غزة ليست وحدها.. انتصارها انتصار للأمة ولمحور المقاومة
العين برس/ تقرير
د. محمود الهاشمي
فيما تستمر معركة طوفان الأقصى في يومها ال (130) فان جميع القمم واللقاءات التي عقدت بشأن مصير غزة لم توقف أوارها. يوم الثلاثاء كان هناك اجتماع في القاهرة حضره وفد من الكيان الصهيوني والأميركي والمصري وقطر، وحسب الأخبار المتداولة لإيجاد صيغة هدنة وتبادل أسرى. اللافت ان هذه الاجتماعات واللقاءات يحضرها الصهاينة وامريكان واصدقاؤهم، وليس هنالك من يمثل الشعب الفلسطيني.
الاعلام المصري ومنذ يومين يتحدث ان المعركة بين إيران وامريكا، وان العرب هم الخاسرون فيها!، ثم صنفوا جميع فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية واليمنية والعراقية والسورية على انهم تابعون لإيران، وان انتصارهم يعني انتصاراً لإيران على امريكا! وسئل أحد ضيوف قناة البلاد المصرية:
هل يصنّف موقف جنوب افريقيا لصالح القضية الفلسطينية على انه دعم لإيران؟
وماذا عن هذه الاحتجاجات والمواقف العالمية لنصرة الشعب الفلسطيني في كل المحافل؟ فلم يرد!
هذا التسطح المقصود في تناول معركة طوفان الاقصى يقزم الحدث ويقلل من شأن القضية الفلسطينية التي غطاها التراب فاستيقظت على معركة “طوفان الاقصى” التي هزت الضمير العالمي بأجمعه.!
قبل معركة طوفان الاقصى -في السابع من تشرين من العام الماضي – يكون المشروع الاميركي بتشكيل حلف عربي اسرائيلي قد بدأ عبر الحاق الامارات والبحرين بقطار التطبيع مع الصهاينة الذي بدأه المصريون ثم الاردنيون فالمغرب. واوشكت السعودية ان تركب القطار لولا معركة طوفان الاقصى.
نعتقد ان الافتتاحية التي كتبها أحمد الجار الله: رئيس تحرير صحيفة السياسة الكويتية بتاريخ 30-12-2023 والتي عنونها “سمو الأمير محمد بن سلمان اعقلها وتوكَّل، نعم اعقلها وتوكَّل”، وبدأها بأن القضيَّة الفلسطينيَّة لم تعد ملفاً عربياً بعد توقيع اتفاقات أوسلو بين منظمة التحرير وإسرائيل، بل أصبحت شأناً إسرائيلياً– فلسطينياً، وبالتالي فإنَّ الضرورة تُحتِّم على الجميع أن ينظروا إلى واقعهم، ومصالحهم، وبها يحث السعودية للالتحاق بركب التطبيع، بمثابة رسالة واضحة لحث دول الخليج الأخرى، ومنها دولته الكويت للتخلي عن القضية الفلسطينية.
دول مجلس التعاون الخليجي ترى في انتصار غزة انتصارا ايرانيا وشيعيا، وترى -بالتطابق مع الرأي الاميركي- ان جميع فصائل المقاومة تمثل إيران وأكثر من ذلك تمهد للنفوذ الروسي والصيني!
مصر هي الدولة الاكثر تطبيقا لهذا التوجه، وترى ان حماس غير مرغوب بها اولا لأنها امتداد للإخوان المسلمين بمصر والمنطقة، وثانيا لأنها مدعومة من إيران. وثالثا لأن مصر غارقة بالديون ولا تقوى على اتخاذ اي موقف يخالف امريكا ودول الخليج. نقطة الضعف الوحيدة في اية معركة هم المدنيون، واسرائيل ومعهم اصدقاؤهم، يراهنون على هذه الورقة في غزة، فقد أنهكت ظروف الحرب السكان هناك وتحملوا الكثير من قتل وتهجير وجوع ومرض، وساقتهم ظروف الحرب الى حيث الجيران مصر التي طبقت التعليمات الصهيونية على اتم وجه، فشركاتها مستمرة بنقل البضائع الى مواني اسرائيل فيما تحكم غلق معبر رفح!
الاردن تغلي ويكتشف الشعب يوما بعد يوم ان حكومته غارقة في وحل العمالة وغير قادرة في الضغط على امريكا واسرائيل، وآخر نكته ان الملك الأردني -وبعد الاستئذان من اسرائيل -يشارك في إنزال كمية من المعونات بإلقائها من الجو
الى أهالي غزة، وقد سخر الاردنيون منها كثيرا، وأكثر سخرية حين اجتمع أمس بالرئيس الأميركي متوسلا ان يجد حلاً لمعركة غزة بسبب ضغط الشارع الأردني، ويبدو ان الملك نسي ان بايدن مصاب بالخرف فلا يسمع ولا يعي ما يقال.
في الميدان الجيش الاسرائيلي فشل بتحقيق اي انتصار حقيقي على المقاومة، وحكومته تناور سياسيا أكثر منها عسكريا وتحاول ان تصنع انتصارا وهميا ومجرد تتابع الاعلام الصهيوني منذ يومين بشأن -الاسيرين -سترى كم ان اسرائيل مهزومة، حيث اعتبرت ان تحرير اسيرين يمثل نصرا كبيرا لإسرائيل!
جبهات المقاومة -غير غزة -في لبنان والعراق وسوريا واليمن مازالت لم تدخل المعركة الحقيقية بعد، لأن جميع هذه الجبهات مهيئة للمعركة الكبرى مع الصهاينة في الإعداد والتحضير والتدريب، وان ما استخدمته من الذخيرة لا يساوي عشرة بالمائة فقط. جميع مشاركات محور المقاومة منصب على معادلة الدفاع عن غزة بمعنى اي حوار خارج عنها لا نقاش فيه، ونعتقد ان رد حزب الله لبنان على الوثيقة الفرنسية التي سلمها وزير خارجية فرنسا الى الحكومة اللبنانية اول امس وتدعو لحل الخلاف الحدودي بين لبنان وإسرائيل كان جواب حزب الله صريحا لا نقاش ولا حوار قبل وقف اطلاق النار في غزة، وهذا ما اكده السيد حسن نصر الله في كلمته يوم الثلاثاء” تتوقف الحرب في لبنان عندما تتوقف في غزة “، وهذا يتمدد على العراق الذي يعمل على طرد قوات الاحتلال من العراق وكذلك “أنصار الله” في اليمن الذين استلموا العديد من الرسائل التي تغريهم بترك معسكر نصرة غزة مقابل حزمة امتيازات فرفضوها مقرنين موقفهم بوقف اطلاق النار بغزة، وكذلك الموقف في سوريا.
قد لا تبدو إيران في المشهد المباشر لمعركة غزة، ولكن من الحق ان نسأل: -من الذي يديم هذه المعركة التي نازل فيها الغزيون الاستكبار كله، بكل قوته وخيلائه وإعلامه وأسلحته وبوارجه وتقنياته؟ وكيف انتظمت معهم وساندتهم قوى المقاومة الأخرى؟ كيف تمت إدارة الملف السياسي والاقتصادي والاعلامي؟ هل يمكن ان يحدث هذا لو لم تكن خلفه دولة بحجم إيران؟ ثم ما سر تأكيد السيد نصر الله بان ما يعيشه محور المقاومة من مواقع قوة هو ببركة الثورة الاسلامية في إيران؟
إن عدد ضحايا حرب فيتنام تجاوز ال 3مليون نسمة، واغلبهم من النساء والاطفال والشيوخ ومعهم المقاتلون الذين
كانوا وراء الانتصار عام 1975، يوم احتلوا سايگون ووحدوا الفيتناميتين. تقول ادبيات الحرب، ان جميع القوى العسكرية التي راهنت على المدنيين في حربها خسرت الحرب، والسبب يعزونه ان المقاتلين يزدادون ضرارة ثأرا لأسرهم وشعبهم.. فيما يرى المدنيون انهم جزء من المعركة وليس خارجها، وجزء من الانتصار ايضا، وهذا ما اكده قطاع غزة حيث تحمل السكان كل ويلات الحرب على مدى (130) يوما فما اشتكوا ولا اعترضوا انما يرابطون حيث يرابط المقاومون.
جميع وسائل الاعلام الغربية والخليجية تقرن المقاومة بعبارة المدعومة من إيران، وإيران لا تنزعج من ذلك مثلما يفخر قادة المقاومة ايضا. وهذا ما رسخ أكثر عقيدة إيران الإسلامية انها مناصرة للشعوب الاسلامية وقوى التحرر بالعالم، حيث ان الجميع بات يرى (لو ان هذه المعركة ادارتها الحكومات العربية لفشلت مثل سابقاتها من الحروب التي خضناها مع الصهاينة)!
الصين لم يؤذن لها بالدخول الى حلبة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي حتى اللحظة، وكل تكليفها -من قبلهم -التدخل لإبعاد أنصار الله من المعركة، لكن الوقائع تقول ان القضية الفلسطينية لن تحل دون تدخل الصين كشريك موثوق. وهي التي تدعو الى مؤتمر سلام دولي خاص بالقضية الفلسطينية.
روسيا -المشغولة بالحرب مع اوكرانيا – ناصرت القضية الفلسطينية بالمحافل الدولية، باعتبار ان الخصم واحد هو امريكا، وكما جاء على لسان المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف “ان روسيا مستعدة لدعم اي اجراءات من شأنها ان تؤدي الى وقف إطلاق النار بغزة ” ولا شك ان روسيا والصين يرغبان بالمزيد من التورط لأمريكا بحرب غزة لإشغالها عن التفرغ في مواجهات مشتركة معهما. كما لا يرغبان بان تحصد إيران كافة المغانم! بعد حرب غزة ايضا ويريان ايضا انهما جزء من معادلة النصر.
ما يهم في نهاية المقال ان من يريد ان يتحمل مسؤولية إنهاء حرب غزة عليه ان يدرك ان العمق الاستراتيجي للجمهورية الاسلامية ثابت ومرابط في كل الميادين، وأي خطوة تحكمها معادلة المقاومة وشروطها، وان أمن المنطقة عموما مرتبط بهذه المعادلة، ليس في بُعدها العسكري فقط، انما في البُعد السياسي والأمني والاقتصادي..
كيف ستنتهي حرب غزة؟ ليس مهما ان يكون اليوم او في الغد انما المهم انها تنتهي وفق مبادئ وقيم وحجم التضحيات التي بذلها ويبذلها المقاومون في الميدان، وان نضيف لكم امرا آخر، وهو ان المقاومة الاسلامية ليست فرقة عسكرية تقاتل في الميادين العسكرية ثم تنسحب، بل هي أمة عمقها الشعب الذي صبر وجاهد وضحى في سبيل إعلاء كلمة الحق وازهاق الباطل.. وعلى الجميع ان يتفهموا لاحقا ان من يراهن على قتال محور واحد للمقاومة فقد ندم، لأنه سيجد محاور الاسناد الاخرى جاهزة للمنازلة والدعم ومعها شعوبها، هذا ما اكدته معركة طوفان الأقصى، وان ثناء السيد حسن نصر الله على أهالي القرى اللبنانية المجاورة لإسرائيل وصبرهم وتحملهم والتضحية براحتهم وارزاقهم وارسال ابنائهم للمشاركة بالحرب دليل على ما نقول.
المصدر: موقع الخنادق