كورسك والفخ الأميركي لروسيا
العين برس/ مقالات
عبير بسام
تزامناً مع الهجوم الأوكراني على جبهة روسيا الجنوبية الغربية في كورسك في الثامن من هذا الشهر، كتب فيكتور بارانتيس في صحيفة “برافدا” الروسية، أنه من الواضح أن الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلنسكي، وجنرالاته يبحثون عن نقطة ضعف في الجبهات الروسية الجنوبية. ومع زخم التصريحات الأوكرانية المتفاخرة، فإن اجتياح كورسك يعد مغامرة أوكرانية- أميركية يبحثون من خلالها عن نصر صغير تتم المساومة عبره على المكتسبات التي يمكن للطرفين الوكيل والأصيل، نزعها وتبرير سرقة 50 مليار يورو. وهذا، بالتأكيد، ما لن تسمح به روسيا.
سيقتطع المبلغ المذكور من فوائد أصول الأموال الروسية المجمّدة من أموال البنك المركزي الروسي المحجوزة في الدول الغربية، والتي تبلغ قيمتها 280 مليار دولار أميركي، تمنح لأوكرانيا بوصفها مجموعة من القروض لمساعدتها على تعزيز دفاعاتها العسكرية. وعلى أوكرانيا إثبات أحقيتها من خلال إنجاز عسكري ما. إنجاز، يجب أن يتحقق قبل وصول الأموال المقرر بدء تدفقها في نهاية هذا العام، والتي ستغطي حاجة أوكرانيا التمويلية حتى نهاية العام 2025.
عبر هجوم كورسك، نقلت أوكرانيا الحرب إلى داخل الأراضي الروسية متأملة أن يحمل وصولاً سريعاً إلى سلام تعتبره عادلاً، بحسب الناطق باسم الخارجية الأوكرانية، جورجي تيخي، ولكن هذا السلام لم تمنحه أوكرانيا لأهالي الدونباس والدونيتسك الذين ابتدأت الحرب عليهم، ليس في العام 2022، وإنما منذ العام 2014، بعد أن احتل “أنصار التكامل الأوروبي”، بحسب تعبير رئيس وزراء أوكرانيا السابق، نيكولاي آزاروف، ساحة كييف الرئيسية، أو ما يسمى بـ”ميدان الاستقلال”، في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، وبعد أن تحققت بعد عام محاكمة وعزل رئيس أوكرانيا الصديق لروسيا، فيكتور يانوكوفيتش، من قبل البرلمان الأوكراني وتم انتخاب بيوتر بورشينكو تحضيراً لمجيء زيلنسكي. بما يشبه انقلاب الساحات في ما سمي بـ”الربيع العربي”.
وعد الأوروبيون من أسموهم “أنصار التكامل الأوروبي” بانضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي، ولكن جرى المماطلة بتنفيذ الوعد، وانفضحت الخطة الأميركية وراء الانقلاب حين تم ترشيح أوكرانيا لتصبح عضواً في “الناتو” في 2022 وليس عضواً في الاتحاد. وتفاقمت قضية انضمام أوكرانيا لـ”الناتو” وقضية الصواريخ متوسطة المدى التي ستنشر فيها الأمر مع روسيا. واليوم يراد من خلال هجوم كورسك، واحتلال 20 قرية وتهجير 100 ألف نازح روسي بسبب القصف الأوكراني للمقاطعة، تحقيق ما عجز “الناتو” عن تحقيقه منذ العام 2014.
قبل يومين تقريباً، أعلن عن حريق في محطة “زاباروجيا” النووية، وهي منطقة أعلنت القوات الروسية منذ عام تقريباً سيطرتها عليها وعلى المناطق المحيطة بها ومنها منطقة “خاركوف” وما حولها. تظهر السيطرة الروسية المتتابعة على هذه المنطقة، الجانب العملي لتصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حين حاوره “تاكر كارلسون” على منصة “إكس”، والتي شرح فيها تاريخ القيصرية الروسية، وكان واضحاً من خلال كلامه أن روسيا لن تتوقف حتى تستعيد مناطق شرق “الدينبر”، وبالتالي فروسيا تخطط لاستعادة المناطق الحساسة وإحكام سيطرتها عليها ومنها تلك التي بني فيها المفاعلات النووية، والأراضي الزراعية الروسية المهمة، والتي تزود العالم بالقمح والطحين للخبز، وغيره من الصناعات الزراعية المهمة مثل زيوت الطهي، وهي المنطقة التي يمر عبرها خط أنابيب الغاز الروسي “نورد ستريم 1” باتجاه بحر البلطيق، والتي تغذي 40% من حاجة أوروبا. في حين تحاول الولايات المتحدة جاهدة لعزلها نهائياً عن روسيا، وتحويلها إلى خادم طيع للمصالح الأميركية.
اجتياح كورسك قابله إعلان روسيا نفيراً عاماً بغرض قبول متطوعين للانضمام للجيش الروسي من أجل محاربة العدو، وهؤلاء سيكونون جزءًا من قوات نخبة، أو مقاومة ستضرب في قلب الجيش الأوكراني الذي تمدد في داخل أراضٍ روسية، خاصة وأن روسيا لا تسطيع قصف المناطق باعتبارها روسية، وتريد الحفاظ على منشآتها الحيوية وعلى مصانعها وبنيتها التحتية، فيما يقوم الأوكرانيون عبر القصف بالمسيرات، بالتخريب والحرق الممنهج للمنشآت الروسية، وهذا دليل على أن خطط الجيش الأوكراني يضعها “خبراء” تخريب غرباء وخاصة ضباط من الجيش الأميركي، وقد صرح، “باتريك رايدر”، المتحدث باسم وزراة الحرب الأميركية في 25 نيسان/ أبريل، بأن هناك ضباطاً أميركيين متمركزين في أوكرانيا ولكن لتقديم الدعم اللوجستي والإشراف على إمداد الأسلحة، في وقت كان فيه “رايدر” يناقش مسألة وجود مستشارين عسكريين وصلت رائحة وجودهم للإعلام الغربي في أوكرانيا.
أفاد جورجي تيخي أيضاً، بأن كييف ليست مهتمة بالسيطرة على أراضٍ روسية، ولكنها تريد إقامة منطقة عازلة بعمق 30 كلم من أجل حماية حدودها. كلام يذكرنا بسياسات المناطق العازلة التي تتبناها كل من تركيا وأميركا والكيان في سورية والعراق ولبنان. هذا التطابق في التصريحات والخطط العسكرية والسياسات، يدل على أن من قام بالتخطيط لاجتياح كورسك هو نفسه من خطط لهجوم “داعش” وقام بتخريب البنى التحتية في سورية والعراق. وبالتالي من قام بإشعال النيران في محطة زاباروجيا والهجوم عليها بالمسيرات من قبل، ومن قام بالعمل الإرهابي في شهر آذار/ مارس الماضي في موسكو هو واحد، ويستخدم سياسة قتل المواطنين الروس، فروسيا لن تقوم بقتل مدنييها، ولن تقوم بالتأكيد بحرق محطة مهمة كمحطة زاباروجيا النووية.
في هذا الإطار، يمكننا فهم أمرين يتعلقان باجتياح كورسك، الأول ما عبر عنه الرئيس بوتين خلال تصريحه، بأن “أحد أهم أهداف العدو هو زرع الانقسام وتقويض وحدة المجتمع الروسي وتماسكه”. والأمر الثاني، هو ما قاله حول محاولة كييف لتحسين موقعها التفاوضي.
ما قامت به أوكرانيا هو خطة أميركية للالتفاف على ما تحققه روسيا من تقدم في أوكرانيا لمنع “الناتو” من استخدامها ما بعد الحرب كمنصة تهديد لموسكو.. لا سيما وأن بايدن بحاجة لانتصار قبل الخروج من معركة أوكرانيا، وبحاجة لفرض اتفاق مع روسيا يقوض قوتها العسكرية وصعودها كأحد أقطاب العالم اليوم، في وقت تراجعت فيه القوة الأميركية والغربية على حد سواء. ومن يدفع ثمن أهداف أمريكا أوكران مغرر بهم، وروس يضحون بأرواحهم من أجل سلامة أراضي بلادهم والحفاظ على موقعها العالمي المتقدم.
المصدر: موقع العهد