ما هي حاجة أميركا للوكيل السعودي في المنطقة؟
العين برس/ تقرير
خلال السنوات الأخيرة خرجت السعودية من حالة الغموض والضبابية فيما يتعلق بسياستها الخارجية وفي تعاملها مع القضايا الإقليمية والدولية، بحيث أن تعاملها مع الكثير من القضايا صار مكشوفاً على السطح أكثر من أي وقت مضى، وصارت كل التبريرات التي كانت تغلف بها خطواتها مفضوحة، فمثلاً كان تبريرها الرئيسي لعدوان عام 2015 هي إعادة اليمن لما يسمى بـ “الحضن العربي”، لكن من سيصدق بعد اليوم مثل هذا التبرير خصوصاً بعد هرولتها لـ”الحضن العبري” بإعلانها قرب التطبيع مع الكيان الإسرائيلي وخذلانها للمقاومة في غزة؟!
في هذا التقرير سنحاول توضيح موقف السعودية من القضية الفلسطينية وطوفان الأقصى، بالإضافة إلى حاجة الولايات المتحدة للسعودية كوكيل في المنطقة.
السعودية وطوفان الأقصى
“السعوديون غاضبون مما قامت به حماس، لذلك هم يرغبون في أن تنجز “إسرائيل” مهمتها لضمان القضاء على حماس”.
بهذا التعبير اختصر جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، رؤية السعودية حول طوفان الأقصى، وذلك بعد زيارة له للسعودية استمرت عدة أيام نهاية أكتوبر الماضي.
وهو بتلك الزيارة التي جاءت بعد أقل من شهر من حدوث طوفان الأقصى، ذهب للرياض لمعرفة نظرة النظام السعودي عن قرب حول طوفان الأقصى وما إذا كانت قد تغيرت بعد هذا الحدث، وفي هذا السياق قال كوشنر ضمن تصريحاته التي أدلى بها لقناة فوكس نيوز في 29 أكتوبر الماضي:” بصراحة، لا يزال هناك الكثير من الحماس لمحاولة مواصلة المسار الذي تم تحديده في ظل إدارة ترامب، الذي تبنته إدارة بايدن، لمحاولة الجمع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية”، وهو يقصد بذلك مسار التطبيع وما يسمى بصفقة القرن التي يعتبر كوشنر أحد مؤسسيها.
إن التصريحات التي أدلى بها كوشنر عن موقف السعودية من طوفان الأقصى ورغبتها بالقضاء على حماس، لم يرد عليها أي مسؤول بالنفي أو التبرير، بل بالعكس صدرت تصريحات من مسؤولين سعوديين تؤكد بأن مسار التطبيع مستمر، وهو ما يعني أن تصريحات كوشنر هي الرؤية الرياض الصحيحة لطوفان الأقصى.
إن الموقف السلبي الذي انتهجته الرياض من عملية طوفان الأقصى يعود إلى عدة أمور تتلخص في أن التوجه الجديد الذي يقوده ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يتناقض ويتصادم مع أفكار وأدبيات المقاومة الفلسطينية، حتى أن هذا التصادم وصل إلى حد اعتقال السلطات الأمنية عشرات من القيادات في شباط من العام 2019 ولا زالت تعتقل بعضهم حتى اليوم.
ومنذ بدء عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي نجد أن الموقف الرسمي السعودي اقتصر على إصدار بيانات متفرقة تدين الاحتلال بارتكاب المجازر في قطاع غزة وإرسال مساعدات غذائية لأهالي القطاع، وفي المقابل نجد الإعلام السعودي يهاجم المقاومة الفلسطينية ويحملها وزر العدوان الإسرائيلي ويعمل على الترويج بشكل واضح للرواية الإسرائيلية، وهذا النشاط الإعلامي ليس عشوائياً أو فوضوياً، بل إنه يعبر عن الرؤية الرسمية الحقيقية للنظام السعودي الذي لا يسمح بأي نشاط إعلامي لا يتوافق مع سياسة النظام.
ولم يقتصر عمل السلطات السعودية على دعم النشاط الإعلامي الذي يهاجم المقاومة الفلسطينية ويتبنى الرواية الإسرائيلية، بل إنها اتجهت لاعتقال الناشطين أو المواطنين الذين يهاجمون “إسرائيل”، وهذا ما أكدته شبكة “بلومبرغ” في تقرير لها يوم 2 مايو الماضي حيث قالت أن” المملكة العربية السعودية كثفت حملات اعتقالها للمواطنين الذين يهاجمون “إسرائيل” في مواقع التواصل الاجتماعي”.
أما من ناحية مساعدة النظام السعودي لـ “إسرائيل” بكسر الحصار الذي فرضه اليمن على ميناء “إيلات” فقد ذكرت العديد من التقارير نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية ودولية بأن السعودية سمحت بمرور الشاحنات الإسرائيلية على أراضيها، ضمن الجسر البري الذي يبدأ من الإمارات ويمر بالأراضي السعودية والأردنية ويصل إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة. ن
إن هذا المسار التي اتخذته السعودية تجاه المقاومة الفلسطينية وبالخصوص تجاه حركة حماس التي تعتبرها امتداد لحركة الإخوان المسلمين وبنفس الوقت تعتبرها وفق توصيفات الإعلام السعودي (أحد أذرع إيران في المنطقة)، جاء ضمن سياق الحرب التي تقودها السعودية ضد جماعة الإخوان المسلمين من جهة وضد حركات المقاومة في المنطقة من جهة أخرى، كما أن السعودية ترى بأن المقاومة الفلسطينية أصبحت تمثل عائقاً أمام مشروعها الجديد المتمثل بالتطبيع مع “إسرائيل” وبناء علاقات قوية معها في كل المجالات، وهذا ما تراه المقاومة الفلسطينية بأنه انحراف واضح في مسار دعم القضية الفلسطينية، والذي سيمنح “إسرائيل” الاندماج في محيطها العربي ويمنحها شرعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وستعمل بعد ذلك على إنشاء ودعم كيانات فلسطينية موالية في غزة والضفة الغربية بالتعاون مع الأنظمة العربية المطبعة بما يؤدي للقضاء على المقاومة الفلسطينية.
حاجة أمريكا للوكيل السعودي
إن حاجة الولايات المتحدة الأمريكية للسعودية ليست مقتصرة على جانب معين بل إن حاجتها تشمل عدد من الجوانب التي تحقق للولايات المتحدة أهدافها في العسكرية والاقتصادية والسياسية.
ولما للسعودية من أهمية دينية وسياسية واقتصادية كبيرة في المنطقة فإن الولايات المتحدة بحاجة لها لتنفيذ أجندتها و أهدافها التكتيكية و الاستراتيجية في المنطقة، وإذا صح القول فإن الولايات المتحدة تستخدم السعودية ـ بطريقة أو بأخرى ـ كوكيل إقليمي إلى جانب بعض الدول الأخرى لتثبيت الوجود الأمريكي في المنطقة ومحاربة ومعاقبة كل من يعادي سياسة الولايات المتحدة، وكذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية استثمرت مكانة السعودية الدينية في العالم الإسلامي لتوجيه البوصلة نحو دول أخرى بحسب ما تقتضيه كل مرحلة وتحسين صورة الولايات المتحدة في العالم الإسلامي، وهذا كان واضحاً خلال العقود و السنوات الماضية، حيث أن السعودية حشدت كل طاقاتها لمواجهة الاتحاد السوفيتي و إيران و مؤخراً محور المقاومة ككل.
أما من الناحية الاقتصادية فإن الولايات المتحدة بحاجة للسعودية لأمرين مهمين، الأمر الأول لشراء احتياجاتها من الطاقة ولتعميم بيع النفط السعودي بالدولار الأمريكي، والأمر الثاني فإن الولايات المتحدة بحاجة للسعودية كسوق استهلاكي كبير للمنتجات الأمريكية وبالخصوص الأسلحة، ولتأكيد ذلك فقد نشر مكتب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية تقريراً في يونيو عام 2023، حيث ذكر التقرير بأن:” العمل مع المملكة العربية السعودية لضمان الاستقرار الإقليمي أحد دعائم علاقاتنا الثنائية، وإن الولايات المتحدة أكبر مورد دفاعي للمملكة العربية السعودية، وكذلك لا تزال مؤسسة الدفاع السعودية أكبر عميل أمريكي للمبيعات العسكرية الخارجية (FMS) حيث تبلغ قيمة الحالات أكثر من 140 مليار دولار. وهذه الشراكة مبنية على مصلحتنا المشتركة في الأمن في الخليج وردع أي قوة أجنبية أو إقليمية من تهديد المنطقة”.
وأضاف التقرير بأن:” أكثر من 18000 طالب سعودي يدرسون حاليا في الجامعات الأمريكية وتخرج ما يقدر بنحو 700,000 من المؤسسات الأمريكية على مدى العقود الخمسة الماضية”.
هذا التقرير الصادر عن مكتب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية يؤكد بأن واشنطن مستفيدة بشكل كبير جداً من علاقاتها الاقتصادية مع السعودية، وما نشره هذا التقرير إنما هو جزء بسيط من حجم العوائد المالية التي تحصل عليها الولايات المتحدة الأمريكية، ولو رجعنا إلى الصفقة التي حصل عليها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أثناء زيارته للسعودية عام 2017 والمقدرة ب 450 مليار دولار لتأكد لنا حجم الفوائد التي تجنيها الولايات المتحدة من علاقاتها مع السعودية.
لكن الباحث الأمريكي في جامعة كولومبيا، جيرارد نيومان، يرى أن:” الشيء الوحيد الذي يحافظ على الشراكة التاريخية بين البلدين هو مخزون النفط الهائل للسعودية وقيادتها لمنظمة الدول المصدرة للبترول أوبك”.
وأشار نيومان في مقال نشره موقع ناشيونال إنترست في مايو 2023 “أن السعودية لم تعد حيوية لمصالح أمريكا، وأن قطع العلاقة تماماً معها الآن لن يكون له أي تأثير تقريبا مقارنة بقطعها قبل 10 سنوات”.
وبالنظر إلى التطورات التي حدثت بعد طوفان الأقصى، فإن حاجة الولايات المتحدة الأمريكية للسعودية تتمثل في تشكيل تحالف أمني وعسكري وسياسي واقتصادي يحمي “إسرائيل” ويشكل خط دفاع أولي لها، خصوصاً بعد أن رأت أمريكا تفاعل محور المقاومة ودخوله في معركة طوفان الأقصى إسناداً لغزة، وهذا التحالف لن يكون منفصلاً عن السعودية التي تعلن بوضوح وبشكل رسمي أنها تقترب من التطبيع مع “إسرائيل”.
المصدر: موقع الخنادق