مؤامرة صهيونية لإنشاء “منطقة عازلة” في غزة.. الأهداف والرؤية
العين برس/ مقالات
إن الكيان الصهيوني، الذي طرح عدة سيناريوهات وخيارات لمستقبل قطاع غزة منذ عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وبينما لم تنته المعركة بعد، ولم يحقق الجيش الصهيوني إنجازاً ملموساً على أرض الواقع، يبدو أن القيادات السياسية والعسكرية ل”إسرائيل” دخلت في الفترة الماضية إلى جولة جديدة من معادلات حرب غزة من خلال إجراء تغييرات في استراتيجيتهم.
وفي الوقت نفسه الذي بدأت فيه الجولة الجديدة من الهجمات الإسرائيلية على غزة، نقلت وكالة رويترز للأنباء عن أوفير فولك، مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قوله إن الكيان الإسرائيلي لديه خطة لإنشاء “منطقة عازلة” في قطاع غزة، وحسب فالك فإن “هذه الخطة تتضمن ثلاثة أهداف خاصة بمرحلة ما بعد حماس، وهي تشمل تدمير حماس ونزع سلاح غزة وإنهاء المقاومة في غزة، ولا يزال عمق المنطقة العازلة غير معروف وقد يصل إلى كيلومتر أو كيلومترين أو مئات الأمتار داخل غزة.
وسبق أن أعلنت وسائل إعلام تابعة للكيان الصهيوني أن نتنياهو أعلن خلال لقاء مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أن الكيان ينوي إنشاء منطقة أمنية عميقة داخل غزة بعد الحرب، وأبلغ نتنياهو بلينكن أن الكيان الصهيوني سيكون مسؤولا عن المراقبة الأمنية في قطاع غزة، هذا فيما نقلت وكالة رويترز عن مسؤول أمريكي قوله: “نحن ضد أي خطة لتقليص مساحة الأراضي الفلسطينية”، وحسب هذا التقرير، فقد طرح الكيان الصهيوني هذه الفكرة مع دول الأردن والإمارات ومصر وحتى السعودية، إلا أن هذه الدول لم تستجب لهذا الاقتراح حتى الآن.
أهداف تل أبيب المتمثلة في إنشاء منطقة عازلة
في بداية الهجمات على غزة، ظن الكيان الصهيوني أنه يستطيع احتلال هذه المنطقة خلال فترة قصيرة والتخلص من حماس والجهاد الإسلامي إلى الأبد، إلا أن عملية التطورات الميدانية لم تسر كما ظن الصهاينة، والآن وصل الصهاينة، الذين يبحثون عن الحد الأدنى من الخيارات لتحقيق جزء من أهدافهم في غزة، إلى خيار “المنطقة العازلة”.
الهدف الأهم في هذه الخطة هو ضمان الأمن لمستقبل التطورات في الأراضي المحتلة، وبهذا الإجراء، تعتزم حكومة نتنياهو ضمان أمن المستوطنين الذين يقعون في مرمى هجمات حماس الصاروخية. ولتحقيق هذا الهدف، من المرجح أن تسعى تل أبيب إلى نشر قواعد عسكرية في شمال غزة لتكون بمثابة حاجز أمني أمام المستوطنات المحيطة بغزة، ولإعادة الأمن للمستوطنين المذعورين وإجبارهم على العودة إلى منازلهم، وتوفير الضمانات الأمنية للمستوطنين وهذه الأمر حيوي للغاية بالنسبة للصهاينة، وخاصة أن الأراضي الزراعية في هذه المنطقة تساعد على توفير جزء مهم من الاحتياجات الغذائية للمناطق المحتلة.
كما تأمل تل أبيب من خلال إنشاء قاعدة عسكرية أن يكون لها عيون مراقبة أكثر نشاطا ضد تحركات فصائل المقاومة في غزة، وقبل ذلك كان الجيش الصهيوني متمركزا حول غزة وحاول التنبؤ بعملية حماس باستخدام صور الأقمار الصناعية وكاميرات الدوائر المغلقة واستخدام جواسيسه في غزة، لكنه تفاجأ في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ونقطة أخرى هي أن نتنياهو يريد إظهار ذلك كإنجاز نسبي ضد فصائل المقاومة من خلال فصل شمال غزة والتظاهر أمام الصهاينة بأن دخولهم في حرب غزة لم يكن دون نتائج ومن هذا القبيل حتى يتمكنوا من العيش بسلام.
ويسعى الكيان الصهيوني إلى تنفيذ خطته المثيرة للجدل في ظل مرور ما يقرب من شهرين على هجماته على قطاع غزة، لكنه لم يتمكن من تحقيق نتائج ملموسة في هذه المنطقة، ورغم ادعاء السلطات الإسرائيلية سيطرتها على الجزء الشمالي من قطاع غزة، إلا أن المواجهات المستمرة بين قوات القسام والصهاينة في هذه المنطقة تثبت عكس ادعاء الاحتلال، وحقيقة أن الجيش الإسرائيلي طلب اليوم من سكان جباليا والشجاعية والزيتون ومدينة غزة إخلاء منازلهم على الفور يدل على أن أجزاء كثيرة من هذه المنطقة لا تزال خارج سيطرة المحتلين.
فإذا كان شمال غزة تحت احتلال الجيش الصهيوني، فلا شك أن تبادل الأسرى خلال فترة وقف إطلاق النار لا يمكن أن يتم في وسط مدينة غزة، وذلك أيضًا في ظل الوجود الكبير لقوات حماس، وهذا في حد ذاته يثبت أن أجزاء من هذه المنطقة لا تزال في أيدي فصائل المقاومة، كما عاد الآلاف من سكان شمال غزة إلى منازلهم في الأسبوع الماضي، وهذه المشكلة تجعل حلم الصهاينة في إنشاء منطقة عازلة صعبا، لأن أي بناء لقاعدة لضمان أمن المستوطنين يجب أن يتم في بيئة سلمية خالية من الصراعات والسكان المحليين، لكن حاليا شمال غزة لا يتمتع بالأمن والسلام بسبب حجم الصراعات.
ومن ناحية أخرى، تتعارض المنطقة العازلة مع مبادرة إدارة غزة الخاضعة للرقابة الدولية، بعد بدء حرب غزة، اقترحت الولايات المتحدة وشركاؤها الغربيون سيناريو يتم فيه حكم غزة من قبل تحالف دولي بعد انتهاء الحرب وتدمير حماس، لكن خطة تل أبيب تناقض هذه الخطة، لأن الصهاينة يريدون نقل مئات الآلاف من السكان الفلسطينيين إلى القطاع الجنوبي عن طريق احتلال الجزء الشمالي.
ويبلغ طول غزة حاليًا حوالي 40 كيلومترًا وعرضها ما بين 5 و12 كيلومترًا، وإذا احتلت “إسرائيل” نصف هذه المساحة، فسيؤدي ذلك إلى محاصرة سكانها البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة في منطقة أصغر، وستتسبب هذه الكثافة السكانية المرتفعة في العديد من المشاكل لسكانها ويجب تحديد إعادة إعمار هذه المنطقة وإنشاء المباني والبنية التحتية الجديدة، عدا عن ذلك، فحتى الآن لم تتفق الدول العربية وحتى الولايات المتحدة مع فكرة الصهاينة هذه ويحيط بتنفيذها هالة من عدم اليقين.
المسافة طويلة بين الحلم والواقع الميداني
إن انسحاب حكومة نتنياهو من الاحتلال الكامل لغزة والاستيطان في الجزء الشمالي منها، يدل على أن المحتلين فشلوا في القضاء على حماس، وهم يعلمون أن استمرار الحرب ليس له فائدة سوى توفير المال، ولا يرافق الصهاينة المشاة بالدبابات العسكرية وناقلات الجند المدرعة خوفاً من وقوع إصابات كبيرة، ومن الطبيعي أن يزيد انتشار الجنود على شبكة أنفاق حماس المعقدة في شمال غزة من احتمال نجاح حماس في إيقاع المزيد من الضحايا بالجيش الصهيوني.
ومن ناحية أخرى، فإن خطة المنطقة العازلة تعني بداية حرب استنزاف تكون فيها اليد العليا للجماعات الفدائية مثل حماس، ومن المؤكد أن حماس والفلسطينيين الآخرين لن يوافقوا على إنشاء منطقة عازلة، لأن الفشل في مواجهة الكيان الصهيوني سيفتح الطريق أمام استمرار الاحتلال في المستقبل، وإذا لم يوقفوا هذا الكيان في هذا الوقت، فإن المتطرفين سوف يستمرون في خطة طرد الفلسطينيين بالكامل من قطاع غزة والضفة الغربية.
من ناحية أخرى، تم تنفيذ خطة المنطقة العازلة في السابق في أجزاء من الضفة الغربية، لكن المسلحين الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية وجهوا ضربات موجعة للمستوطنين في العامين الماضيين، وسيطر الكيان الصهيوني بشكل كامل على غزة من عام 1967 إلى عام 2005، لكنه لم يستطع مقاومة موجة الصراعات الفلسطينية واضطر إلى مغادرتها، في ذلك الوقت كان سلاح الفلسطينيين الوحيد هو الحجارة والسهام والأقواس، أما الآن فقد حققت فصائل المقاومة إنجازات كبيرة في مجال الصواريخ والطائرات المسيرة، بحيث يختل ميزان القوى ليس فقط في الأراضي المحتلة، بل في المنطقة بأكملها.
ونظراً لاستمرار الصراعات في غزة، فمن الصعب تحقيق خطط تل أبيب، كما أن استمرار الوجود العسكري في هذه المنطقة سيجلب خسائر فادحة، والآن أصبح لدى المجتمع الدولي والرأي العام إجماع على أن مصير غزة يجب أن يقرره الفلسطينيون أنفسهم وأن وجود المحتلين لن يؤدي إلا إلى إشعال نار الحرب.
المصدر: الوقت التحليلي