مشروع قرار مجلس الأمن هل سيوقف الحرب بشكل شامل أم يهدف إلى استعادة الأسرى الصهاينة؟
العين برس/ تقرير
توفيق سلاّم
أصدر مجلس الأمن مشروع قرار مقترح الرئيس الأمريكي جو بايدن بشأن وقف الحرب وصفقة تبادل الأسرى، وكان هذا المقترح قد تسبب بتوترات داخلية في الائتلاف الحكومي الذي يقوده نتنياهو، وسط تهديد من بعض الوزراء بتفكيك الحكومة، ومساعٍ لرئيس الوزراء لإقناع أعضاء حزبه للموافقة عليه، مؤكداً أنه لن ينهي الحرب على غزة.
استقالة غانتس وآيزنكوت
يتألف إئتلاف نتنياهو من خمسة أحزاب يمينية، ويشكل الوزيران سموتريتش وبن غفير وبيني غانتس صداعاً لنتنياهو، حيث يهددانه بتفكيك الائتلاف وحل الحكومة، ومؤخرًا أعلن الوزيران في مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس وغادي آيزنكوت، مساء الأحد، انسحابهما من حكومة الطوارئ” مجلس الحرب” برئاسة نتنياهو، مع دعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة “في أسرع وقت ممكن”، في أحدث تداعيات حرب إسرائيل المتواصلة على قطاع غزة.
واتهم غانتس وآيزنكوت، نتنياهو بإتباع سياسات تخدم مصالحه السياسية الخاصة، كما اتهماه بالفشل في تحقيق الأهداف المعلنة للحرب على غزة، لا سيما القضاء على حركة حماس، وإعادة الأسرى من القطاع. وقال غانتس، رئيس الأركان الأسبق (2011-2015) والمرشح الأبرز لتشكيل الحكومة المقبلة خلال مؤتمر صحفي: “بقلب مثقل، أعلن رسميًا انسحابي من حكومة الطوارئ”، وخاطب عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة قائلاً:” أخفقنا في الامتحان، ولم نتمكن من إعادة ابنائكم”، وأضاف: “نتنياهو يحول دون تحقيق نصر حقيقي”، مشددًا على ضرورة تحديد موعد متفق عليه للانتخابات المبكرة في أسرع وقت ممكن. ويتمسك نتنياهو بالاستمرار في منصبه، ويرفض دعوات متصاعدة منذ أشهر لإجراء انتخابات مبكرة، بزعم أن من شأنها “شل الدولة” وتجميد مفاوضات تبادل الأسرى لفترة قد تصل إلى 8 أشهر. ومتفقا مع غانتس، قال آيزنكوت، رئيس الأركان السابق (2015-2019): “شهدنا مؤخرًا أن القرارات التي اتخذها نتنياهو ليست بالضرورة بدافع مصلحة البلاد”. وتابع، في رسالة استقالة أرسلها إلى نتنياهو، أن مجلس الوزراء “لم يتخذ قرارات حاسمة مطلوبة لتحقيق أهداف الحرب”، وفق صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية. ويمثل انسحاب غانتس وآيزنكوت من الحكومة انفراجة لحزبي “القوة اليهودية”، برئاسة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، و”الصهيونية الدينية” بقيادة وزير المالية سموتريتش. وكثيرًا ما أعرب الحزبان، وهما من اليمين المتطرف، عن عدم رضاهما عن كون قرارات الحرب بيد حكومة حرب لا تضم ممثلين عنهما. وفي أكثر من مناسبة، دعا بن غفير وسموتريتش، وهما من أشد الداعمين لاستمرار الحرب على غزة، إلى الانضمام لحكومة الحرب أو على أقل تقدير حلها.
وتتهم المعارضة نتنياهو بالخضوع لبن غفير وسموتريتش، اللذين يرفضان إبرام اتفاق مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وهددا مرارًا بالاستقالة وإسقاط الحكومة. وقال بن غفير: “وجهت طلبًا إلى رئيس الوزراء أطالب فيه بالانضمام إلى مجلس الحرب، حان الوقت لاتخاذ قرارات شجاعة وتحقيق ردع حقيقي وتحقيق الأمن على حدود غزة وعلى حدود لبنان وإسرائيل ككل”. لكن نقلاً عن مقربين من نتنياهو لم تسمهم، قالت المحللة الحزبية بصحيفة “معاريف” العبرية آنا بارسكي، إن انسحاب غانتس وآيزنكوت سيدفع نتنياهو إلى حل مجلس وزراء الحرب.
مشروع قرار مجلس الأمن
تزامنًا مع تطورات الأحداث في غزة، تبنى مجلس الأمن الدولي مساء الإثنين مشروع قرار أمريكي بشأن مقترح وقف إطلاق النار في قطاع غزة بموافقة 14 عضوًا وامتناع روسيا عن التصويت، وتقول موسكو أن “القرار مبهمًا وغامضًا، وموافقة إسرائيل على وقف إطلاق النار غير واضح”. ويدعو مجلس الأمن إسرائيل وحماس “إلى التطبيق الكامل لشروطه بدون تأخير ودون شروط”. ووافقت إسرائيل على قرار مجلس الأمن، إلا أنها تزعم أنه خلاف للنسخة السابقة من المقترح الذي “قبلته”. ورحبت حماس بقبوله وقالت ” مستعدون للتعاون مع الوسطاء للتفاوض، وهو مبشر ويبعث الأمل”
وقال نائب المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة روبرت وود إن “هذا المقترح هو أفضل فرصة لدينا الآن لوقف القتال -مؤقتًا- على الأقل حتى نتمكن من إدخال مزيدٍ من المساعدات وإطلاق سراح رهائن”.
وأضاف وود “نريد الضغط على حماس لقبول هذا الاتفاق، وهي لم تقبله حتى الآن، ولهذا السبب اقترحنا مشروع القرار”.
وينص المقترح في مرحلته الأولى على وقف لإطلاق النار لمدة ستة أسابيع يرافقه انسحاب إسرائيلي من المناطق المأهولة في غزة، وإطلاق سراح بعض الأسرى الإسرائيليين وتحرير أسرى فلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
وتشدد حماس على أن أي اتفاق لوقف إطلاق النار يجب أن “يضمن نهاية دائمة للحرب”، وهو شرط رفضته إسرائيل بشدة.
ورغم أن بايدن وصف المقترح بأنه إسرائيلي، فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، شدد على مواصلة الحرب حتى تدمير “حماس”، وقد تؤدي الانقسامات السياسية الداخلية في إسرائيل إلى تعقيد الجهود الدبلوماسية الأمريكية. وصرحت ممثلة إسرائيل بمجلس الأمن الذي تقول: ” سنواصل الحرب حتى القضاء على حماس”.
من الواضح أن الأمريكيين يضعون المسؤولية الأساسية على “حماس” في قبول المقترح، الذي أصبح مشروع قرار. ويتضح من تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي دعا دول المنطقة إلى “ممارسة ضغط” على الحركة الفلسطينية. وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن عددًا من أعضاء المجلس أبدوا تحفظات شديدة على النسختين السابقتين للنص الأمريكي خاصة الجزائر التي تمثل المجموعة العربية وروسيا التي تتمتع بحق النقض “الفيتو”.
قبول نتنياهو للقرار
على الرغم من إصرار نتنياهو على عدم قبول هدنة دائمة قبل القضاء على حماس، واستعادة الأسرى الإسرائيليين في غزة، فإنه وتحت ضغط مجلس الأمن يوافق على مشروع قرار مجلس الأمن، فيما هناك ضغوط داخلية من أعضاء حكومته لعدم التوصل إلى إتفاق، ولم يرفض نتنياهو القرار بشكل قاطع، لكنه عاد ليقول أنه ليس نفس النسخة السابقة التي وافقت عليها إسرائيل، وكان قد اعترض على مقترح بايدن وقال إنه: “غير مكتمل، ولا يلبي المطالب الإسرائيلية”. فالخلافات الحالية داخل إئتلاف نتنياهو، تعيد إلى الأذهان التحديات التي واجهتها الحكومات السابقة في التعامل مع المشكلات الأمنية المعقدة بالمنطقة، بحسب صحيفة “فايننشيال تايمز”. مشيرة إلى أن من سيحسم قضية الموافقة أو رفض صفقة المقترح، هي الحكومة وليس الكنيست.
معوقات
يبدو أن المحادثات وصلت إلى “طريق مسدود”، بسبب قضايا أعاقت المفاوضات منذ أشهر، حيث تطالب حماس بـ”نهاية مضمونة للحرب”، في حين يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه يسعى إلى تدمير القدرات العسكرية لحركة حماس، ويرفض قبول هدنة دائمة إلى أن تتحقق هذه الأهداف. واعترضت حماس على اللغة المستخدمة في مسودة الإقتراح لوقف إطلاق النار. إذ تقلل الخطة من إمكانية التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، ويتوقف على إجراء المفاوضات في المرحلة الأولى من الاتفاق، وفق “وول ستريت جورنال”. وبين وصف نتنياهو للمقترح بـ”غير المكتمل” من جانب آخر يسعى نتنياهو إلى إقناع حلفائه بقبول مشروع قرار مجلس الأمن، فهو يحاول الموازنة بين قبول مقترح بايدن وبين تجنب انهيار حكومته، وفق ما يراه محللون. وأصبح الاختلاف في الصياغة نقطة شائكة، خاصة بعد أن أكد نتنياهو أن إسرائيل لن تقبل بوقف إطلاق النار دون تدمير قدرات حماس العسكرية، وهو الهدف الذي يرى بعض العسكريين والاستخباريين الإسرائيليين والأمريكيين أنه “من المرجح أن يكون بعيد المنال حتى بعد ثمانية أشهر من القتال”.
جهود لدفع مبادرة بايدن
كبار مسؤولين أمريكيين، بمن فيهم ويليام بيرنز، مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وصلوا إلى الشرق الأوسط، هذا الأسبوع، لدفع مبادرة بايدن إلى الأمام. ووفقًا لما نقلته “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين مطلعين على المحادثات، فإن بيرنز أجرى محادثات مع رئيس الوزراء القطري ورئيس المخابرات المصرية في الدوحة، وطلب بيرنز من المسؤولين القطريين والمصريين أن يبلغوا هنية بأن الوسطاء الدوليين سيضمنون أن المفاوضات بشأن وقف دائم لإطلاق النار ستبدأ في الأسبوع الثالث من المرحلة الأولى من الصفقة. كما طلب إبلاغ حماس أنه سيتم الإتفاق على شروط الهدنة الدائمة، بحلول الأسبوع الخامس من المرحلة الأولية للصفقة”. وهذه الشروط هي جزء من اقتراح وقف إطلاق النار “المكتوب”.
تهديد أمريكي
حماس ترى أنه لابد من مناقشة المقترح، رغم أنها لم تبدِ في بداية الأمر اعتراضها عليه رغم ما به من غموض، وعندما اشتدت عليها الضغوط بضرورة قبوله بالقوة، أو اتخاذ عقوبات ضد قادة حماس ومنها الطرد من قطر الدولة الوسيطة. عندها رد إسماعيل هنية على هذا الاقتراح، قائلاً إن :”حماس لن تقبل الصفقة، إلا إذا قدمت إسرائيل التزامًا مكتوبًا بوقف دائم لإطلاق النار، خاصة وأن نتنياهو قال علنًا إنه لن يقبل أي اتفاق يؤدي إلى هدنة دائمة”. وعندها أخبر المسؤولون القطريون والمصريون زعيم حماس أن “الولايات المتحدة طلبت منهم تسليم التحذيرات بشأن العقوبات المحتملة والاعتقالات”. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تهدد فيها واشنطن قادة حماس، فقد أبلغت قطر المفاوضين، وقادة حماس بطردهم من الدوحة. وحذر المسؤولون القطريون في وقت مبكر من شهر مارس من أن قادة حماس سيواجهون الطرد إذا لم يقبلوا إتفاق وقف إطلاق النار. وقال أحد المسؤولين المطلعين على المفاوضات: “إنهم يعلمون أن قطر لن يكون أمامها خيار سوى طردهم إذا طلب منهم الأمريكيون القيام بذلك”.
من جانبه، أشار دانييل ليفي، المسؤول والمفاوض الإسرائيلي السابق، إلى أن الجولة الحالية من المفاوضات معرضة لخطر تكرار إخفاقات الدورات السابقة. وقال: “يبدو أن خطاب بايدن يقدم احتمالاً محيرًا لكسر الجمود من خلال تحديد مسار لوقف دائم لإطلاق النار يتم فيه ربط جميع المراحل”.
دمار مخيم النصيرات
الرد العملي الإسرائيلي على مقترح بايدن تجلى بارتكاب مجزرة النصيرات، وهذا يؤكد أن إسرائيل ماضية في الحرب دون توقف. فقد أقدمت السبت 8 يونيو الجاري بعملية عسكرية وبغطاء ناري كثيف، قتلت فيه أكثر من 274 مواطنًا مدنيًا، وإصابة 698 مواطنًا، في عملية إرهابية إجرامية توصف هي الأبشع في التوحش، في حجم الإبادة الجماعية للسكان المدنيين بطريقة جنونية، تتحدى فيها مجلس الأمن الدولي، والأمم المتحدة، والعالم، تدمر وتبيد كل شيء أمامها لاستعادة 4 من أسراها في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة بعملية وصفتها بالمركبة. ولكن هذه العملية التي أعلنت عنها إسرائيل كانت بمشاركة أمريكية وبريطانية دارت حولها الكثير من الشبهات، خاصة أن القوة الإسرائيلية دخلت عن طريق الرصيف العائم الأمريكي، وبسيارات “إغاثية” مدنية بحسب بعض الناشطين.
ويرى محللون سياسيون أن عملية النصيرات ستكون لها آثار سلبية على باقي المحتجزين، أولها أن العملية قضت على أي فرص أخرى من شأنها استعادة أسرى أحياء، نظرًا للتحول الكبير الذي سيطرأ على ظروف تأمينهم، والانتباه واليقظة لوحدات الظل، والتعامل الصارم والحازم مع أي تحرك مشبوه. وثانيها تفاقم الأزمة بين نتنياهو وأهالي الأسرى، وبين تشدد نتنياهو في مسألة الصفقة، واستثماره للحدث لإطالة الحرب، مع أن عائلات الأسرى تطالب بضرورة إنجاز الصفقة. ولهذا خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين في تل أبيب لمطالبة نتنياهو بالصفقة، حتى لو تطلب ذلك وقف الحرب.
ويرى خبراء عسكريون أن عملية النصيرات فشلت وفقا للمعايير العسكرية، إذ أسفرت عن مقتل وجرح المئات لتحرير 4 رهائن فقط، فيما رأى آخرون أنها تعد دليلاً على ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية، وأنها تصنف كجريمة حرب مكتملة الأركان. وتعليقًا على المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل بمساعدة أمريكية وبريطانية، يرى مراقبون أن مجزرة النصيرات تعكس السقوط السياسي والأخلاقي للمشتركين في هذه العملية من الدول الغربية التي تتغنى بحقوق الإنسان، ولو كان لدى هؤلاء أي قيم عسكرية أو إنسانية لقيموا أولاً الخسائر البشرية على الصعيد المدني قبل أن يتحدثوا عن استعادة الأسرى. ومع الحديث عن استخدام القوات الإسرائيلية للرصيف العائم الأمريكي، عاد الحديث عن الدور الحقيقي لهذا الميناء.
جريمة إبادة النصيرات هي إضافة لمسلسل جرائم النازية الإسرائيلية، الأكثر وحشية وفاشية في تاريخ الحروب الإنسانية، بحق أهالي غزة التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الشهداء من الأطفال والنساء. ويتضح حتى الآن أن إسرائيل يمكن أن تقتل كل شعب غزة لاستعادة أسراها بالقوة العسكرية والهجوم الإسرائيلي المميت بدلاً عن أي محاولات سياسية للافراج عن أسراها. وكل ما تتطلب العملية في كل هذا الهوس المجنون هو وقف إطلاق النار بشكل دائم لتحقيق خطوات تبادل الأسرى وانسحاب القوات المحتلة من قطاع غزة.
إسرائيل أصبحت اليوم دولة نازية “منبوذة”، لا تتقيد بأي قوانين أو تشريعات دولية، وهي دولة متمردة على المؤسسات الدولية، ولا تحترم حقوق الإنسان، لذلك لا يمكن أن تتصالح مع الفلسطينيين أبدًا، وفق منطق سياسي. فهي تريد أن تطبع مع العرب لإلتهام ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، ومن ثم الهيمنة والنفوذ على منطقة الشرق الأوسط، وهي ترى نفسها فوق الشعوب، وفوق الديانات الأخرى، حتى مع المسيحيين أنفسهم، لأن الدوافع الدينية تجعلهم على خلاف مع الآخرين، هذه مشكلتهم العنصرية. ثقافة السامية تجعلهم يفكرون بعنصرية مقيتة على بقية الأعراق والأجناس البشرية، وجل أنشطتهم الاقتصادية، تسعى لتكريس هذا المفهوم. ستعاني منهم دولاً كثيرة بحكم أنشطتهم الاقتصادية والتجارية والعسكرية والاستخبارية، القائمة على التآمرات.
تفسيرات
التساؤل المحير، الذي لم يلق على إجابة منطقية وراء المقترح الإسرائيلي بلسان أمريكي، إذ يتبادر السؤال: لماذا لم يكن مقترحًا أمريكيًا خالصًا؟ ولماذا يطرح بايدن مقترحًا إسرائيليًا، نيابة عن إسرائيل؟ لماذا لم يخرج عن رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ويقدم المقترح بنفسه، وهو على ما يبدو قد جرى نقاشه بشكل مستفيض في مجلس الحرب الإسرائيلي بمشاركة الجيش الإسرائيلي؟ ولماذا هو في الأخير يصدر من مجلس الأمن هذه التساؤلات وغيرها تضع المقترح أمام تفسيرات عدة:
أولها: أن بايدن قدم المقترح، وقال عنه أنه “مقترح إسرائيلي”، وهذا يعني أنه قد حدث تنسيق مع نتنياهو، أو حتى مع قادة آخرين.. الافتراض الوحيد أن نتنياهو، لم يكن يقبل به، بالإضافة إلى سموتريتش وبن غفير.. وهو ما جعل الولايات المتحدة تمارس ضغطًا على نتنياهو للحسم بشأن هذا التصور، ويبدو أنه ظل حبيسًا لمداولات مجلس الحرب، وتردد نتنياهو في طرحه على الملأ، وعلى أعضاء الحكومة الإسرائيلية. لذلك لم يتطرق بايدن في خطابه لتفاصيل المقترح، وإنما طرح الإطار العام له. وهذا يقود إلى ماوراء المقترح كورقة ضغط أمريكية على نتنياهو لتعديل مواقفه من الحزب الجمهوري، ومالم يرضخ نتنياهو فإن إسقاط الحكومة واردة وبيني غانتس جاهزًا لهذه المهمة، وها هو يقدم استقالته، ليصبح مجلس الحرب قابلاً للتفكك. فالمقترح في الأصل يتطلب استمرار المباحثات بين حماس وإسرائيل عبر الوسطاء على تفاصيله، وفي هذا الصدد، فإن بايدن كان يهدف لتحريك هذا المسار بعد تعطيله في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على رفح، والتأثير على المشهد السياسي الإسرائيلي الداخلي.
التفسير الثاني: قد يكون المقترح الإسرائيلي عُرض بتنسيق مع إسرائيل، ولكنه تعرّض لتعديلات أمريكية، لوقف الحرب، لذلك كان الرد الأولي لحركة حماس هو التعامل الإيجابي معه. لذلك بادر بايدن لطرحه بدون تنسيق مع إسرائيل، وعرضه على أنه مقترح إسرائيلي، مقابل ترحيب حماس الأولي بالمقترح، فيما انزعج نتنياهو وخرج مؤكدًا بتصريحات نارية “أن إسرائيل لن توقف الحرب دون تحقيق أهدافها المتمثلة في القضاء على حركة حماس كسلطة وبنية عسكرية، وإعادة المحتجزين الإسرائيليين”.
التفسير الثالث، تظهر أمريكا نفسها ومعها إسرائيل أمام المجتمع الدولي على أنهما مع السلام، وإظهار حماس بأنها ترفض كل المبادرات، وهذا تضليل على الرأي العام على جرائم الإبادة الجماعية بحق المدنيين في قطاع غزة.
التفسير الرابع، هي محاولة أمريكية لإنقاذ إسرائيل من المستنقع، فقد جاء في سياق استنفاد العمليات العسكرية قدرتها على تحقيق أهدافها، وهو الإدراك الذي تعمّق بعد مرور أسابيع على عملية رفح التي زعمت إسرائيل أنها ستكون المرحلة الأخيرة قبل الانتصار الذي هو “قاب قوسين أو أدنى”، وأنه على مرمى حجر، كما كان نتنياهو يقول.
والأهم من كل ذلك أن لدى الإدارة الأمريكية قناعة بأن تحقيق أهداف الحرب يحتاج إلى مقاربة سياسية بعد استنفاد العمليات العسكرية، ولكن نتنياهو يمتنع عن مجرد الحديث عن أي مقاربة سياسية، لما يعنيه ذلك من إحباط أحلام اليمين المتطرف في الاستيطان في قطاع غزة، وفرض حكم عسكري عليها.
وأخيرًا، فقد جاء الطرح الأمريكي لهذا المشروع في سياق العزلة الدولية لإسرائيل، بعد قرارات محكمة العدل الدولية، وقرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، والاعترافات المتتالية بالدولة الفلسطينية، والكارثة الإنسانية التي خلفتها الحرب في قطاع غزة دون تحقيق أهدافها.
تحليل التصريحات الإسرائيلية، وتصريحات نتنياهو على وجه الخصوص، توضح أن الأخير يراهن على تنفيذ المرحلة الأولى من المقترح، دون التعهد بوقف الحرب، فقد قال إن المقترح يحقق أهداف الحرب في القضاء على حركة حماس من جهة، ووقف العمليات العسكرية من جهة أخرى، فكيف يمكن تحقيق الاثنين معًا فيما لو افترضنا جدلًا أن حماس وافقت عليه…!
التفسير المنطقي أن نتنياهو كان يراهن على الذهاب لتنفيذ المرحلة الأولى، ثم يفشل المراحل الأخرى، عبر وضع شروط تعجيزية لا يمكن لحركة حماس قبولها، فيعود لاستئناف الحرب. وهكذا يمكن تفسير موقف حماس الرافض لأيّ مقترح دون تعهّد دولي وإسرائيلي بوقف الحرب. وإلى ذلك يبدو المشهد السياسي الداخلي في حالة حراك، ووضع نتنياهو في معضلة سياسية داخلية، ومصادقة إسرائيل على مشروع القرار غير واضح، سوف تؤدي إلى خروج أحزاب اليمين المتطرف من الحكومة، وانسحاب وزراء من مجلس الحرب، إلا الانسحاب قد يؤدي إلى إسقاط الحكومة. واستقالة غانتس وآيزنكوت لا تضمن بقاء حزب المعسكر الرسمي برئاسة بيني غانتس في الحكومة، الذي كان قد تراجع عن المُهلة التي أعطاها لنتنياهو حتى 8 يونيو/ حزيران للانسحاب منها.
ورغم ذلك يدرك نتنياهو أن موافقته على القرار ستفقده دعم الكتلة الشعبية الصلبة لليمين المتطرف، كما أن خروج أحزاب اليمين من الحكومة، سيؤدي في النهاية إلى تقديم موعد الانتخابات، لأن الغطاء السياسي الذي سيحققه غانتس وآيزنكوت والمعارضة لنتنياهو، قد تسرع لانتخابات مبكرة، ولكن ذلك لن يؤثر على بقاء حكومة نتنياهو، لكن شرعيته في اتخاذ القرارات العسكرية سوف تتآكل، والاحتجاج الشعبي سوف يزداد. ويبدو أن غانتس التقط الفرصة الأخيرة في استقالته، ربما ذلك بايعاز أمريكي لإحداث تغيير جوهري في المشهد السياسي، فتأخره عن الخروج من الحكومة، ساهم في تثبيتها، وربما ينجح غانتس الآن في تقديم نتنياهو في صورة الشخص الفاشل، الذي يبحث عن مصالحه والهارب من أي اتفاق للصفقة، خاصة أن موعد خروجه يتزامن مع تصعيدالجبهة الشمالية.
ربما يتفكك مجلس الحرب وهذا سيمثل انتكاسة قادمة، لكن من الواضح أن نتنياهو يحاول التماهي مع الصفقة، ليضمن استعادة الأسرى في المرحلة الأولى على الأقل من خلال التأكيد على الهدنة خلال ال6 الأسابيع، وما بعدها لا أحد يعلم ما ستفضي إليه الأمور، فقد تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية، تحت ذرائع مختلفة، ليخرج في النهاية بخطاب دعائي يتهم الطرف الآخر بإفشال قرار مجلس الأمن، متذرعًا بحماس. ويراهن نتنياهو على صعود شعبيته في الأشهر الأخيرة، وتقليص الفجوة بينه وبين غانتس حول الأهلية لتولي منصب رئاسة الحكومة، وتراجع حزب غانتس في استطلاعات الرأي منذ شهرين من 40 مقعدًا إلى 28 مقعدًا. فالمجتمع الإسرائيلي، أو على الأقل قطاعات واسعة منه، بدأ يرى في نتنياهو رجل المرحلة في ظلّ النزعة العسكرية الانتقامية التي لا تزال قائمة في وعي المستوطنين الإسرائيليين.
وليس مستبعدًا أن يهرب نتنياهو من تعطيل الصفقة الحالية نحو تصعيد الجبهة الشماليّة، وعملية النصيرات بداية لهذا التصعيد الخطير، إلا أن الثمن الذي ستدفعه إسرائيل سيكون باهظًا.
المصدر: عرب جورنال