العين برس – المرجع الديني آية الله السيد “علي السيستاني”، إن زهاء ألف وثمانين يوما وجرح الشهداء قادة النصر لما يندمل وما زال الألم يعتصر قلوب العراقيين والمسلمين جميعا من جراء ما آلت إليه الجريمة الأمريكية الشنيعة قرب مطار بغداد الدولي بحق قليل من الآخرين نذروا حياتهم لأجل الوطن والقضية الإسلامية.
وحادثة فجع المسلمون والعراقيون بها عام 2020، تمثلت باغتيال الشهيدين القائدين نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس وقائد فيلق القدس الجنرال الحاج قاسم سليماني ورفاقهما الأبرار، في تعد سافر وغادر بعد أن فشلت أيادي الإرهاب والاحتلال من النيل منهما في سوح المعارك، فما كان لأميركا سبيل إلا أن تتخذ أسلوب الجبناء.
في مطار بغداد
وفي الساعة الثانية عشرة وثلاث وثلاثين دقيقة من صباح يوم الجمعة الموافق 2020/1/3 طائرة سفر آيرباص سورية تابعة لأجنحة الشام من طراز “A320” تهبط في مطار بغداد الدولي على المدرج المقابل للبوابة رقم 23 لصالة سامراء.
وعند حلول الساعة الثانية عشرة وتسع وثلاثين دقيقة صباحا يفتح باب الطائرة بالتزامن مع دخول مركبتين عبر بوابة الشحن الجوي K1، حيث وقفت المركبتان بشكل متعاكس ليصعد إلى الطائرة اثنان من وفد الاستقبال وهما مسؤول تشريفات الحشد الشعبي محمد رضا والقيادي في الحشد الشعبي “حسن الساعدي” بينما كان الشهيد أبو مهدي المهندس بانتظار الجنرال الشهيد الحاج قاسم سليماني داخل إحدى المركبتين.
قبيل الاستشهاد وبعده
وعند تحرك الموكب الذي يضم القائدين الشهيدين أبو مهدي المهندس وقاسم سليماني إلى خارج المطار وبينما تسير المركبات قرب الحاجز الأمني أقدمت ثلاث طائرات مسيرة من طراز MQ – 9 REAPER ، كانت قد دخلت الأجواء العراقية في وقت سابق، أقدمت على قصف العجلات بثلاثة صواريخ من طراز “Hellfire”، يزن كل واحد منها 45 كغم، ليرتقي إثر الجريمة النكراء الشهيدان أبو مهدي المهندس والحاج قاسم سليماني وثلة من رفاقهما.
وأصوات انفجارات مجهولة تهز شوارع العاصمة بغداد، اعتقد للوهلة الأولى أنها ناتجة عن هجوم بصواريخ كاتيوشا، لتظهر بعدها صور أولية لمركبتين تشتعل النيران فيهما قرب مطار بغداد الدولي، لتشتعل مواقع التواصل الاجتماعي وسط تضارب الأنباء عن تفاصيل الحادث والشخصيات المستهدفة. وسرعان ما تبدل الوضع واتسع الأمر لتعلن مديرية إعلام الحشد الشعبي استشهاد أبو مهدي المهندس والحاج قاسم سليماني وثلة من رفاقهما بغارة أميركية قرب المطار.
اتهامات تلاحق الجناة
وتشير أصابع الاتهامات إلى وجود بصمات لرئيس جهاز المخابرات السابق “مصطفى الكاظمي”، لا تزال عالقة في مسرح الجريمة، ولا يمكن التغافل عنها وطي صفحتها لأنها تعد تهديدا كبيرا لكل العراقيين الشرفاء، وينذر مرورها من دون عقاب بتمادي من تورط بها، ليكون أداة مرة أخرى لاستهداف العراقيين المدافعين عن البلد ومقدساته.
ويشدد مراقبون على أن محاسبة المتورطين والكشف عن الخونة، يعد نصرا للعدالة، وهزيمة للدول المتورطة بدعم الجريمة، مبينين أن إفلات مرتكبي الجريمة من العقاب يعد خذلانا لكل الدماء الزكية التي سالت في سبيل أرض المقدسات.
ويرى المحلل السياسي “حسين الكناني”، أن الإدارة الأمريكية اعترفت بشكل واضح وصريح بتورط بعض أفراد جهاز المخابرات العراقي في جريمة قصف موكب شهداء النصر، موضحا أن رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي مدان لأنه رئيس المخابرات في تلك المدة ويعد أحد المتهمين بالتعاون في ارتكاب الجريمة.
وأكد الكناني على أن الكاظمي ارتكب العديد من الأخطاء خلال فترة حكمه، وليس من الصعب محاكمته وتقديمه للقضاء، مشيرا إلى وجود لجنة مشتركة من الجانبين العراقي والإيراني للتحقيق في الجريمة وصدرت المواقف من هذه اللجنة.
وتابع، أن فتح الملف من جديد والتحقيق في الجريمة بحاجة الى إرادة قوية من الحكومة، مشددا على ضرورة إقصاء المتورطين في الجريمة من جهاز المخابرات وإنزال العقوبة بحقهم لأنها تعد خيانة كبرى ولا بد من تنظيف الجهاز من عناصر مثلهم.
موقف الصادقون
إزاء الفعل الأميركي الغادر دعت “كتلة صادقون النيابية” إلى إعادة فتح ملف جريمة مطار بغداد ومحاسبة المسؤولين والمتورطين وتقديمهم للقضاء مهما كانت هويتهم بعد اعتراف الإدارة الأمريكية بارتكاب الجريمة، فيما اتهمت حكومة تصريف الأعمال السابقة برئاسة “مصطفى الكاظمي” بالتغطية على الجريمة”.
وقال النائب عن كتلة صادقون “علي تركي الجمالي”، إن جريمة مطار بغداد جرى التكتم بشأنها في عهد حكومة تصريف الأعمال برئاسة مصطفى الكاظمي، لافتا إلى أن هناك قرائن تؤكد تورط ضباط في حكومة الكاظمي بالتواطؤ أو التستر على الجريمة وعدم كشف المتورطين.
وأضاف: لدينا معلومات دقيقة وحقيقية بالبيوت الأمنية وفي لحظة وصول ضيف العراق الشهيد قاسم سليماني واستقباله من قبل الحاج الشهيد المهندس، كانت هناك شبكات تدير موضوع التجسس على الهواتف التي كان يحملها الطرفان.
وتابع الجمالي، أنه يجب تقديم مرتكبي هذه الجريمة ومن سهل الوصول إلى هذا الاستهداف للعدالة لكي ياخذ القانون مجراه.
وأشار إلى أن العام للقوات المسلحة يجب أن يعيد النظر بجهاز المخابرات كون رئيس الجهاز في حينها مصطفى الكاظمي هو المتهم الرئيس بالموضوع، وهو من اتفق وسهل استهداف القادة.
ملف بحاجة إلى إرادة
وما تزال الجريمة التي ارتكبتها الإدارة الأميركية برئاسة الرئيس السابق “دونالد ترامب” وبأوامر مباشرة منه، شاخصة أمام أنظار العالم أجمع وذلك لوقعها الأمني والسياسي والتداعيات التي خلفتها في الشرق الأوسط خلال عام 2020، تلك الجريمة التي سرقت منا نحن العراقيين جهود شخصين كنا بأمس الحاجة إليهما، جهود لم تكن منظورة بشكل واضح لعامة الناس سوى بعض المقربين واصحاب القرار.
وفي هذا الشأن قال المحلل السياسي “مؤيد العلي”، إن هذه الجريمة متكاملة الأركان واعترف بها ترامب شخصيا وبالتالي فإن القاتل معروف وكان الأجدر بالحكومة العراقية وقتها تفعيل الإجراءات القضائية والقانونية ضد الولايات المتحدة وتفعيل قانون إخراج القوات الأجنبية من العراق الذي صوت عليه مجلس النواب لكن للأسف لم تكن هناك إرادة حقيقية وجدية لدى الكاظمي بالتعامل مع هذا الملف.
من جهته أكد أستاذ العلوم السياسية الدكتور “محمد الخفاجي”، أن جريمة اغتيال الشهيدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ستظل حلقة سوداء في مسلسل الجرائم الامريكية في العراق، وهي من ضمن أخطر الانتهاكات التي قامت بها واشنطن على أرض العراق.
وأضاف الخفاجي إن جميع سلطات البلد مقصرة إزاء هذه الجريمة بما فيها السلطة التشريعية والتنفيذية وكذلك عدد كبير من الأجهزة الأمنية، مقصرة إزاء هذا الملف ولم تقم بدورها الرسمي.
وأشار إلى أن الضغوط الأمريكية لها الدور الأكبر في تعطيل سير التحقيقات الخاصة بهذا الملف، خشية كشف عملاء أمريكا المساندين لتحركاتها والخطوات الاستباقية للعملية.
ومع حلول الذكرى السنوية الثالثة على استشهاد قادة النصر الذين بذلوا مهجهم في سبيل تخليص الإنسانية من الوحوش البشرية المتمثلة بعصابات داعش الإرهابية تتصاعد المطالبات بضرورة فتح ملف الجريمة والتحقيق بدقة وكشف ملابساتها ووضع كل الأدلة تحت مجهر العدالة لينال المتورطون قصاصهم العادل ولقطع الطريق أمام كل من تسول له نفسه تكرارها بحق القادة العراقيين.