تعتبر قمة بغداد التي عقدت في الأردن تكملةً لنهج رئيس الحكومة العراقية السابق مصطفى الكاظمي من أجل قيام تعاون أوسع بين الحكومة العراقية والدول العربية المجاورة.
سعت الولايات المتحدة الأميركية إلى تشجيع التعاون الإقليمي عبر” قمم بغداد ” الثلاث المعلنة، عُقدت قمتان وجرى ترحيل الثالثة إلى العام المقبل وتعيين مكان انعقادها في القاهرة. تهدف هذه القمم بحسب أهدافها المعلنة إلى السعي لانخراط العراق في المحيط العربي، لكن المشروع المضمر هو إبعاده عن النفوذ الإيراني وعن طريق الحرير الصيني لأنّ هذا الموضوع يشكّل هدفاً لكل من واشنطن وباريس.
تعكس هذه المؤتمرات برعاية فرنسية مباشرة رغبة أميركا في إعادة ترتيب أولويات سياستها الخارجية، وفقاً لطبيعة التهديدات الراهنة التي تواجهها ولا سيما المنافسة والصراع مع الصين والانغماس غير المباشر في الحرب الروسية الأوكرانية. فيما تسعى فرنسا إلى توسيع إطار نفوذها في العراق وسوريا. فقد طرحت شركاتها عبر هذه القمة ملف إعادة الإعمار في العراق، ونيل عقود تطوير عدد من المطارات العراقية منها بغداد والبصرة، وإنشاء مطار دهوك، إضافةً إلى مشروعات في “كردستان العراق”.
ويركز الرئيس الفرنسي على رغبته في استثمار منطقتي سهل نينوى وسنجار في محافظة نينوى بعد أن زارها في العام 2021. تنطلق فرنسا للمشاركة في إعادة إعمار العراق على اعتباره “مفتاحاً” نحو تعاون استثماري للدخول إلى قلب السياسة العراقي. فلطالما حاولت فرنسا الدخول إلى السوق العراقية ولم تنجح لكن رهاناتها ازدادت مع تدشين اتفاق الشام الجديد بين العراق ومصر والأردن إبّان حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.
تعتبر قمة بغداد التي عقدت في الأردن تكملةً لنهج رئيس الحكومة العراقية السابق مصطفى الكاظمي من أجل قيام تعاون أوسع بين الحكومة العراقية والدول العربية المجاورة وتأكيداً للحضور الغربي عبر بوابة الرعاية الفرنسية الساعية إلى إعادة علاقات كانت تتمتع بها قبل الاحتلال الأميركي إبان حكم الرئيس الفرنسي جاك شيراك.
موقع العراق في خارطة الطاقة الصينية، يمثل جسراً جغرافياً رابطاً بين قارتي آسيا وأوروبا ومنطقتي الخليج وبلاد الشام. وهذا يعني أنّ العراق يقع في قلب مشروع “الحزام والطريق”؛ لأنّه يمثّل ملتقى خطوط المواصلات العالمية، فضلاً عن أنّه جار لثلاثة أطراف في المبادرة الصينية، وهي إيران وتركيا والمملكة العربية السعودية، ويشكل المركز الاستراتيجي لطريق الحرير في الشرق الأوسط. غير أن تلك الأهمية مشروطة باكتمال ميناء الفاو الكبير الذي سيوفّر إتمامه أقصر الطرق لنقل البضائع واستمرار التجارة بأقل كلفة.
وعلى الصعيد الإقليمي يشكّل العراق أهمية بالنسبة إلى الأردن الذي يعاني من ضائقة اقتصادية رغم المساعدات التي يقدّمها الأميركي للدور الأردني المطلوب في المنطقة.
وكان الأردن قد استفاد بشكل أساسي من هروب الرساميل العراقية في زمن الحصار الأميركي وسياسية النفط مقابل الغداء في تسعينيات القرن الماضي، ومع الاجتياح الأميركي عام 2003.
فهو يرى في العلاقة مع العراق خشبة خلاص ونقطة انطلاق أمثل لتخفيف التوترات الاقتصادية والسياسية التي تعيشها في المرحلة الحالية دول الجوار الإقليمي العربية.
من جهتها، تحاول الدول العربية عدم ترك المجال لإيران والاعتداءات التركية المتكرّرة. لذا تسعى بالاتفاق مع باريس إلى اعتماد صيغة المؤتمر باعتباره أحد المساعي الديناميكية طويلة الأجل التي يمكن من خلاله مراكمة الجهود نحو مواجهة التحديات التي يرونها. وكانت هناك إشارات من سياسيين عراقيين إثر انعقاد القمة الأولى في بغداد إلى مساع فرنسية مستقبلية لضبط التدخل العسكري التركي في الأراضي العراقية وقد تم الحديث عن إمكانية حصول الشركات الفرنسية على عقود كبرى في ملف تأسيس “مترو بغداد”، وهو المشروع المدني الذي تفوق تكلفته حتى ميناء الفاو الاستراتيجي.
تريد فرنسا الاستثمار في الاقتصاد العراقي الذي يواصل انتعاشه مع توقع تسارع وتيرة نمو إجمالي الناتج المحلي عام 2022 قُدّر بـ 8.7% نتيجة ارتفاع إنتاج النفط وتعافي القطاعات غير النفطية بعد انحسار جائحة كورونا. بحسب تقرير “المرصد الاقتصادي للعراق” الصادر عن البنك الدولي، إضافة إلى رغبة الحكومة بإجراء إصلاحات هيكلية ومحاربة الفساد وهي بدأت بالعمل على هذا الموضوع.
وتحرص فرنسا على زيادة مبيعاتها من الأسلحة إلى العراق بمقدار 3 أضعاف خلال السنوات الخمس المقبلة، من خلال بيع طائرات رافال العسكرية الفرنسية الشهيرة. كما تريد الانخراط في قطاع النفط والطاقة العراقيين.
من الواضح أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني رأى في القمة الثانية في الأردن مناسبة للاجتماع وبحث العلاقات الاقتصادية والتعاون الأمني مع دول الخليج، ورأى أن الفرصة سانحة لتوافق عربي وإيراني يمكنه أن يكون في مصلحة العراق وأنّ المشاركة هي حدث إيجابي من أجل بناء الجسور بين الدول الإقليمية. تفهّم رفض الدول العربية للتدخلات الإقليمية غير العربية في شؤون بلدان المنطقة، وأكد رغبة العراق في وضع حد للتدخلات الخارجية مشدداً على أن العراق لا يمكن أن يكون منصة للاعتداء على جيرانه.
كان رئيس الوزراء العراقي يتجه نحو تخفيف بعض الضغوط الداخلية الرافضة للنفوذ الإيراني والمتمثلة بفريق السيد مقتدى الصدر إلى جانب قوى عراقية أخرى من خلال خطوة الانفتاح على المحيط العربي وإقامة نوع من التوازن، فيما رأى بعض المحللين أن العراق وضع نفسه مجدداً في قلب محيطه العربي، ومن رأى في المقابل أن الدولة العراقية مهما تبدلت خلفية قادة حكومتها فإن علاقاتهم بطهران تبقى عضوية.
دعوة فرنسا وأطراف عربية وإقليمية عديدة العراق إلى الابتعاد عن المحور الإيراني لم تجد استحساناً لدى أطراف فاعلة في الحكومة العراقية ووجدت أنها تندرج في محاولة التدخل في سياسة العراق وتوجهاته ولا سيما أنها تشكو من سلسلة ضغوطات أميركية مباشرة في هذا الصدد. بينما تحاول فرنسا تأدية دور مؤثر في المنطقة في غياب الولايات المتحدة يندرج ضمن سياسة واشنطن ولا يحيد عنها.
إيران من جهتها عبر وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان أكدت استعدادها لحل الملفات الإقليمية العالقة مع دول المنطقة كافة، ومنها مسألة الاستهدافات للمنظمات الكردية على حدود العراق، بعد أن وضعها في إطار الدفاع عن أمنها القومي.
رسائل المؤتمر ودلالاته عكست حضوراً عربياً متنامياً في المشهد العراقي، لكن الأدوار العربية والأوروبية لا تستطيع منافسة النفود الإيراني ولا الحلول مكان النفود الأميركي في العراق.
المصدر: الميادين