لا تزال السعودية غارقة في مستنقع الحرب التي شنتها على اليمن، والتي تدخل عامها الثامن دون ان تحقق أي من أهدافها، وهو الأمر الذي جعلها تغير أساليبها غير مرة، والتي كانت آخرها محاولة إعطاء هذه الحرب طابعاً أهلياً وانسحابها تدريجياً مع الإبقاء على أذرعها وميليشياتها في الداخل.
صحيفة لوموند الفرنسية أشارت في مقال لها إلى ان السعودية قد جربت “كل شيء مع الحوثيين.. قصفوهم وحاولوا شراءهم والتفاوض معهم، لكنهم فشلوا”. وعن انشاء مجلس القيادة الأخير تقول الصحيفة ان “إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يسعى إلى توحيد جبهة معادية للحوثيين ذات مصداقية تسمح له بتقليص بصمته على الأرض، خاصة وأن الحرب تلحق ضرراً خطيراً بصورته في الرأي العام الغربي”.
وفي تقرير لها تحت عنوان “السعودية تريد الاستفادة من الهدنة الجارية في اليمن لفك الارتباط بالصراع”، أضافت الصحيفة ان “الهدنة التي دخلت حيز التنفيذ في اليمن قبل ثلاثة أسابيع بمناسبة شهر رمضان تحترم بشكل عام (حتى الآن)، على الرغم من أن المتمردين الحوثيين رفضوا المشاركة في المحادثات اليمنية المشتركة التي عقدت مؤخرا في السعودية”.
واعتبرت الصحيفة أن “هذه الفترة إن كانت راحة بسيطة أو بداية تهدئة طويلة المدى، إلا أنها في جميع الأحوال تستخدم من قبل المملكة العربية السعودية لمحاولة إعادة ضبط تدخلها العسكري أو على الأقل لإعطاء الانطباع عن ذلك. ففي ظل غياب الخيارات في مواجهة صمود الحوثيين، وإدراك ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن هذا الصراع يلحق ضرراً خطيراً بصورته في الرأي العام الغربي، فإن الأخير يعتزم تقليص وجود بلاده في اليمن”.
وتنقل “لوموند” عن مراقب يمني فضل عدم الكشف عن هويته، قوله إن السعوديين “يقولون إنهم جربوا كل شيء مع الحوثيين.. قصفوهم وحاولوا شراءهم والتفاوض معهم، لكنهم فشلوا. نتيجة لذلك، يريد السعوديون الآن التمسك بنهج أمني، يتمحور حول الدفاع عن حدودهم، ولم يعد لديهم اهتمام بالاعتبارات الأيديولوجية محاربة حركة من أصل شيعي وقريبة من منافسهم الإيراني. ربما سيخلق هذا فرصة تدفع الحوثيين إلى التفاوض”، وفق المراقب اليمني.
الافتقار إلى المصداقية
“إن حجر الأساس لهذه الاستراتيجية الجديدة هو المجلس الرئاسي، المؤلف من ثماني شخصيات معارضة للحوثيين، والذي تم تشكيله يوم 7 أبريل الجاري، بتحريض من الرياض، حيث استعادت هذه الهيئة صلاحيات رئيس الدولة الفخري، عبد ربه منصور هادي، الذي دفعه حاميه السعودي إلى الهامش، بحسب الصحيفة الفرنسية، التي اعتبرت أن السعودية تأمل، من خلال توحيد جبهة مناهضة للحوثيين ذات مصداقية، في أن تكون قادرة على الشروع في فك الارتباط عن اليمن، أو على الأقل التراجع قليلاً. إذ لم تعد المملكة العربية السعودية تريد الظهور كمحارب ومن باب أولى على أنها المحرض الرئيسي للصراع – ولكن كوسيط يُنظر إليه على أنه محايد ومسؤول”، يؤكد المراقب اليمني للصحيفة.
عدم الثقة ما يزال قائماً
وتضيف “لوموند” “بمجرد أن انتزعت الأمم المتحدة الهدنة التي استمرت شهرين على الأرض، استجابت الرياض للالتزام بالتنحي. في غضون ذلك، قررت السلطات السعودية إنقاذ البنك المركزي اليمني بـ3 مليارات دولار”. مشيرة إلى ان “المجلس الرئاسي الجديد يضم مسؤولين من المجلس الانتقالي الجنوبي، وتشكيل انفصالي، ولواء العمالقة القوي، المسلّح والمدرّب من قبل الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى زعماء القبائل الذين لديهم الشرعية على الأرض. لكن في حين أن جميع أعضاء المجلس لديهم علاقات وثيقة مع المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة، القوتين الإقليميتين اللتين تهيمنان على التحالف المناهض للحوثيين، فإن بعضهم كان على خلاف منذ بداية الحرب. وتتسرب القليل من المعلومات حول الصلاحيات الدستورية والسياسية التي ستكون لديهم، بخلاف التفاوض مع الحوثيين أو مواصلة الحرب”.
وقال بيتر سالزبوري، المسؤول عن ملف اليمن في مجموعة الأزمات الدولية، “إنهم قادرون على تنفيذ حملة منسقة على عدة جبهات ضد المتمردين، بشرط أن يظلوا متحدين”. ويتابع: “لديهم القدرة على السعي وراء السلام بقوة ومتابعة الحرب بشكل أكثر عدوانية”. وحقيقة أنهم تمكنوا حتى الآن من تأجيل خلافاتهم تعطي بعض الأمل لليمنيين المناهضين للحوثيين، إلا أن عدم الثقة ما يزال قائماً، وتنقل الصحيفة عن ناشط اجتماعي يمني قوله: “لسوء الحظ، هذه الأنواع من القرارات تتخذ في الخارج وبدون علم الشعب اليمني”.
واعتبرت الصحيفة أنه إذا تمكن المجلس الرئاسي من فرض نفسه، فسيساعد ذلك السعودية على إخراج نفسها من الصراع اليمني. لكن إذا انهارت الهدنة وعاد الحوثيون إلى الهجوم، فسيكون من الصعب على الرياض ألا تغرق مرة أخرى في هذا المستنقع، حسب ما تؤكد صحيفة لوموند الفرنسية.
* لوموند الفرنسية