مخططات نتنياهو خلف إشعال جبهة الضفة؟!
العين برس/ مقالات
محمد الحسيني
ماذا يجري في الضفة الغربية؟! ولماذا وسّع جيش الاحتلال دائرة عدوانه على المدن والمخيمات فيها؟! ماذا في توقيت فتح جبهة الضفة في الوقت الذي لم يخرج هذا الجيش بعد من مستنقع قطاع غزة؟! هل تقتصر “العملية العسكرية” على مناطق معيّنة (جنين وطولكرم وطوباس) ضمن أمد محدّد أم أنها بداية لحملة أوسع تشمل في مراحل لاحقة كل مناطق الضفة؟!. ما أهداف بنيامين نتنياهو من تحويل المناطق الفلسطينية إلى بؤر مشتعلة، وهل ترتبط بمخطّط محو القضية الفلسطينية وفرض مشروع التسوية الشاملة؟!.
أسئلة جوهرية تكبر حولها علامات الاستفهام في جهات متعدّدة، بالتوازي مع تسارع التطوّرات الميدانية وما تكشفه مواقف مسؤولي العدو، والتي كان أخطرها تصريح من يسمى بـ”وزير الأمن القومي الصهيوني” “إيتمار بن غفير عن نيته “بناء كنيس يهودي في جبل الهيكل”.
وعلى الرغم من أن مثل هذه التصريحات معتادة في أدبيات السياسة والعقيدة الصهيونية وأهدافها المبيّتة والمعلنة، فإن تزامنها مع بدء الحملة العدوانية “الإسرائيلية” على الضفة الغربية يضع بناء “الكنيس” في صلب أهداف الحملة، وقد مهّد بن غفير لهذه اللحظة بقيادته تسعة اقتحامات دنّس فيها والمستوطنون المسجد الأقصى منذ مطلع العام 2023 حتى اليوم، ويهدف من وراء ذلك الى إسقاط ما يسمى “الوضع القانوني” في المسجد الشريف، وإرساء حال جديدة تشرّع التدنيس الصهيوني له وصولاً إلى هدمه.
توسيع مشاريع الاستيطان
أعلنت حكومة العدو أن حملة العدوان في الضفة “مناورة بريّة” على غرار ما يجري في العدوان على قطاع غزة – مع الأخذ بالحسبان عناصر الاختلاف بين الضفة والقطاع على المستويات الجغرافية و”الديمغرافية” والانتشار العسكري – وهو مطلب أصرّ اليمين الصهيوني على تنفيذه لتحقيق مجموعة أهداف أهمها:
– توسيع مشاريع الاستيطان ولا سيّما في المناطق بين جنين ونابلس، وهذا يستلزم قضم أراض فلسطينية جديدة وتهجير سكانها وتنفيذ عمليات إخلاء العديد من المناطق السكنية، ما يفرض واقعاً “ديمغرافياً” جديداً يتيح للصهاينة انتشاراً أوسع من جهة، ومن جهة ثانية يسمح لجموع المستوطنين بزيادة وتيرة اعتداءاتهم ضد الفلسطينيين واستعادة أسلوب القتل والتهجير كما حصل قبل عامي 1948 و 1967.
– ضرب المقوّمات العسكرية التي تتيح للمقاومة الفلسطينية مواجهة قوات الاحتلال المتوغّلة، وضمان عدم تحوّلها إلى قوة فاعلة قد تسهم في إسناد المقاومة في قطاع غزة، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن واشنطن روّجت لهذا الهدف منذ عدة أشهر، حينما دعت إلى وقف اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين في الضفة، وحذّرت من أن هذه الممارسات قد تحوّل المدن والمخيمات فيها إلى “قنابل موقوتة”، وبذلك أمّنت الغطاء السياسي لأي إجراء عسكري “إسرائيلي”.
كونفدرالية “ديمغرافية” مع الأردن
– إحكام السيطرة على المناطق الرئيسية في الضفة، وهذا يعني إسقاط اتفاق “أوسلو” الذي ينص على وجود مناطق خاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، واستعادة مشروع “رونالد ريغان” الذي طرحه بعد الاجتياح الصهيوني للبنان في العام 1982، وكان يقضي بإنشاء كانتون في الضفة يخضع لحكم السلطة الأردنية في ظل نظام “كونفدرالي”، مع العلم بأن رئيس حكومة العدو آنذاك “مناحم بيغن” رفض إقامة أي شكل من أشكال الدولة الفلسطينية، كما رفض مشروعين طرحتهما واشنطن في هذا المجال ووافق عليهما العرب في قمة “فاس” بالمغرب، وهذا ما يرفضه نتنياهو اليوم أيضاً ويدفع باتجاه تذويب الفلسطينيين في النسيج الأردني.
تفريغ القطاع والضفة
– اعتماد سياسة تفريغ ممنهجة لمناطق الضفة بالتوازي مع تحويل قطاع غزة إلى أرض غير قابلة للحياة، وبذلك يحقق نتنياهو هدفين متوازيين، الأول: إفراغ القطاع وإنشاء أزمة ديمغرافية ومطالبة مصر أو أي دولة أخرى باستيعاب الفلسطينيين من خلال توطينهم على أراضيها أو ترحيلهم إلى دول الشتات، خصوصاً أن إعادة إعمار غزة وتأهيلها من جديد يحتاج إلى سنوات طويلة، والثاني: إفراغ الضفة بشكل تدريجي وممنهج وإحياء مشروع ريغان لجعل الأردن الوطن البديل للفلسطينيين، وهذه هي اللحظة السانحة لتطبيق هذا الهدف مع استعداد الدول العربية للمضي في مسار التطبيع والتسوية وتمويل أي مشروع يفضي إلى إنهاء القضية الفلسطينية ووضع القدس والمسجد الأقصى تحت مظلة رعائية دينية – دولية إسلامية ومسيحية، مع تكريس السيطرة الأمنية والإدارية الصهيونية فيهما.
للتذكير فقط، فقد نفى وزير الخارجية الأميركي “جورج شولتس” (في أيلول 1982) بشكل واضح احتمال قيام دولة فلسطينية مستقلّة في الضفة الغربية وغزة وقال خلال لقائه شخصيات من قيادات المنظمات العربية الأمريكية في واشنطن إن “إدارة ريغان تعمل على وضع ضمانات كافية لمنع قيام مثل هذه الدولة في أي مرحلة من مراحل المستقبل”، موضحاً أن واشنطن تعتبر الملك الأردني حسين المتحدث الرسمي باسم الفلسطينيين. وللتذكير أيضاً فقد أعلن وزير الحرب أرييل شارون آنذاك خلال لقائه شولتس ووزير الحرب الأمريكي كاسبار وينبرغر أن “الأردن هو الدولة الفلسطينية التي يطالب بها العرب منذ أمد بعيد، وإسرائيل لن تقبل دولة أخرى على الأرض التي تحتلّها، ولن تقدم تنازلات على حساب أمنها”.
متى أوان الزوال؟
لطالما سعت الإدارة الأمريكية إلى تعميم تجربة “كامب ديفيد” أسلوباً لا بدّ منه بهدف إخضاع المنطقة العربية والإسلامية لسيطرتها وتمكين “إسرائيل” من تطبيق هذه السيطرة، وأسّست على اجتياح لبنان في العام 1982 لتسويق هذا المسعى بتوقيع اتفاقي وادي عربة مع الأردن وأوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية، واستطاعت مع تقادم السنين ضمّ معظم أنظمة العرب ودولها إلى مشروع التسوية، ولذلك قد ترى واشنطن وكذلك نتنياهو أن الفرصة سانحة لإعادة إحياء مشروع ريغان وتطبيقه، ولكن تجربة التاريخ تقول إن المقاومة في فلسطين ولبنان أحبطت هذا المسعى حتى اليوم فضلاً عن تحوّل محاور المقاومة إلى جبهة واسعة تستهدف المشروع الأمريكي كلّه، فحرّرت الأرض ونقلت المعركة إلى داخل كيان الاحتلال وفرضت موازينها الهجومية والردعية، حتى بات السؤال الذي يضج به الوجدان الصهيوني: متى أوان الزوال؟!
المصدر: موقع العهد