وروسيا تتلاقى في مواجهة الغرب
العين برس/ تقرير
بعد مرور ما يقرب من عامين وثمانية أشهر على الحرب الروسية الأوكرانية وعام ونيف منذ بدء حرب طوفان الأقصى، تترابط العلاقات الإيرانية-الروسية، إذ تعزز كلتا الحربين المصالح المشتركة بين الدولتين عنوانها مواجهة الغرب. ضمن هذا الإطار نشر معهد الأمن القومي الإسرائيلي دراسة بعنوان “روسيا تسعى إلى توثيق التعاون مع إيران” وتعتبر الدراسة بأن “اعتماد روسيا على إمدادات الأسلحة الإيرانية وسط حربها المطولة في أوكرانيا يؤكد على اهتمامها بالاحتياجات العسكرية والاستراتيجية لإيران. وفي الوقت نفسه، يعتمد مدى الدعم الروسي لإيران بشكل مباشر على مستوى التورط الأميركي في صراع إسرائيل مع إيران”.
النص المترجم للمقال
تشير المناقشات المتكررة في الأسابيع الأخيرة بين كبار المسؤولين الروس والإيرانيين إلى توطيد العلاقات الاستراتيجية بين البلدين. ومن منظور روسيا، تمثل الحرب في أوكرانيا والمواجهات العسكرية التي تتورط فيها إسرائيل عناصر مترابطة في المجالات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية. وعلى هذا فإن اعتماد روسيا على إمدادات الأسلحة الإيرانية وسط حربها المطولة في أوكرانيا يؤكد على اهتمامها بالاحتياجات العسكرية والاستراتيجية لإيران. وفي الوقت نفسه، يعتمد مدى الدعم الروسي لإيران بشكل مباشر على مستوى التورط الأميركي في صراع إسرائيل مع إيران ووكلائها.
في الأسابيع الأخيرة، زادت الاتصالات الرسمية بين كبار المسؤولين الروس والإيرانيين. زار سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي ووزير الدفاع السابق سيرجي شويجو طهران في 18 سبتمبر، حيث التقى بنظيره الإيراني والرئيس مسعود بزشكيان – في زيارة هي الثانية له خلال شهرين. في 30 سبتمبر، زار رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين العاصمة الإيرانية واجتمع مع العديد من كبار المسؤولين، بما في ذلك الرئيس بزشكيان. كان من المقرر أن يلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بالرئيس الإيراني في نهاية أكتوبر خلال قمة البريكس في قازان، روسيا (انضمت إيران إلى البريكس في أوائل عام 2024)، ولكن تم تقديم اجتماعهما الرسمي الأول إلى 11 أكتوبر في منتدى دولي في تركمانستان. في 23 أكتوبر، خلال قمة البريكس، التقى بوتن بزشكيان مرة أخرى
وتعكس هذه المناقشات رغبة روسيا في تسريع التقارب مع إيران، مع التركيز على التعاون العسكري والاستراتيجي، حيث تطغى المصالح المشتركة حالياً على المظالم الماضية بين البلدين. وفي الخلفية، تشعر روسيا بالقلق إزاء نوايا بيزيشكيان التفاوض على اتفاق نووي جديد مع الغرب وتأمين رفع العقوبات المفروضة على إيران. وتهدف روسيا إلى تأطير هذه العلاقة المتطورة من خلال اتفاقية “الشراكة الاستراتيجية الشاملة” الجديدة، والتي من المرجح أن يتم توقيعها بعد عامين من المناقشات. ومن علامات هذا التطور المرسوم الرئاسي الذي أصدره بوتن في 18 سبتمبر/أيلول، والذي أمر وزارة الخارجية الروسية بتعزيز توقيع الاتفاق على أعلى مستوى. ولا تزال معظم تفاصيل الاتفاق غير معروفة للعامة، لكن نائب وزير الخارجية الروسي أندريه رودينكو وصفه بأنه “اتفاق تاريخي”. وخلال اجتماع 23 أكتوبر/تشرين الأول، أكد بوتن وبيزشكيان استعدادهما للمضي قدماً في توقيع الاتفاق في أقرب وقت ممكن. ومن المرجح أن يكون هناك أوجه تشابه بين الاتفاق الروسي الإيراني واتفاقية “الشراكة الاستراتيجية الشاملة” الموقعة بين روسيا وكوريا الشمالية في يونيو/حزيران 2024، والتي التزمت بموجبها الدولتان بتقديم المساعدة العسكرية لبعضهما البعض في حالة العدوان عليهما.
وحتى من دون الاتفاق الناشئ، فإن نطاق الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران اليوم غير مسبوق وينبغي أن يسبب قلقاً عميقاً في العواصم الغربية والقدس. إن تعزيز العلاقات الأمنية بين البلدين، بما في ذلك التوسع في مجالات جديدة، ودور إيران كمورد أسلحة مهم لروسيا، وتعزيز مشروع “الممر الاستراتيجي للنقل بين الشمال والجنوب”، كل هذا يشير إلى تحول في توازن العلاقات بين البلدين، والانتقال من علاقة غير متكافئة (حيث تحتل روسيا موقع الشريك الأقدم) إلى علاقة أكثر مساواة وتماثلاً.
بالنسبة لروسيا، فإن السبب الرئيسي لتعزيز التعاون العسكري مع إيران هو التحديات التي يواجهها الجيش الروسي على الجبهة الأوكرانية. وفي طليعة المساعدات الإيرانية كان توريد ما يقدر بنحو 8000 طائرة بدون طيار للجيش الروسي. كما ساعدت إيران في إنشاء مصنع مستقل لتصنيع الطائرات بدون طيار في ييلابوغا، روسيا. وتشير التقارير الإعلامية إلى أنه بسبب نقص العمال المحليين، قامت روسيا مؤخراً بتجنيد عاملات شابات من دول أفريقية، يُقال إنهن يعملن في ظروف استغلالية في هذا المصنع.
وفي سبتمبر/أيلول من هذا العام، وردت أنباء عن تطور مثير للقلق آخر: نقل مئات الصواريخ الباليستية قصيرة المدى من إيران إلى روسيا. وبعد أن اتهم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إيران بنقل هذه الصواريخ إلى روسيا، أعلنت أربع دول ــ الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا ــ فرض عقوبات جديدة على إيران، بما في ذلك ضد شركة الطيران الوطنية الإيرانية، التي كانت مسؤولة عن نقل الصواريخ إلى روسيا. وعلاوة على ذلك، زودت إيران روسيا بكميات كبيرة من الذخائر، بما في ذلك قذائف المدفعية والصواريخ المضادة للدبابات والأسلحة النارية وقذائف الهاون والقنابل الانزلاقية.
كما ينبع اعتماد روسيا المتزايد على المساعدات الإيرانية من الحاجة إلى خفض تكاليف الحرب في أوكرانيا من خلال استخدام أنظمة أبسط، وخاصة الطائرات بدون طيار الإيرانية. بالإضافة إلى ذلك، يساعد إمداد روسيا بالصواريخ الباليستية قصيرة المدى الإيرانية في معالجة النقص في هذا النوع من الأسلحة. وفي سباق روسيا لتأمين الموارد (المادية والبشرية) لدعم آلة الحرب الخاصة بها في أوكرانيا، تلعب إيران دوراً متزايد الأهمية، وهو ما يفسر استعداد موسكو للاستجابة لطلبات حليفتها الإيرانية.
وفيما يتعلق بالمساعدات الروسية لإيران، فإن هناك عدة خطوات أو إجراءات تمر حالياً بمراحل مختلفة من التنفيذ. وتسعى إيران للحصول على أسلحة روسية متقدمة، وخاصة أنظمة الدفاع الجوي والطائرات المقاتلة. وعلى مدى خمس سنوات، تحاول إيران الحصول على موافقة روسية لتوريد نظام الدفاع الجوي المتقدم إس-400. وقبل نحو شهرين، أشارت تقارير ــ وإن لم تؤكد بعد ــ إلى بدء توريد مكونات لأنظمة الدفاع الجوي الروسية المتقدمة. ولا تزال مسألة توريد طائرات مقاتلة من طراز سو-35 غير واضحة، لكن تدريب الطيارين الإيرانيين يتقدم في كل من روسيا وإيران، باستخدام طائرات التدريب ياك-130 التي تم توريدها لطهران العام الماضي. وفي حين لا تزال إيران تنتظر من روسيا الوفاء بوعودها فيما يتصل بأنظمة الدفاع الصاروخي والطائرات المقاتلة، فإن الدعم الروسي واضح بالفعل في تعزيز قدرات إيران في الحرب الإلكترونية وتقنيات الصواريخ الباليستية والتعاون الفضائي.
وعلى صعيد التعاون النووي، تستمر الاتصالات المتكررة بين الهيئات النووية في البلدين. ويثير تورط العلماء الإيرانيين في مشاريع معهد كورشاتوف للطاقة الذرية الشكوك حول المساعدات الروسية المحتملة في هذا المجال. ويعتقد الخبراء الروس على نطاق واسع أن الحكومة الروسية لا تريد إيران المسلحة نووياً ولن تساعد في تقدم البرنامج النووي الإيراني. وفي الوقت نفسه، يشير سلوك روسيا الحالي إلى استعدادها للتعاون مع إيران في هذا الشأن وحتى دعمها في زيادة وضعها النووي، إلى جانب الدعم الدبلوماسي للاعتراف بوضع إيران في هذا الصدد، بما في ذلك في المناقشات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ومن منظور الكرملين، قد تعمل هذه السياسة على تعزيز نفوذ روسيا على البرنامج النووي الإيراني في حين تزيد أيضاً من الغموض المحيط بالبرنامج كوسيلة إضافية للضغط على الغرب، بما يتماشى مع استراتيجية الرئيس بوتن.
في انتظار رد إسرائيل على الضربة الصاروخية الإيرانية ضدها في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، أصدر نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف تحذيراً صارماً لإسرائيل في السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول، نصحها فيه بعدم التفكير، حتى ولو افتراضياً، في شن هجوم على المواقع النووية الإيرانية. وفي غضون ذلك، أعرب الرئيس بوتن في الثامن عشر من أكتوبر/تشرين الأول عن استعداده للتوسط بين إيران وإسرائيل “للتوصل إلى حلول وسط… ووقف تبادل الضربات المستمر في نهاية المطاف”. وتعكس هذه التصريحات رغبة روسيا في حماية حليفتها من الهجمات الإسرائيلية، وسط تنسيق بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية. ومن وجهة نظر روسيا، فإن الضرر الذي قد يلحق بإيران ووكلائها أمر محتمل طالما ظل محدوداً ولا يؤدي إلى إشعال حرب إقليمية أو زعزعة استقرار نظام آية الله. وفي أعقاب الضربة الإسرائيلية على إيران في ليلة السادس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول، ردت وزارة الخارجية الروسية قائلة: “إن روسيا تدعو جميع الأطراف إلى ضبط النفس ومنع التطورات وفقاً لسيناريو كارثي”.
بعد مرور ما يقرب من عامين وثمانية أشهر منذ غزو روسيا لأوكرانيا وعام منذ بدء حرب إسرائيل في غزة، تمثل كلتا الحربين، من منظور روسيا، مجموعة من الديناميكيات المترابطة في المجالات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية. لقد أدت الحرب في أوكرانيا إلى تكثيف المواجهة بين روسيا والغرب، مما دفع روسيا إلى تعزيز العلاقات مع البلدان التي تشاركها العداء تجاه الغرب، وخاصة إيران وكوريا الشمالية. وقد تعزز كلا الاتجاهين ــ ابتعاد روسيا عن إسرائيل وقربها المتزايد من إيران ــ بسبب الحرب في أوكرانيا والاحتياجات الملحة للجيش الروسي لدعمه. وعلاوة على ذلك، فإن اشتعال الصراع في الشرق الأوسط، حيث تتورط إسرائيل، حليفة الولايات المتحدة، بشكل متزايد في حرب استنزاف مطولة، يتماشى مع مصلحة روسيا في تحويل الموارد الأميركية والأوروبية بعيدا عن المسرح الأوكراني. وعلى هذا، فما لم يغير تطور متطرف هذا الوضع، فمن المرجح أن تستمر روسيا في دعم إيران ووكلائها في حين تستفيد منهم. إن مستوى ومدى هذا الدعم يعتمدان بشكل مباشر على درجة التدخل الأميركي في الحرب بين إسرائيل وإيران ووكلائها ــ فكلما كان التدخل الأميركي أكبر، كلما كان من المتوقع أن تزيد روسيا من تدخلها.
المصدر: موقع الخنادق