في ذروة الحاجة إلى الإنسانية.. منظومة الإعلام الغربي إلى مزيد من السقوط
العين برس / تقرير
الإعلام الغربي كان أمام اختبارٍ جديد لطروحاته القيمية واستهلاكه لخطاب “منفتح وإنساني”، في تعاطيه مع تغطية أحداث الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسوريا، وخلّف آلاف الضحايا، فكيف اتضحت أزمة القيم التي تعيشها المؤسسات الإعلامية الغربية؟
“زلزالٌ في تركيا، لا داعي حتى لإرسال الدبابات”، بهذه اللّغة الساخرة وبعد سويعاتٍ من الزلزال المدمّر في تركيا وسوريا ارتأت صحيفة “تشارلي إيبدو”، الفرنسية أن تقارب إحدى كبريات المآسي الإنسانية في العصر الحديث.
في ذروة الحاجة إلى الإنسانية.. منظومة الإعلام الغربي إلى مزيد من السقوط
لا تغرّد المجلّة الفرنسية وحيدةً، بل هي نموذجٌ صارخٌ عن حالةٍ انتقائيةٍ فاقعة، يُمارسها الإعلام الغربي اليوم في التعامل مع مأساة الزلزال الكارثي، لخدمة توجهات السلطات السياسية وأهدافها البعيدة عمّا تدّعيه من حرصٍ وتضامنٍ إنسانيين.
وتأتي ازدواجيّة المعايير وتلفيق الاتّهامات والتحيّز الهادف، كحقائق تلخّص تقارير كبريات وسائل الإعلام في الولايات المتحدة ومقالاتها وصورها وفيديوهاتها. صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية مثلاً، عدّلت أخيراً، وعلى نحوٍ مثيرٍ للشبهة، تقريراً عن معبر باب الهوى، والمساعدات لسوريا، بعدما أقرّت بتأثير العقوبات الأميركية في عمليّات الإنقاذ في سوريا.
وفي فرنسا لم يكن الفيلم الذي أنتجته قناة “France TV” بادّعاء البحث عن حقيقة انفجار مرفأ بيروت، سوى منصّةٍ اتّهاميّةٍ وفبركة وقائع للنيل من المقاومة في لبنان، وتحميلها مسؤوليّة المأساة.
في ذروة الحاجة إلى الإنسانية.. منظومة الإعلام الغربي إلى مزيد من السقوط
هذا التلاعب يمثّل غيضاً من فيض استراتيجيةٍ يتم لمسها يومياً في فلسطين، ولا سيّما مع جرائم الاحتلال بحقّ المدنيين الفلسطينيين، التي يحوّلها الإعلام الغربي إلى دفاعٍ عن النفس، وأخيراً إلى تجاهلٍ مقصودٍ لقضيّة الأسرى، حيث بالكاد تُفرَد مساحة لهم في الصحافة الغربية.
كما تجلّى سلوك الإعلام هذا بأبشع صوره في إيران، خلال الأحداث الأخيرة، حيث فُتحَت المنابر وجُيّرَت الصحف والمقالات، خدمةً لخطاب الشغب والتحريض وبثّ الأخبار والصور الكاذبة. الموضوعيّة والالتزام بشرف المهنة جرت التضحية بهما، أملاً بتحقيق حلم تدمير نظام الثورة في إيران، وإعادة طهران إلى ما قبل 1979، ضمن الحضن الأميركي.
وفي تغطيتها للكارثة التي ضربت سوريا، أوفدت الميادين إلى حلب الزميلة راميا الإبراهيم، لمواكبة الحدث ميدانياً على الأرض في المناطق المنكوبة من جرّاء الزلزال.
وأوضحت موفدة الميادين أنّ ما يحدث في سوريا، وتحديداً في المناطق المنكوبة، يحتاج بالفعل لأن يكون هناك مواكبة إعلامية كبيرة، “لأننا فعلاً أمام مصاب جلل وكارثة إنسانية بالمعنى الكبير”. ولفتت إلى أن كبريات وسائل الإعلام تغيب، وما يتمّ تغطيته هنا لا يتجاوز الـ 5% من الواقع.
اللافت أن كبريات وسائل الإعلام، الغربية غطّت الخبر، تحت عنوان “زلزالٌ مدمّر”. ومن البديهيّات عندما نقول مدمِّر، أي أنه طال مباني سكنيّة، وبالتالي سيكون هناك تداعيات إنسانية وكارثية كبيرة، لكن ما الذي غاب عن هذه التغطية؟
في ذروة الحاجة إلى الإنسانية.. منظومة الإعلام الغربي إلى مزيد من السقوط
ورأت الابراهيم أنه يمكن القول أن هذه التغطية كانت بعينٍ واحدة لأنه تمّ تغطية تركيا بالمعنى الإنساني وما لحق من تداعيات، لكن غابت التغطية الإنسانية عن مدن أخرى مثل حلب.
وأضافت الإبراهيم للميادين، بأنّه عندما “نواكب هذا الواقع المرير الإنساني مع غياب هذه التغطية الإعلامية على مستوى كبريات وسائل الإعلام”، يمكن القول أنهم “يشاركون فعلاً أقلّه على المستوى الإنساني والأخلاقي وربّما القانوني، بمأساة هؤلاء وحتى بدفنهم تحت الأنقاض”.
الإعلام الغربي يمعن في شحن خطاب الكراهية
بدوره، قال قاسم عزّالدين، محلل الميادين للشؤون السياسية والدولية، إنّ الصحافة الغربية بطرحها الساخر لكارثة تواجه الإنسان، ترسل رسالة “مسمومة مزدوجة، بالدرجة الأولى إلى الفرنسيين لتسفيه المأساة الإنسانية التي يتعرّض لها الشعب السوري والشعب التركي”. ويضيف: “هي رسالة أيضاً موجّهة للعرب وللمسلمين، والصحيفة الفرنسية تعرف أنّها تحت خطّ المراقبة”.
وأضاف عزالدين، أنّه في كل الأحوال هذا الأمر لا يتعلّق فقط “بشارلي ايبدو، وإن كانت الصفاقة معروفة بصدارة الصحيفة لها، لكن على المستوى العام، هذه المأساة الإنسانية في أوروبا وحتى في العالم، أثارت بين البشر الذين يشعرون بنبض الدم في عروقهم، المشاعر الإنسانيّة، بغض النظر عمّا قدّموه وإذا كانوا قد تحرّكوا أو لا”.
لكن بنفس الوقت، أثارت أيضاً، وفق عزالدين، “لدى التماسيح، سواءً كانوا كباراً أو صغاراً، شماتة وشهوة الرقص على رائحة الموت والدم”، لافتاً إلى أن مسؤولين الكبار في الإدارة الأميركية وحتى في الإدارات الأوروبية حاولت أن تتجاهل الأمر، أو أن تُضلّل بأنها تساعد الشعب السوري”.
بعد سخريتها من فاجعة الزلزال.. انتقادات واسعة لمجلة شارلي إيبدو الفرنسية
وأثناء إجابته عن تساؤل حول سبب تصدّر “شارلي ايبدو” لكل ما يتعلّق بالمسلمين من إساءات، أجاب محلل الميادين للشؤون العربية والإقليمية، عبد الرحمن نصّار، بأنّه هذه المجلّة الأسبوعية “تعتبر نفسها على ثأر مباشر مع المسلمين بصورة عامّة، والعرب بصورة خاصّة، تحديداً بعد الهجوم على مقرّ الصحيفة في 2015 ومقتل 12 من عامليها”.
وتابع نصّار، إنّ هذا الهجوم بغضّ النظر عن أي تقييم يخصّه، “هو جزء من سلسلة ردود أفعال افتتحتها المجلّة، لافتاً إلى أن هذه المجلّة أُغلقَت بين سنة 1982 و1992، ومُنعَت من النشر في الداخل الفرنسي لسبب تخصّصها الأساسي، وهو الرسوم الساخرة وإثارتها لمجموعة من القلاقل داخل فرنسا، لكن حينما يتعلّق الأمر بالقضايا العامة للناس للمسلمين، أو للعرب، فإن المساحة مفتوحة لها”.
ازدواجية معايير غربية مفضوحة في سوريا
كذلك، لفتت موفدة الميادين إلى حلب، راميا الإبراهيم، إلى ازدواجية المعايير والتعامي الإعلامي الغربي، الذي طال كل سوريا بكل مناطقها المنكوبة، حتى المناطق التي كان يدّعي الغرب مساعدتها، كمنقطة جنديرس في إدلب.
وأوضحت الإبراهيم أنّ هذا المصاب طال كلّ السوريين، وطال كل إنسان بين تركيا وسوريا، أيّاً كانت الخلفيّات السياسية لديه، وأيّاً كانت التقسيمات، خصوصاً تلك التي “أرادوا أن تغرق سوريا فيها”.
وتسائلت موفدة الميادين: “أين هي الإغاثات الطبيّة الانقاذيّة التي حُكي على مدى سنوات أنها مكدّسة بالمستودعات؟ وأضافت: “إذا كانت موجودة ويتمّ إغلاقها هذه مصيبة، وإذا لم تكن موجودة فهذه مصيبةٌ أكبر، والسؤال الأكبر ما نوعيّة المساعدات التي وصلت؟”
انفجار مرفأ بيروت، استغلال الألم للخداع
قال محلل الميادين للشؤون السياسية والدولية قاسم عز الدين، أنّه عندما تفبرك قناة تلفزيونية فرنسية تحقيقاً مزوّراً عن انفجار مرفأ بيروت، فإنّ الإعلام الغربي، “لم يعد السلطة الرابعة، ولم يعد تتوفّر لديه الأخلاقيات التي اعتدنا عليها تاريخياً بسبب سيطرة الامبراطوريات من رجال الأعمال ورجال التجارة عليها”.
لكن الغريب بالأمر أن قناة “TV5” التي قيل أنها أنتجت الفيلم، “لم تُصنَّف حتى الآن ضمن الامبراطوريات الإعلامية، ولا الأوليغارشيّة” وفق عزالدين، الذي أضاف “هي تعرض فيلم تقول أنه من ثلاثة أجزاء. الجزء الأوّل عرضته يوم الأحد أنتجَته دائرة مكافحة المخدّرات الأميركية، وهي قدّمت صور عن انفجار المرفأ وتحدّثت مع شخصيّات لبنانية وغير لبنانية زعموا أنّه لا يمكن أن يحدث شيء في لبنان دون إرادة حزب الله ودون أن يعرف ودون أن يكون في مصلحته”.
في ذروة الحاجة إلى الإنسانية.. منظومة الإعلام الغربي إلى مزيد من السقوط
تناول فلسطين في الإعلام الغربي، استحضارها عند الضرورة فقط
محلل الميادين للشؤون الإقليمية، عبد الرحمن نصّار، لفت إلى تناول الإعلام الغربي لقضايا فلسطين بعد حرب عام 2021، وأشار إلى أنّ قواعد اللعبة “التي فلتت من بين أيديهم” سابقاً أعادوا برمجتها، ما يعني أن “المحتوى الفلسطيني حورِب منذ شهر أيار/مايو 2021 إلى اليوم بشكل شرس جداً، دون أن يقتصر الأمر على أسماء التنظيمات الفلسطينية أو أسماء الشهداء أو كلمة المقاومة، وإنّما وصل الأمر إلى مقاطع تتعلّق بالقدس أو بالاعتداءات الإسرائيلية”.
وأضاف نصّار: “هم خلقوا قواعد البيانات وخلقوا الخوارزميّات، وأنشؤوا شبكات التواصل الاجتماعي ويملكون التحكّم بها”، ولكن رغم ذلك “أحياناً تخرج اللعبة عن قواعدهم”.
وعندما حصل ذلك، وخرجت اللعبة من أيديهم، وفق نصّار، ظهر بعضٌ من الصور الحقيقية على الأرض، وتبين ماذا يفعل الإسرائيليون، وعليه “تعاطف جزء من الجمهور الغربي وأبدى اهتمامه”.
وأشار نصّار: “كان هناك فعلاً مشاركة لافتة من بعض الشخصيّات المشهورة والفنانين وبعض الكتّاب والصحافيين”، لكن الإدارة الإعلامية سعت سريعاً إلى “تقليص هذا التعاطف والتضامن عبر فرض قواعد أشدّ صرامة على المحتوى الفلسطيني”. وبعد ذلك، عاد الإعلام الغربي إلى منهجه الأوّل منذ النكبة عام 1948، وهو تغييب حقيقة الشعب الفلسطيني.