هل يسعى الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، من خلال سجن رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، إلى الاستئثار بالبلدية قبل 7 أشهر من العملية الانتخابية؟
أعلنت المعارضة التركية بدء حملتها الانتخابية في 15 كانون الأول/ ديسمبر بتجمع حاشد لدعم رئيس بلدية إسطنبول في منطقة سراج هانه، وإدانة الرئيس التركي واتهامه بالسيطرة على القضاء وكل أجهزة الدولة بموجب الدستور الرئاسي، وإعلان رغبتها في العودة إلى النظام البرلماني، واتهامه بمحاولة إقصاء من يحتمل أن يكون مرشحاً و منافساً له في الانتخابات الرئاسية 2023.
انهالت التعليقات الإعلامية والسياسية التركية المعارضة على حكم محكمة إسطنبول بسجن رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، لمدة عامين بتهمة ” إهانة موظفين عموميين يعملون كلجنة”، ومنعه من ممارسة الأنشطة السياسية، في محاكمة عقدت في 14 كانون الأول/ديسمبر عبر تطبيق المادة 35 من قانون العقوبات التركي الذي يقضي بفرض حظر على النشاط السياسي للمدانين بأحكام سجن تتجاوز العامين حتى إنفاذ القرار.
لماذا قد يقع الرئيس التركي في الخطأ نفسه الذي ارتكبه العام 2019 بعد إعادة الانتخابات البلدية في إسطنبول حيث أتت نتيجة التصويت الشعبي لتعبّر عن رفض الناخب التركي مصادرة حرية اختياره؟ وما المقصود من خطوة يمكنها أن تسيئ إلى صورة إردوغان إعلامياً وشعبياً، وهو الذي يعمل على تلميع صورته من خلال زياراته الانتخابية للمناطق التركية؟ هل صحيح أنه يريد الاستئثار ببلدية إسطنبول قبل سبعة أشهر من العملية الانتخابية من أجل تمويل المجموعات الدينية الإسلامية كما تدّعي المعارضة؟
وهل كان إمام أوغلو المرشح الأوفر حظاً في المواجهة الانتخابية مع إردوغان؟ أم أن قرار المحكمة قد استعجل المعارضة للكشف عن أوراق مرشحها الحقيقي؟ خصوصاً أن إشكالات طغت على طاولة الستة أي طاولة المعارضة، والتي يختلف أعضاؤها على اسم المرشح، ما استدعى تدخلات من علي باباجان وزير مالية إردوغان السابق ورئيس حزب “ديفا” (أحد أحزاب طاولة الستة) والطلب إلى الأحزاب المعارضة التنبّه إلى أن المستفيد من خلافاتهم هو إردوغان، وعليهم الاهتمام أولاً بالبرنامج وليس المرشح.
وكان أحمد داوود أوغلو، وزير خارجية إردوغان السابق ورئيس حزب “المستقبل”، قد ردّ على الانتقادات التي وجّهت إلى تحالف المعارضة بشأن تركيزه على الإعلان المتأخر عن مرشحه الرئاسي بالتأكيد أن المعارضة تنتظر تحديد الحكومة موعد الانتخابات، لتعلن طاولة الستة مرشحها انطلاقاً من شهر شباط/ فبراير. ورأى بأن تركيز تحالف الحكم على الترشح يهدف إلى الإخلال بالتوازن داخل طاولة الستة، مضيفاً أن “ما يتوقعه إردوغان والمجموعة الحاكمة أن تكون هناك مناقشات حول الترشح وتنكسر الطاولة” وأكد أنهم أي المعارضة “مصممون على التصرف بحكمة بصفتهم ستة قادة” لضمان اكتمال خارطة طريق الانتقال حتى لا ينتج النظام الجديد “رجلاً واحداً آخر”.
فهل حكم المحكمة سيخل بتوازن المعارضة؟
عبّرت مسيرة المعارضة عن سخطها، ورأت “أن القضاء ليس مستقلاً. واعتلت ميرال اكشينر رئيسة حزب الجيد المنصة إلى جانب إمام أوغلو، فيما عدّ المراقبون أنها قادت الحملة بغياب رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كلتشيدار أوغلو الذي يزور ألمانيا، وقطع الرحلة عائداً إلى إسطنبول مصرّحاً عبر الفيديو أن حكم البراءة يجب أن يصدر وإلا عدّ الموضوع مسيّساً. كما خرج الرئيس السابق عبد الله غل وأحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية عن صمته وطالب بضرورة إعادة النظر في الحكم.
هل ستكون المعارضة أمام إعادة خلط الأوراق
ربما تجدر الإشارة إلى الصراع الذي كان قائماً بين أحزاب المعارضة على المرشح منصور يافاش، رئيس بلدية أنقرة المفضل لحزب الجيد بسبب نجاحه في إدارة البلدية ومحاربته الفساد، ولكونه عضواً سابقاً في الحزب القومي. لكن الأمر أثار اعتراض رئيس حزب الشعب الجمهوري لما له تأثير في نية المعارضة التحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي الذي يتمتع بأغلبية كردية، وكان ترشح كمال كلتشيدار أوغلو قد لقي معارضة بعض المعارضة التي تفضل ترشيح إمام أوغلو.
فهل قرار المحكمة سيجبر المعارضة على إعادة خلط أوراقها بعد حرق اسم إمام أوغلو، ورفض بعضها ترشح كمال كليتشيدار أوغلو بسبب مذهبه العلوي، ما يمكن أن يشكل عائقاً في استقطاب أعداد كبيرة من الناخبين السنة، والإيحاء بأن إردوغان يفضله كمنافس، ما سيجبر المعارضة على التفتيش عن مرشح أقوى بوجهه أو الإفصاح عن المرشح الذي لم يكشف عن اسمه حتى الساعات الأخيرة؟ لا شك في أنه جرى إحراق مراكب إمام أوغلو، فالرجل حتى لو استأنف الحكم سوف يحرم من مزاولة حقوقه السياسية، على أن ذلك يبقى رهن محكمتَي التمييز (في حال الاستئناف) والمحكمة العليا. وإلى حينه، سيواصل إمام أوغلو عمله وحقوقه كالمعتاد، لانتظار النتيجة التي يمكن أن تصدر بعد سبعة أشهر أو بعد الانتخابات أو بعد عام.
وكان حزب الشعب الجمهوري قد ركز على فضح سياسات الوزراء في الداخل في الشأن الاجتماعي وقضايا الفساد والمافيات والمخدرات واتهام الدولة بالتغافل أو التنسيق في بعض الأحيان من أجل تحريض الرأي العام واتهام إردوغان بمسايرة المجموعات الدينية الإسلامية في مسائل كزواج القاصرات واتفاقية إسطنبول للمرأة التي ألغاها إردوغان، وأعلن استحداث اتفاقية جديدة من داخل رحم المجتمع التركي.
وكان حزب الشعب الجمهوري قد اتهم إردوغان بضرب حقوق الإنسان والحريات الشخصية في تركيا عرض الحائط. في الوقت الذي تولى الأعضاء القدامى في حزب العدالة والتنمية وفي حكومات إردوغان باباجان وداوود أوغلو ومن وراءهم عبد الله غل نقد السياسة الاقتصادية واقتراح البدائل.
انتقد داوود أوغلو سياسة إردوغان الخارجية، ورأى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يفرض على الرئيس التركي مصالحة الرئيس السوري بشار الأسد من أجل تأجيل ديون تركيا للطاقة، واصفاً جهود تطبيع السياسة الخارجية لأنقرة بأنها سيئة التوقيت و “مهينة” بهدف تعويض الخسارة الاقتصادية، وأن الصلة بين جهود التطبيع مع الدول والبحث عن الموارد للخروج من عنق الزجاجة الاقتصادي الذي تمر به تركيا يعبر عن موقف يمكن اعتباره استخفافاً بتركيا.
تحتدم المواجهة الانتخابية في ظل إخراج الصراع إلى الشارع وكشف الأوراق الانتخابية والبدائل ودفع الاستقطاب حول السياسات الداخلية والخارجية التي يرتبط بعضها ببعض، في ظل محاولة المعارضة التركيز على السياسات الداخلية والتدهور الاقتصادي من دون ربطه بأزمة كورونا، وازدياد التضخم العالمي وحرب أوكرانيا بل التركيز على الفساد والمشاريع الكبرى التي ترى أنه لا طائل منها، فيما يصر إردوغان على اعتبار مشاريعه الطريق لجعل تركيا مركزاً للغاز إلى أوروبا، ونقطة التقاء تجارية بين الشرق والغرب من خلال لعبه دور الوساطة في الملف الأوكراني الروسي وأزمة الحبوب التي مكنته من نيل اعتراف الأميركي والأوروبي والروسي بأهمية دوره. يبدو أن على الأتراك شد الأحزمة فقد بدأت المعركة.
بقلم: هدى رزق
المصدر: الميادين