أعلنت ثلاثة مصادر مطلعة أن السعودية تضغط على تركيا لإنهاء دعوتين قضائيتين بشأن مقتل الصحفي السعودي الناقد جمال خاشقجي.
وأفاد موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، نقلاً عن هذه المصادر، بأن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يحاول الاستفادة من زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الرياض في الأسابيع المقبلة، وإغلاق قضية خاشقجي.
وتأتي زيارة أردوغان المقبلة بعد قرابة ثلاث سنوات ونصف من العقوبات التي فرضتها السعودية على البضائع التركية، فيما تتحسن العلاقات بين الرياض وأنقرة بشكل ملحوظ.
ونقل الموقع عن مصدر قوله “قضية خاشقجي هي كل شيء بالنسبة لابن سلمان، وهو مهووس بها ويعتبرها مسألةً شخصيةً”.
وشدد المصدر على أن ابن سلمان يلوم أردوغان شخصياً على تورط الولايات المتحدة في قضية (خاشقجي)، وعدم إغلاق القضية في الأيام الأولى بعد الجريمة التي هزت العالم.
وقد وافقت وزارة العدل التركية، الجمعة الماضي، على نقل محاكمة السعوديين المشتبه بهم في قضية جمال خاشقجي إلى الرياض.
وأبلغ الاتحاد الأوروبي وزارة العدل التركية أن مكتب المدعي العام في اسطنبول قد عبر عن آرائه بشأن إحالة القضية إلى المسؤولين السعوديين، بناءً على طلب المحكمة الجنائية الحادية عشرة في اسطنبول، المكلفة بالتحقيق في مقتل خاشقجي.
ومن المقرر أن تصدر محكمة اسطنبول حكماً الخميس المقبل، لإغلاق الإجراءات القانونية في قضية خاشقجي في تركيا. ومع ذلك، فقد تم رفع دعوى قضائية أخرى في المحكمة الفيدرالية الأمريكية.
رفعت هذه القضية بناءً على طلب “خديجة جنكيز” مخطوبة الصحفي السعودي ومنظمة “الديمقراطية الآن للعالم العربي” الأمريكية(داون)، التي أسسها خاشقجي قبل مقتله.
وقال مسؤولون أتراك إن هذه الشكوى(التي تلوم ابن سلمان) بعيدة عن متناولهم. وحسب مسؤول تركي، فإن أنقرة تغلق ملف قضية خاشقجي وهذا “قرار قانوني”.
وأضاف: “لكن أنقرة ليس لها سيطرة على القضية المرفوعة في الولايات المتحدة، ولم تناقش قضايا خارج تركيا مع المسؤولين السعوديين. كما أن تركيا ليس لها اختصاص في قضايا المحاكم الأجنبية ضد ولي العهد السعودي”.
وأوضح المسؤول التركي أن خطيبة خاشقجي هي الشخص الوحيد المخول بمتابعة هذه القضايا (أمام محاكم أجنبية). وأضاف: “مع ذلك، هناك الكثير من الأشخاص، بمن فيهم أفراد من عائلة خاشقجي، يضغطون على خديجة جنكيز للتنازل عن جميع القضايا … لست متفاجئًا إذا فعلت ذلك … لكن يمكنها أيضًا أن تكون أكثر تصميماً”.
وفي هذا الصدد، يجادل محامو المدعين بضرورة النظر في هذه القضية في محكمة أمريكية، بينما يصر محامو ولي العهد السعودي على وجوب إنهاء الملف.
فإذا استمرت هذه الدعوى القضائية في الولايات المتحدة، فسيتم الکشف عن قضية اغتيال خاشقجي للرأي العام، ما سيدفع السعودية للضغط من أجل حملات بمليون دولار لاستعادة سمعة ابن سلمان.
وحسب موقع “ميدل إيست آي”، هذا بالضبط ما يحاول ولي العهد السعودي تجنبه، حيث رفض مرارًا وتكرارًا أي عملية تصفه بالمتمرد.
إن اغتيال خاشقجي أدى إلى توتر العلاقات السعودية التركية، لكن أنقرة تواجه مشاكل اقتصادية كبيرة منذ شهور، وتسعى لتوثيق العلاقات مع الرياض.
کما أثار اغتيال خاشقجي غضبًا دوليًا، حيث اتهمت وكالات المخابرات الغربية محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للسعودية بالتخطيط لاغتيال خاشقجي.
وأعلن أردوغان في يناير/كانون الثاني أنه يعتزم زيارة الرياض، وهي زيارة تأتي في توقيت حرج بالنسبة لتركيا، حيث ارتفع التضخم إلى أكثر من 60٪.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أنه تم اتخاذ خطوات مهمة لتطبيع العلاقات مع السعودية، بالتوازي مع تحرك القضاء للتنازل عن محاكمة قتلة خاشقجي. كما أشار إلى أن وزير الخارجية السعودي سيزور تركيا قريباً، وهو ما سيكون رمزاً للعلاقات المتنامية بين البلدين.
تركيا، التي تمر بأزمة اقتصادية جديدة وتسعى للاستثمار الأجنبي والتجارة، لجأت إلی منافسين إقليميين، بما في ذلك الإمارات والسعودية.
کما تدهور الوضع الاقتصادي في تركيا منذ ما يقرب من عام، وأدى ارتفاع التضخم، إلى جانب انخفاض قيمة الليرة مقابل العملات الأجنبية، إلى نزول الناس إلى الشوارع عدة مرات للاحتجاج على إجراءات حكومة رجب طيب أردوغان.
ويعتقد العديد من المحللين الأتراك أن مجموعةً من المشاكل والعقد في الدبلوماسية والسياسة الخارجية، هي نتيجة مباشرة لقرارات أردوغان المفاجئة والغاضبة.
بحيث أنه من سوريا ومصر إلى العديد من المجالات الأخرى، قاد أردوغان السياسة الخارجية إلى طريق مسدود بسلوكه قصير النظر، وفرض تكاليف باهظة على الاقتصاد التركي. ونتيجةً لذلك، أقنع المستشارون والدبلوماسيون أردوغان تدريجياً بالتحرك نحو التطبيع.
إن هدف تركيا في تطبيع العلاقات مع الرياض وإحالة قضية خاشقجي إلى السعودية، وكذلك تحسين العلاقات مع الإمارات، وتطوير العلاقات مع قطر، هو تحسين اقتصاد البلاد الذي لا يعيش حاليًا في حالة جيدة. وعقب تحرك أنقرة، أدانت منظمة العفو الدولية هذه الخطوة، معربةً عن إحباطها من السلطات التركية.
جمال خاشقجي، أحد الصحفيين الأكثر نفوذاً في الشرق الأوسط، وكاتب عمود في واشنطن بوست وصحافي سعودي، قُتل في 2 أكتوبر 2018 في القنصلية العامة للسعودية في اسطنبول، وكشف لاحقاً عن قيام فريق أمني بقيادة ولي العهد السعودي بتقطيع جثته وإخراجها من القنصلية.