لماذا نحيي ذكرى الشهيد القائد
العين برس / مقالات
عدنان أحمد الجنيد
يقص لنا الله سبحانه وتعالى، في كتابه الكريم، قصص المرسلين وسير الصالحين، فقال تعالى: (وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ)[ هود :120]، وذلك لتثبيت الأفئدة، وتقوية اليقين في السير على الصراط المستقيم..
وقد خلَّد الله تعالى رجالاً مؤمنين قالوا كلمة الحق في وجوه الظالمين، لأن الله عَظُمَ في أنفسهم فصَغُرَ في أعينهم ما دونَه من المخلوقين، مثل أهل الكهف، وحبيب النجار، الذي حكى الله عن موقفه في سورة (يٰسٓ)، ومؤمن آل فرعون، وغيرهم..
وما خَلَّدَ الله تعالى مواقفهم في القرآن الكريم إلاّ لنفهم عنه بأن تخليد العظماء الذين كان لهم دورٌ في نُصرة المستضعفين ونشر هدي رب العالمين، هو مما يرضاه الله تعالى، ويرتضيه سيد المرسلين صلوات الله عليه وآله الطاهرين..
وإذا كان الله تعالى قد أمرنا بتعظيم شعائر الله، مثل (البُدُن) المهداة للبيت الحرام، وجعل تعظيمها علامة لتقوى القلوب -لارتباطها بدين الله- ، فكيف بأولياء الله وخاصة عباده، الذين كان لهم الأثر الكبير في تغيير الناس، وربطهم بالله وبكتابه، وتحريرهم من عبودية الظالمين؟!! فإنهم من أعظم شعائر الله، وعلامات دينه الحنيف..
ولهذا كان الاحتفاء بذكرى استشهاد الشهيد القائد (حسين بن بدر الدين الحوثي) رضوان الله عليه يعد تعظيماً لشعائر الله تعالى.
ناهيك عن أن ذكراه هذه تعد أيضاً من أيام الله. والتذكيرُ بأيام الله مطلبٌ قرآني، قال تعالى: (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ).. وأيام الله هي النعم الجسام، والأحداث العظام، والوقائع الفخام.
ولاشك أن ثورة الشهيد القائد، ووقوفه ضد الظالمين، واستنهاضه للناس في مواجهة المستكبرين، وإحياءَه للمنهج القراني العظيم، وتكالبَ المستكبرين عليه وعلى مشروعه القرآني حتى نال الشهادة، كل ذلك يدخل في عموم قوله (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ).. وتذكير الأمة بذكرى استشهاده هو تذكير بالمبادئ العظيمة والقيم الكريمة التي استشهد السيد حسين من أجلها..
فقد كان رضوان الله عليه من كبار الصالحين المجاهدين، حيث امتلأ قلبه بالنور والصفاء، واليقين والوفاء، بعد أن رمى حب الدنيا إلى القفا، وأخلص في بيع نفسه من الله تعالى، فقابله الله بالعطاء ..
كان يحمل همَّ أمة، لما فيه من قوة العزيمة وعلو الهمة، مستشعراً المسؤولية في تحركاته الجهادية، غير مبالٍ بكل مصالحه الشخصية، الآنيّة والمستقبلية.. لم يفكر في يوم من الأيام بتأمين مستقبله ومستقبل أولاده، كما يفعل أهل الغفلة وأصحاب الأحلام، الذين ليس لهم هَمٌّ غير ذلك، سواءً كان من حلال أو من حرام..
كان رضوان الله عليه هَمَّهُ الوحيد الذي عنه لا يحيد، نصرة المستضغفين، وإسعاد الناس والعباد المؤمنين، وتحريرهم من رق عبودية الظالمين، أهل الفساد وقلة الدين، وطرد المحتلين الطامعين والمستعمرين؛ ليعُمَّ بعد ذلك الأمن والأمان، وينتشر العدل في عموم البلاد، لتصير جنة بين الجنان.
لهذا حريٌّ بنا أن نحتفي بذكرى استشهاده، لنستلهم من جهاده وتحركه القرآني الدروس والعبر، حتى نسير على خطه الجهادي والتنويري..
ثم كيف لا نحتفي بذكرى هذا القائد العظيم، ونحن نجد المجتمعات الإنسانية في مشارق الأرض ومغاربها تحتفل بذكرى ميلاد أو وفاة زعمائها وقادتها، لاسيما أولئك الذين كان لهم أثرٌ كبيرٌ في تغيير مسارها إلى مافيه رقيها وسعادتها.. وإذا كان كذلك، فكيف لا نحتفي بذكرى هذا القائد الذي أخرج الشعب اليمني من كهف العمالة والوصاية، إلى فضاء العزة والكرامة،
من كهف عبودية الطاغوت، إلى فضاء عبادة رب المُلك والملكوت، من كهف الموالاة للصهاينة والأمريكان، إلى فضاء موالاة الله ورسوله وأهل القرآن ..
إننا اليوم عندما نحيي ذكراه رضوان الله عليه، إنما نحتفل بنعمة الله التي أنعمها الله علينا، حيث أصبح شعبنا اليوم مستقلاً بقراره وبحكمه وبحريته، ولا يخضع لأي هيمنة أو وصاية، فلا وصاية سعودية، ولا هيمنة أمريكية، وأصبح الشعب مرتبطاً بالمشروع القرآني، فالكثير من أبناء الشعب نجدهم عادوا إلى المنهح القرآني والإسلام الأصيل، وتلاشت كل الثقافات المغلوطة التي كانت تدعو إلى طاعة الفاسقين والظالمين، والتي عملت على التقليل من أهمية الجهاد، بل وعملت على تقبل التطبيع مع أعداء الله ورسوله، من اليهود والنصارى، بعناوين دينية..
وهذه النعمة التي منَّ الله بها على الشعب اليمني كانت بمحض فضله تعالى، وبجهود ثورة الشهيد القائد وتحركه الجهادي، حتى نال وسام الشهادة من أجل هذا الشعب، ومن أجل الإسلام، الذي كاد الطغاة إن يشوهوا روحه السامية، ومبادئه وقيمه العظيمة..
وما ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر، التي قادها السيد القائد (عبدالملك بدر الدين الحوثي) يحفظه الله، إلا ثمرة وامتداد لثورة الشهيد القائد رضوان الله عليه، ولهذا يحق لنا أن نحيي هذه المناسبة (مناسبة ذكرى استشهاد السيد القائد حسين بن بدر الدين الحوثي)، ونحتفي بها؛ كي نحيي المبادئ والقيم، والإسلام الحقيقي الذي استشهد من أجله، لأنه دعا الأمة إلى القرآن وإلى الرجوع إليه والعمل بآياته والسير على نهجه.. حثهم على ذلك إن أرادوا أن ينتصروا على أعدائهم، ويرتقوا في جميع مجالات حياتهم الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وغيرها. وإذا ما اطلعت على جميع ملازمه ستجدها مشحونة بآيات القرآن، حيث ربطها وفعَّلها عملياً على الواقع، وقيَّم حال المسلمين من خلال نظرته القرآنية: (عين على الأحداث وعين على القرآن)..
إن الشعب اليمني وهو يحيي ذكرى استشهاده، إنما هو يحيي روح الجهاد في قلوب أبنائه..
إن السيد حسين هو القائد الوحيد الذي أحيا روح الجهاد، بعد أن خبت نار حراراته في قلوب الشعب اليمني لقرون من الزمن، حيث ظل الصمت مخيماً عليهم، ولما جاء الشهيد القائد كسر حاجز الصمت والسكوت، ودعا إلى جهاد الطاغوت، ونصرة المستضعفين، وقدم روحه فداءً لهذا الشعب؛ كي يعيش حياة عادلة، تنعم بالأمن والاستقرار، وتسودها تعاليم القرآن..
إننا، كشعب يمني، نحيي ذكرى الشهيد القائد، كي نحيي منهجه القرآني في سلوكنا ومنهجنا، الذي كان قد طغت عليه الثقافات المغلوطة والمفاهيم الخاطئة، التي حرفت مسار الأمة عن قرآنها وإسلامها…
نحيي ذكرى استشهاده، لنحيي في نفوسنا مبدأ الموالاة والمعاداة، التي غيبها الحكام السابقين طيلة العقود والقرون السابقة، فقد ركز الشهيد القائد على هذا الموضوع، وأفرد له ملازماً مفعمة بالكلام عن هذا المبدأ، في وجوب معاداة اليهود والبراءة منهم، كما أمرنا الله تعالى.
نحيي ذكراه كي نستمد من عزته وكرامته وشجاعته، واستشعاره بأهمية المسؤلية، وأن لا نرضخ للطغاة والمستكبرين والظالمين، فالقرآن لا يدعنا نسكت ونحن نرى الظلم بأم أعيننا..
وبإيجازٍ شديد، نحن نحتفي بهذه المناسبة كي نعود إلى المشروع القرآني، الذي عمل الشهيد القائد على تأصيله في نفوسنا، والذي به سعادتنا ورقينا وعزتنا وكرامتنا ونصرنا، وتعزيز هويتنا..
وما انتصرنا على أعدائنا وصمدنا هذا الصمود الأسطوري، طيلة السنوات الثمان الماضية، إلا لإحيائنا لمثل هذه المناسبات الدينية، المرتبطة بإسلامنا، وبرسولنا صلوات الله عليه وآله، وبأعلام الهدى من بعده، وباستلهامنا الدروس والعبر، واستمدادنا من أصحابها العزائم والهمم، والثبات على الحق، والثقة بالله وبنصره.