لا مكان للقضية الفلسطينية في “السعودية الجديدة”
العين برس / مقالات
كتابة / منصور العلي
ليس تفصيلاً عابراً أن تعتبر بعض دول الخليج العملية البطولية الفلسطينية في القدس الشرقية المحتلّة، التي أوقعت سبعة قتلى وعدداً من الجرحى بين المستوطنين الصهاينة “هجوماً مداناً على مدنيين أبرياء”، فالأمر يدل على ربط هذه الأنظمة الخليجية مصيرها بالنسخة اليمينية الأكثر تطرّفاً للحكم في الكيان الصهيوني.
ويبدو أن هؤلاء بحاجة إلى تذكيرهم على الدوام بأن القدس الشرقية أرض فلسطينية محتلّة، وسكّانها مستوطنون، حتى بالمعايير غير العادلة التي يعتمدها “المجتمع الدولي” عبر الأمم المتحدة. أنظمة التطبيع العربية، وعلى رأسها النظام السعودي،
لم تقف عند حدّ المساواة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل صارت تنحاز، في بياناتها، بكل وضوح وصلافة، إلى الاحتلال، بما يعنيه ذلك من فسح في المجال أمام الصهاينة للإيغال في إراقة الدم الفلسطيني،
إذ تدرك هذه الأنظمة أن الكيان الصهيوني حينما يلعب دور الضحية إنما يكون في حقيقة الأمر يمهّد الطريق لارتكاب مجزرة تحت عنوان الانتقام. الانتقام الذي يستفيد من ضوء أخضر من الأنظمة التطبيعية، عبّر عنه رئيس حكومة كيان العدو بنيامين نتنياهو، المأزوم، بفعل العملية البطولية وتداعياتها،
إذ قال بعد اجتماع المجلس الوزاري المصغّر، إن “الإرهابيين وعائلاتهم سيدفعون الثمن، وسنجلبه من كل مَن يدعمهم”، مهدّداً بالردّ “بيد ثقيلة ودقيقة”، ومعلناً أن حكومته “ستتّخذ قريباً خطوات لتعزيز الاستيطان،
كما أنها ستعجّل في منْح تراخيص حمْل السلاح لآلاف الإسرائيليين”. كما تلقف وزير خارجيته العدو إيلي كوهين، بيانات الإدانة العربية، تمهيداً لانتقام يروي غليل المستوطنين والسياسيين المتطرّفين الذين يهيمنون على حكومة نتنياهو، من الدم الفلسطيني؛ إذ قال قبيل جلسة المجلس، إنه “يشكر قادة العالم، بمن فيهم من الدول العربية، الذين أرادوا مواساة الشعب الإسرائيلي، وأن يشدّوا من أزرنا”. مقارنة سريعة تدلّ على هذا الواقع، مقارنة بسيطة أجرتها صحيفة “الأخبار” اللبنانية، بين بيانَين إماراتيين بفارق يوم واحد، الأوّل تناول المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في مخيّم جنين في الضفة الغربية، وأسفرت عن استشهاد تسعة فلسطينيين.
وكان بياناً مخفّفاً دعت فيه أبو ظبي، تل أبيب إلى “خفْض التصعيد وعدم اتّخاذ خطوات تُفاقِم التوتّر وعدم الاستقرار في المنطقة”، وكذلك إلى “وضْع حدٍّ للممارسات غير الشرعية التي تهدّد الوصول إلى حلّ الدولتين”، ولكن من دون أن تسمّي دولة الاحتلال. وأمّا البيان الثاني الذي تناول العملية الفدائية في القدس، فانطوى على “شحنة عاطفية” في الإدانة
لا مكان للقضية الفلسطينية في “السعودية الجديدة”
حيث عبّرت الدولة الخليجية عن “استنكارها الشديد لهذه الأعمال الإجرامية”، ورفْضها الدائم “لجميع أشكال العنف والإرهاب التي تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار وتتنافى مع القيم والمبادئ الإنسانية”، معربةً أيضاً عن “تعازيها إلى الحكومة الإسرائيلية وشعبها الصديق ومواساتها لأهالي وذوي الضحايا جراء هذه الجريمة النكراء”. وما لم يقله البيانان الرسميان الإماراتيان تولّى مقرّبون من النظام تظهيره،
إذ وصف الأستاذ الجامعي الإماراتي، عبد الخالق عبد الله، القتلى الإسرائيليين بـ”المدنيين الأبرياء”، حين قال في تغريدة إن أيّ عمل مسلّح يستهدف “مدنيين أبرياء هو عمل إرهابي مرفوض بالمطلق”. أمّا الموقف السعودي،
فقد عكس عمْق التطبيع غير العلني الذي انخرط فيه ولي العهد محمد بن سلمان، مع العدو، ليساوي أيضاً بين المحتلّ الإسرائيلي والفلسطيني المحتلّة أرضه، عن طريق “إدانة كل استهدافٍ للمدنيين”، بحسب ما ورد في بيان لوزارة خارجية النظام السعودي،
التي حذّرت من “انزلاق الأوضاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى المزيد من التصعيد الخطير”. المساواة بين الضحية والجلاد ميّزت أيضاً موقف نظام البحرين، الذي وردت في بيان وزارة خارجيته دعوة إلى “اتّخاذ الخطوات العاجلة والفاعلة لوقْف حالة التصعيد الخطيرة والمدانة التي ذهب ضحيتها مدنيون فلسطينيون وإسرائيليون”.
وحتى الموقف العُماني من هجوم القدس، جاء خارج السياق المعتاد، باعتبار أن مجلس الشورى في السلطنة كان قد اتّخذ قراراً بتوسيع مقاطعة الكيان الإسرائيلي، مثيراً استياء حكومة الاحتلال. فقد عبّرت السلطنة، في بيان لوزارة خارجيتها، عن “رفض وإدانة جميع أشكال العنف والإرهاب التي تستهدف المدنيين وتزعزع الأمن والاستقرار”، داعية “المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته نحو وقف التصعيد الخطير الذي تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلّة”.
التطبيع آخر الخط وليس أوله!
قد يعتبر البعض أن التطبيع بين الأنظمة الخليجية وعلى رأسها النظام السعودي، وكيان الاحتلال الإسرائيلي، هو بداية مسار طويل من العلاقات بين المطبعين والصهاينة، إلا أنه في حقيقة الأمر فإن التطبيع هو نهاية هذا المسار وتتويج له.
لا مكان للقضية الفلسطينية في “السعودية الجديدة”
اداء النظام السعودي منذ أن أوجده الاستعمار حتى اليوم، دليل واضح على ذلك. حتى في أوج المواجهة العربية – الصهيونية، كان آل سعود يسدون الخدمات للصهاينة من أجل تمكين حكمهم في فلسطين المحتلة. وكانت العلاقات بين الصهاينة وآل سعود خفية، لكنها مزدهرة. يقول بعض المؤرخين والكتّاب في كتاباتهم، إن الاستعمار الغربي أوجد النظام السعودي الوهابي في الجزيرة العربية، كمرادف للنظام الصهيوني في فلسطين المحتلة،
وجعل وجود أحدهما مبرراً لوجود الآخر. اليوم، يتحدّث كثر عن “بعد خطير”في السياسة الخارجية للنظام السعودي، تطوّر سريعاً وتعزّز في حقبة ولي العهد محمد بن سلمان. يتعلق الأمر بالعداء الذي خرج من الباطن إلى العلن، الذي تشنّه مملكة آل سعود على القضية الفلسطينية، وعلى حقوق الشعب الفلسطيني،
في إطار جهود ابن سلمان لإثبات ولائه أميركياً وإسرائيلياً لتأمين صعوده إلى العرش بعد أبيه. منذ تنصيب بن سلمان ولياً للعهد، في يونيو 2017، يمضي النسق العدائي السعودي للقضية الفلسطينية بشكل تصاعدي. في الأصل،
لم يكن صعود بن سلمان ليحدث لولا دعم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وذلك بعد أن نجح صهره، جاريد كوشنر، بإقناعه بالفكرة، بضغط إماراتي حثيث.
ويؤكد تقرير صحافي استقصائي هام نشرته مجلة “ذا نيويوركر”، في إبريل 2018، للصحافي ديكستر فيليكز، بعنوان: “أمير سعودي يبحث عن نسخة جديدة للشرق الأوسط”. وحسب التقرير، فإن إدارة ترامب كانت تبحث “عن عميل لتغيير المنطقة، ووجدت ضالتها في الأمير محمد بن سلمان، فقرّرت احتضانه ليكون عميلها لتحقيق التغيير فيها”.
وسبق لترامب أن تباهى بانقلاب محمد بن سلمان على ابن عمه محمد بن نايف، قائلاً: “لقد وضعنا رجُلنا في القمة”. يؤكد ابن سلمان بنفسه أننا بصدد نسق سعودي مدروس من العداء للقضية الفلسطينية، إذ أعلن في مقابلته الشهيرة مع مجلة “ذا أتلانتيك” الأميركية، في مارس 2022، أن النظام السعودي “لا ينظر لإسرائيل كعدو، بل كحليف محتمل في العديد من المصالح التي يمكن أن نسعى لتحقيقها معاً، لكن يجب أن تحل بعض القضايا قبل الوصول إلى ذلك”.
سبق ذلك تصريح اعتُبر خارطة طريق “الشاب الطموح” نحو العرش. إذ قال في مقابلة مع المجلة الأميركية ذاتها في أبريل 2018، إنه “في حال التوصّل إلى سلام ستكون هناك مصالح بين “إسرائيل” ودول الخليج ومن بينها السعودية”، مضيفًا “الشعب اليهودي له حق في دولة قومية في جزء من موطن أجداده، والفلسطينيون والإسرائيليون لهم الحق في امتلاك أراضيهم الخاصة”.
وبذلك، يكون ابن سلمان أول مَن مهّد الطريق العربية للتعايش مع مرحلة جديدة عنوانها الأبرز سيكون “التطبيع الكامل مع الكيان الصهيوني، وفتح الباب على مصراعيه أمام الدول العربية الأخرى لتغيير علاقتها مع دولة الاحتلال وتقبلها كواقع جديد في المنطقة.
لا مكان للقضية الفلسطينية في “السعودية الجديدة”
الوجه الحقيقي مواقف محمد بن سلمان آل سعود، لمجلة “ذا أتلانتيك” الأميركية، بأن لـ”إسرائيل” حق في الأرض الفلسطينية ويمكن التعايش معها مستقبلًا، ونظامه ليس لديه مشكلة مع اليهود، كشفت الوجهة الحقيقية التي تريد أن تصل إليها “السعودية الجديدة” في علاقتها مع دولة الاحتلال بعد أن رفعت كل المحظورات التي كانت في السابق تُجرم هذا الطريق.
وإن كان ابن سلمان يربط التطبيع العلني مع الصهاينة بـ”حلّ القضية الفلسطينية”، إلا أنه يرى هذا الحلّ بما يضمن أمن واستقرار واستدامة كيان الاحتلال الصهيوني على حساب حقوق الشعب الفلسطيني. وبالطبع لا يدعم حلاً للقضية الفلسطينية يحرّر بموجبه الفلسطينيون أرضهم بالقوة.
كشفت مصادر سعودية في محيط العائلة الحاكمة، اليوم الخميس، لوسائل إعلام إسرائيلية، أنّ السعودية طلبت من “إسرائيل” تقديم تنازلات بشأن القضية الفلسطينية، إذا كانت مهتمة بتطبيع كامل بينهما. وفي هذا الإطار، كشف قال معلّق الشؤون العربية في قناة “كان” العبرية، روعي كايس، قبل أيام، أنّ “مصادر سعودية في محيط العائلة الحاكمة تحدّثت معنا في الأيام الأخيرة،
وقالت: إذا مدّ نتنياهو يده وأظهر أنّه مهتمٌ بسلام مع الفلسطينيين، فإنّ السعودية ستمدّ عشر أيادٍ في اتجاهه”. وأكدت المصادر نفسها أنّ “السعودية حساسة جداً تجاه الشارعين العربي والإسلامي. لذلك، فإن تحقيق التطبيع مع إسرائيل، من دون أن تقوم الحكومة الإسرائيلية بتقديم تنازلات سيؤدي إلى القول إنّ ابن سلمان ولي العهد خائنٌ وباع القدس”.
وأشارت المصادر إلى أنّ “إسرائيل” لن تقدّم تنازلات إلى التظام السعودي. لذلك، فإن المسؤولين في الرياض يُفضّلون أن تبقى العلاقات بـ”إسرائيل” في هذه المرحلة تحت الطاولة. إذًا، يرى ابن سلمان في القضية الفلسطينية ورقة مساومة، يبدي ايتعداده لطرحها في سوق المزايدات السياسية عندما يتأكد من أنها ستضمن له “أعلى سعر” يناسب تطلعاته المستقبيلة.
إلا أن الثابت لدى “السعودية الجديدة” أن القضية الفلسطينية لسيت أكثر من تغريدة يُجبر “ملك الترفيه” تركي آل الشيخ، فنّانيه وراقصاته، على التغريد لها في الأوقات العصيبة، بينما يواصل محمد ابن سلمان المساومة عليها حتى تحين لحظة الحقيقة، يوم يتقرر أن يخرج آل سعود والصهاينة على الناس شاهرين سيوفهم يؤدون رقصة العرضة احتفالاً بإخراج علاقتهم التاريخية إلى العلن.