لماذا التباطؤ السعودي في التوقيع على خارطة الطريق مع صنعاء ؟!
العين برس/ مقالات
رضوان العمري
في شهر سبتمبر من العام الماضي كان التقارب بين صنعاء والرياض قد وصل ذروته، وبالتحديد بعد أن زار وفدا رسمياً من صنعاء برفقة وفد عماني العاصمة السعودية الرياض في 14 سبتمبر 2023 _ بعد زيارات سابقة لمسؤولين سعوديين إلى صنعاء _ التقى خلالها وزير الدفاع السعودي خالد سلمان، المسؤول المباشر عن الملف اليمني، وأعربت وزارة الخارجية السعودية يومها عن ترحيبها بـ”النتائج الإيجابية للنقاشات الجادة بشأن التوصل إلى خارطة طريق لدعم مسار السلام في اليمن”، وفقا لما أوردته وكالة الأنباء السعودية واس، فمن الذي تراجع أو تباطأ عن توقيع خارطة الطريق التي اتفق عليها الطرفين؟
من خلال متابعتنا للتصريحات الرسمية للطرفين خلال الأشهر الماضية _ بعد التقارب بين الطرفين _ وجدنا أن هناك عشرات التصريحات المتكررة للمسؤولين التابعين لصنعاء يدعون فيها السعودية إلى التعجيل في التوقيع على خارطة الطريق المتفق عليها، وفي المقابل فإننا لم نجد أي تصريحات للمسؤولين السعودييين بهذا الشأن، عدا التصريح الأخير الذي أطلقه وزير الخارجية السعودي قبل أيام، وهذا التجاهل من قبل النظام السعودي لدعوات صنعاء يدل على أن الرياض هي من تباطأت في المضي نحو التوقيع، فاهي الأسباب والدوافع والأهداف التي جعلت السعودية تتباطئ وتتهرب من التوقيع على “خارطة الطريق” التي اتفق عليها الطرفين؟!
ورقة ضغط على صنعاء لإيقاف مساندة غزة
بعد أن دخلت صنعاء عسكرياً ضمن معركة طوفان الأقصى وقطعت أهم شريان بحري للكيان الإسرائيلي (البحر الأحمر)، اتجهت أمريكا للضغط على صنعاء لإيقاف المعركة واستخدمت عدد من الأوراق كان من ضمنها ربط عملية السلام في اليمن بإيقاف الهجمات على السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة، وهذا ماصرّح به المبعوث الأمريكي لليمن ليندركينج، حيث قال في تصريح لقناة الشرق السعودية في يناير الماضي بأن “الهجمات على السفن تهدد فرصة السلام في اليمن”، وكرر مثل هذا التصريح عدد من المسؤولين الأمريكيين.
وفي 20 يونيو الماضي قال الناطق الرسمي باسم أنصار الله، محمد عبدالسلام، في حوار مع قناة الميادين إن الاتفاق مع السعودية كان جاهزاً وتم الاتفاق على نص خارطة الطريق ولم يتبقى إلا الإعلان قبل أن يتجمد هذا الاتفاق بعد عملية طوفان الأقصى في غزة وإسناد اليمن لها.
وأضاف، أنه كان من ضمن الاتفاق بمرحلته الأولى وقف إطلاق النار ورفع القيود عن الموانئ وصرف المرتبات وإجراءات اقتصادية لتحسين الوضع الاقتصادي والإفراج عن الأسرى.
وأوضح أن الطرفين توصلا إلى “اتفاق مكتوب، وضمن مراحل، على خريطة طريق للحل، وافقت عليها السعودية، ونُقلت إلى الأمم المتحدة”، لكنها جُمِّدت بعد أن شاركت صنعاء في إسناد غزة.
الانتظار للإدارة الأمريكية الجديدة
بحسب مراقبون فإن النظام السعودي يعوّل كثيراً على الإدارة الأمريكية الجديدة (إدارة ترامب) لإخراجه من مآزقه الإقليمية وبالخصوص مأزق اليمن، وأن التباطؤ السعودي في توقيع خارطة الطريق مع صنعاء أحد أسبابه أن الرياض تريد كسب الوقت حتى بداية العام القادم حتى تأتي إدارة ترامب، الذي تدعمه السعودية في حملته الانتخابية ضد بايدن، وما توقيعها، قبل أيام، مع منظمة ترامب لبناء “برج ترامب” في جدة إلا أحد أشكال الدعم المالي لترامب المقدر بملايين الدولارات.
وبحسب تصريحات لمسؤولين سعوديين فإن الرياض تقترب من عقد اتفاقية دفاعية مع واشنطن لحماية أمنها واستقرارها، مقابل التطبيع مع الكيان الإسرائيلي وأشياء أخرى، ومن المؤكد إن هذه الاتفاقية الدفاعية مرتبطة كثيراً بالملف اليمني، أي أن الرياض تعول كثيراً على واشنطن في حمايتها من أي حرب قادمة مع صنعاء من خلال التوقيع مع هذه الاتفاقية.
وفي هذا السياق، فإن مراقبون يؤكدون بأن هذه الاتفاقية لن تكون أكثر من ابتزاز جديد من قبل واشنطن للرياض تحصل من خلالها واشنطن على صفقات في الأسلحة والاقتصاد فقط، أما مسألة الحماية فواشنطن فشلت خلال الأشهر الماضية في حماية بوارجها وحاملات طائراتها في البحر الأحمر من الهجمات اليمنية، وهي بمثابة درس مجاني للسعودية بأن السلام مع اليمن أفضل من الرهان على واشنطن للحماية.
قتل الحاضنة الشعبية في مناطق سيطرة حكومة صنعاء
إن أحد أهداف السعودية والولايات المتحدة في التباطؤ والمراوغة على توقيع خارطة الطريق مع صنعاء، يأتي في سياق العمل على الخطة “ب” والمتمثلة بضرب الحاضنة الشعبية المتواجدة في مناطق سيطرة حكومة صنعاء ومحاولة رفع سخطهم من الواقع المعيشي السيئ، وبالتالي فقدان الثقة بحكومة صنعاء التي لم تجد حلولاً اقتصادياً لإنعاش الوضع الاقتصادي لأن الحلول مرتبطة بالتوقيع على خارطة الطريق التي تشمل دفع الرواتب من خلال إعادة تصدير النفط والغاز.
ووفق للتقييمات الأمريكية والسعودية فإن السبيل الوحيد لتفكيك اللحمة الشعبية وتوجيه سخطها ضد حكومة صنعاء هو هدنة بلا استحقاقات إنسانية وإبقاء الوضع في حالة “اللاسلم واللاحرب”، وتحريك الشارع تحت عناوين الخدمات والوضع المعيشي.
وفي تصريح سابق لجريدة الاتحاد الإماراتية أظهر المبعوث الأمريكي الخاص باليمن ثيموتي ليندركينغ معارضة بلاده الصريحة للمفاوضات التي كانت انطلقت بين صنعاء والرياض حول الترتيبات الإنسانية لمسار السلام والتي كانت تدور حول نقطة صرف رواتب الموظفين من عائدات النفط والغاز.
قال ليندركينغ إن ” بعض القضايا، التي تتم مناقشتها، مثل كيفية ضمان حصول جميع موظفي القطاع العام على رواتبهم، معقدة”، مما يشير إلى أن واشنطن تستخدم الملفات الإنسانية كأوراق ضغط ضد صنعاء.
كلفة التباطؤ والتصعيد على السعودية
إن انشغال صنعاء في معركة إسناد غزة خلال الأشهر الماضية لم يدفع الرياض إلى الاستمرار بالتباطؤ على توقيع خارطة الطريق مع صنعاء وحسب، بل دفعها تماشياً مع التوجيهات الأمريكية إلى اتخاذ مزيد من الحصار الاقتصادي _ عبر حكومة عدن الموالية لها _
ضد مطار صنعاء وطيران اليمنية والبنوك والتجارية في صنعاء.
لكن الرياض لم تكن تدرك بأن تباطؤها واستمرارها في التصعيد الاقتصادي سيكون له تبعات خطيرة على أمن السعودية واستقرارها وعلى منشئاتها الاقتصادية والحيوية التي أصبحت تحت دائرة الخطر، وهذا ما أكده قائد أنصار الله في رسائل حادة وجهها للنظام السعودي خلال كلمة له يوم أمس، حيث :” الأميركي يحاول أن يورطكم، وإذا كنتم تريدون ذلك فجربوا، وإذا كنتم تريدون الخير لأنفسكم والاستقرار لبلدكم واقتصادكم فكفوا مؤامراتكم على بلدنا، وإذا نجح الأميركي في توريطكم فهو غباء رهيب وخذلان كبير ومن حقنا الطبيعي التصدي لأي خطوة عدوانية”.
واستطرد الحوثي خلال رسائله الموجهة للنظام السعودي بالقول:” انشغالنا بالمعركة المباشرة لإسناد غزة لا يعني أننا لن نستطيع أن نعمل شيئاً تجاه خطوات النظام السعودي الجنونية، وعلى السعودي أن يدرك أنه لا يمكن السكوت على خطواته الرعناء الغبية، وأن يكف عن مساره الخاطئ، وسنقابل كل شيء بمثله البنوك بالبنوك، ومطار الرياض بمطار صنعاء، والموانئ بالميناء”.
ونشر الإعلام الحربي اليمني، بعد كلمة قائد أنصار الله، صوراً جوية وإحداثيات لأهم وأبرز المطارات والموانئ السعودية، بعنوان: “فجربوا”، وتضمنت الصور الجوية صوراً لمطار الملك خالد الدولي في الرياض، ومطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة، ومطار الملك فهد الدولي بالدمام، وميناء رأس تنورة، وميناء جيزان، وميناء جدة، وميناء الملك عبد الله في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية.
كل هذه التهديدات والتحذيرات غير المسبوقة تؤكد بأن الكلفة التي سيتحملها النظام السعودي كبيرة جداً وستؤثر بشكل كبير على الرؤية الاقتصادية والتنموية “رؤية 2030” التي يعمل النظام السعودي من أجل تحقيقها.
المصدر: عرب جورنال