“طوفان اليمن” يفتك بالاقتصاد الصهيوني
العين برس/ مقالات
سارة عليان
أحد عشر شهرًا مرّ على انخراط الجبهة اليمنيّة في المعركة القائمة مع العدو الصهيوني. الجبهة التي انطلقت دون قواعد اشتباك وانتصرت لغزة، كبّدت الكيان الصهيوني خسائر فادحة أصابت صلب قطاعاته الاقتصادية، ومع مرور الوقت تضاعف حجم الأضرار والخسائر ليصل اليوم إلى حد إحداث شلل فعلي في العديد من منشآته وقطاعاته.
تداعيات عسكرية وإستراتيجية
الجبهة التي تعدّ “أكثر من معركة وأقل من حرب” وفق المحللين، كان لها- إلى جانب التداعيات الاقتصادية- تداعيات إستراتيجية وعسكرية مهمّة جدًا. هذه التداعيات كانت مؤثرة جدًا في الكيان الصهيوني وعلى ما يسمّى “تحالف الازدهار” الذي أثبتت ضربات اليمن فشله في حماية السفن التجارية المتجهة للكيان المحتل، “مما قد يؤثر بشكل كبير في تحالفات واستثمارات مستقبلية لأميركا وحلفائها” كما يشير الباحث في الشأن الاقتصادي والمالي، الدكتور علي القرصيفي.
في السياق نفسه، يشير العميد منير شحادة، منسق الحكومة السابق لدى قوات الطوارئ الدولية ورئيس المحكمة العسكرية سابقًا، إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية كان لها الدور الأكبر في زعزعة حركة التجارة العالمية عبر إجبارها السفن العابرة من البحر الأحمر – غير المتصلة بالكيان المحتل- بالتراجع وسلوك مسار رأس الرجاء الصالح بدلًا عنه، وهذا الأمر –وفقًا للعميد شحادة- جاء في تصريح لرئيس قناة السويس الذي تحدث عن عدم وصول العديد من السفن إلى القناة بسبب اجبارها على التراجع من قبل القطع البحرية الأمريكية.
وفي سياق متصل، يضاف لهذه التداعيات حالة الهلع واللا استقرار في قلب الكيان المحتل ولدى مستوطنيه، وتحديدًا بعد حادثة طائرة “يافا” التي منحت الدفاعات الجوية الصهيونية شهادةً عليا في غياب قوة الرّدع، ويتحدث العميد شحادة هنا، عن واقع الترقب والقلق الذي يعيشه الكيان اليوم بانتظار الرد اليمني على ضربته “الهوليوودية” الحمقاء لميناء الحُديدة اليمني، خاصة بعد كشف اليمنيين مؤخرًا عن استحواذهم على صواريخ فرط صوتية “حاطم 2” قادرة على إصابة أهدافها خلال دقائق.
ميناء “إيلات” والإغلاق التام
توثق التقارير الصادرة عن الصحف العبرية، أن السفينة التجارية الأخيرة التي وصلت إلى ميناء “إيلات” كانت عبارة عن سفينة محمّلة بسيارات جديدة من الشرق، وذلك في شهر نوفمبر 2023. منذ ذلك الحين وحتى اليوم، توقف الميناء عن العمل بشكل كامل وكذلك ميناء “كاتسا” الذي بقي فارغًا من ناقلات الوقود، وقد تقلّبت أسعار النفط بفعل التوترات التي تشهدها المنطقة، كما يؤكد الدكتور القرصيفي.
الاعتراف بالواقع المأساوي الذي فرضته الجبهة اليمنية على الكيان المؤقت جاء مؤخرًا أيضًا عبر وكالة “بلومبرغ” التي ذكرت منذ أيام قليلة أن اليمن “يشكل تحديًا كبيرًا لحرية البحار، وهزم قوة عظمى منهكة وتسبب في إفلاس ميناء “إيلات” في خليج العقبة”، وهو ما أكده بنك كيان “إسرائيل”، حينما أشار إلى أن إجمالي الخسائر الاقتصادية المباشرة لهجمات اليمن يقدّر بأكثر من 10 مليارات دولار .
الخبير الاقتصادي اليمني الدكتور رشيد الحداد، يوضح بدوره أن اليمن نجح في فرض رقابة بحرية على السفن التجارية القادمة للكيان الصهيوني وعطل الملاحة في ميناء “إيلات” الذي لم يتوقف منذ العام 1954، وقد تم لغاية الآن استهداف ما يقارب الـ 185 سفينة متجهة لفلسطين المحتلة.
هذا الشلل التام في عمل الميناء انعكس بالطبع على واقع العاملين فيه وتسبب في تسريح عدد كبير منهم، وهو ما أشار له الرئيس التنفيذي “غدعون غولبر” رقواه، قائلاً أنْ لا أمل باستعادة نشاط الميناء لأن شركات الشحن العالمية وبكل بساطة، لم تعد تثق بقوة التحالف الدولي فضلًا عن أن تكاليف التأمين زادت بنسبة 1% من قيمة السفينة، كما رفضت شركات تأمين قبول طلبات التأمين على السفن الأمريكية و”الإسرائيلية” والبريطانية.
هروب الشركات الناشئة
لا شكّ أن قطاع الشركات الناشئة في الكيان المحتل هو من أكثر القطاعات تضررًا من جراء الحرب، وقد كان للجبهة اليمنية دور بارز في هروب هذه الشركات إلى دول أكثر أمنًا، بعد أن ثبت أن “تل أبيب” هي أيضًا تحت مرمى النار، وبدا ذلك أكثر وضوحًا بعد ضربة مسيرة “يافا” التي أظهرت قدرة اليمن على ضرب عمق هذا الكيان وتحديدًا “مركز الثقل الاقتصادي والتجاري والتكنولوجي فيه” كما ذكر الدكتور الحداد.
وفي هذا الإطار، تشير بيانات رسمية إلى أن 44% من الشركات الناشئة هربت من “إسرائيل”، مع العلم أن هذه الشركات تشكل عصب الاقتصاد “الإسرائيلي”، لما قدمه الكيان المحتل من تسهيلات خلال العقود الماضية لجذب عدد كبير من الشركات الناشئة الأوروبية والأميركية وحتى الآسيوية وتشجيعها على الاستثمار فيه، خاصةً على صعيد شركات التكنولوجيا الناشئة، ومن المتوقع أن يصل عدد الشركات المغلقة إلى نحو 60 ألف شركة.
الوسائل البديلة تعمّق الأزمة
في محاولة منها لإيجاد طرق أخرى للشحن عبر البحر الأحمر، لجأت السفن التجارية القادمة إلى فلسطين المحتلة لطرق ووسائل بديلة، إلا أنها على اختلافها كبدت الاقتصاد “الإسرائيلي” خسائر إضافية. لقد أثرت عمليات اليمن في جميع الموانئ الصهيونية تقريبًا، فاعتماد الشحن عن طريق تفريغ الحاويات الخاصة بـ “إسرائيل” في موانئ “ترانزيت” وسيطة، جعل الكيان المحتل يضطر إلى تحمل تكاليف الشحن من الموانئ الوسيطة إلى موانئه.
وبالإضافة إلى ذلك، يفرض تحويل مسار السفن عبر المحيط الهندي تكلفة إضافية في الأسعار وزيادة في الوقت، وبحسب موقع “غلوبس” العبري، كان سعر نقل الحاوية الواحدة من شرق آسيا إلى الموانئ الصهيونية في فلسطين المحتل عشية الحرب يساوي 1490 دولاراً، وفي يناير 2024، ارتفع إلى ما لا يقل عن 6773 دولاراً، بمعدل 3.5 أضعاف مستوى ما قبل الحرب، وبينما كانت الرحلة من الهند إلى موانئ فلسطين المحتلة تستغرق أسبوعاً باتت تحتاج إلى نحو ثلاثة أسابيع.
الدكتور الحداد يضيف حول هذه النقطة قائلاً، إن رأس الرجاء الصالح يعرف بـ “منطقة رأس العواصف” لذا يتم فيها تخفيف حمولة السفن، وما كانت تحمله 10 سفن بات يحتاج إلى 11 سفينة، وهو ما يزيد من حجم التكاليف، ومن تأخير وصول البضائع إلى المستهلكين، فيخلق أزمات تموينية في أسواقه.
تداعيات في اتجاهات متعددة
تأثيرات جبهة اليمن شملت أيضًا قطاعات مختلفة، أبرزها زيادة التوترات العسكرية مما قد يتطلب إنفاقًا أكبر على الدفاع وفقًا للدكتور القرصيفي، بالإضافة إلى خلق مشاكل جديدة مثل ارتفاع أسعار المنتجات في الكيان المحتل بسبب ارتفاع أسعار الشحن، وقد كشف موقع” واي نت” العبري أن الأسعار شهدت موجة ارتفاع ثانية منذ بداية الحرب وطالت الآلاف من المنتجات، وبلغت نسبة ارتفاع بعض المنتجات 25%.
الدكتور الحداد أشار أيضًا إلى الأضرار التي لحقت بالقطاع السياحي، بعد أن أصبحت كل منطقة في الكيان المحتل غير آمنة لأي نشاط سياحي، والأهم أن هذه الجبهة نجحت في إفشال المخطط الصهيوني في بسط سيطرته العسكرية على الممر المائي الدولي، وهذا الأمر “سيستمر على الأرجح حتى بعد انتهاء الحرب خاصة بعد استهداف الصهاينة لخزانات النفط في مرفأ الحُديدة اليمني” يؤكد الحداد.
و في إطار الرد المتوقع على استهداف ميناء الحديدة، يوضح الخبير الاقتصادي عينه أن على العدو أن يتوقع أن يكون الرد على مستوى استهداف ناقلات النفط التي تغذي الكيان عبر البحر المتوسط، أو عبر استهداف منصات الغاز المسال فيه، أو حتى عبر أهداف أخرى، وكل ذلك مرهون بالتقديرات والتحضيرات العسكرية اليمنية، حتّى لما بعد المرحلة الخامسة.
التداعيات على المستوى الأميركي
على صعيد آخر من تداعيات الجبهة اليمنية، برز الإخفاق الأميركي كذلك في عدم القدرة على خلق واقع متكافئ على صعيد التكاليف العسكرية، فالطائرات اليمنيّة التي لا تتعدى تكلفتها بضع مئات من الدولارات، كانت تقصف بصواريخ دفاعية تتعدى قيمتها مئات الآلاف من الدولارات، وهذا بحد ذاته فشل ذريع في التقدير العسكري والإستراتيجي، وهو ما يؤكده العميد شحادة أيضًا في هذا السياق. وبلغة الأرقام، فقد بلغت تكاليف تشغيل البحرية الأمريكية – وفقًا لتقاريرهم- 3 مليارات دولار، بينما صرف لغاية الآن ما يقارب الـ700 مليون دولار تكاليف ذخائر وأسلحة عسكرية.
الفشل الأميركي كان معنويًا أيضًا باعتبار أن القوات البحرية الأمريكية- التي تعد إحدى أدوات الاستعمار التي يستخدمها الاحتلال الأميركي في المنطقة- سقطت أمام الصواريخ والمسيرات اليمنية التي كشفت بدورها مواطن الضعف الأميركي أمام الرأي العام الأمريكي والعالمي، ويرى الخبير الحداد أن الأمر بدا جليًا من خلال “الهروب السرّي للقطع البحرية الأمريكية من البحر الأحمر، فضلًا عن الصدمات النفسية التي خلفتها هذه الضربات للجنود الأمريكيين.”
المصدر: موقع العهد