أكثر ما يربك “إسرائيل” في هذه المرحلة هو تصاعد مؤشر عمليات المقاومة الفلسطينية بشكل دراماتيكي، ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه.
“عرين الأسود”.. مقاومة فلسطينية من الجيل الجديد، حال تجاوزت الفصائلية المعروفة، استطاعت أن تربك حسابات “إسرائيل” منذ اللحظة الأولى التي بدأت ترسم حكايات ثورتها بعملياتها النوعية، بعثت الأمل في نفوس الفلسطينيين بسرعة فائقة.
“عرين الأسود” ظاهرة مقاومة موحدة شعارها واضح، القدس بوصلتها، شبابها أُسود كما كل أبناء فلسطين، يرتدون زياً موحّداً، وتغطي مخازن بنادقهم قطع قماش حمراء لتؤكد أن الرصاص الذي بحوزتهم لا يطلق إلا لهدف محدد، هو الاحتلال الإسرائيلي، بقواته ومستوطنيه.
كما كتيبة “جنين” من قبل، سطع نجم كتيبة “عرين الأسود” انطلاقاً من البلدة القديمة في نابلس بالضفة الغربية المحتلة، بعد تنفيذها سلسلة عمليات استهدفت جنود الاحتلال الإسرائيلي، وإعلانها رسمياً أن غطرسة الاحتلال بقتل وسفك دماء الفلسطينيين تفرض عليهم كمقاومين خوض معارك متجددة لا يتوقع العدو الإسرائيلي شكلها ولا يقرأ طبيعتها مسبقاً.
أكثر ما يربك “إسرائيل” في هذه المرحلة هو تصاعد مؤشر عمليات المقاومة الفلسطينية بشكل دراماتيكي، ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه، ففي إحصائية دقيقة نشرها مركز المعلومات الفلسطيني، كشف أن محافظات الضفة الغربية المحتلة شهدت في شهر أيلول/سبتمبر الماضي 833 فعلاً مقاوماً، تنوعت بين إلقاء حجارة ومحاولات وعمليات طعن بالسلاح الأبيض (السكين) أو بالدعس باستخدام السيارات، وإطلاق النار وزرع أو إلقاء عبوات ناسفة، أدت إلى مقتل ضابط إسرائيلي وإصابة 49 آخرين، بعضهم بجراح خطرة، فيما شهد النصف الأول من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، عمليات مقاومة أدت إلى مقتل جندي إسرائيلي ومجندة إسرائيلية أخرى وإصابة 42 آخرين بعضهم جراحهم خطرة.
حالتا القلق والإرباك من جراء الفعل المقاوم لكتيبة عرين الأسود، عبّرت عنهما صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية التي وصفت عناصرها بالمقاومين الجدد، أو بمقاومي الجيل الثالث في الضفة الغربية الذي يعد الأشد خطراً على أمن “إسرائيل”، وقالت إن جيش الاحتلال بدأ يصطدم بنوع آخر من المقاومين يمتازون بأنهم الأكثر جرأة وشجاعة، ويسعون للمواجهة ويرفضون الاستسلام، ولا يهمهم انكشاف شخصياتهم على صفحات التواصل الاجتماعي.
قراءة المشهد في الضفة الغربية والقدس المحتلة يمكن حصرها في مسارات عدة مهمة، جميعها تعطي مؤشراً إلى أن الفعل الفلسطيني المقاوم الذي يتدرّج تصاعدياً يجعل سيناريو تفجر انتفاضة جديدة مسلحة في وجه “إسرائيل” بات يسيطر على المشهد في الضفة الغربية والقدس المحتلة، لأسباب عدة:
– الضفة الغربية تعد الخاصرة الأضعف لـ”إسرائيل” أمنياً، بحكم أنه ليس من السهل السيطرة عليها في حال اندلاع انتفاضة في وقت تشهد فيه هي حالاً من الهشاشة الأمنية، إذ لم يعد الاحتلال بأجهزته الأمنية قادراً على فرض سيطرته في ظل اتساع بقعة الزيت لعمل المجموعات الفلسطينية المقاومة التي خلقت بيئة حاضنة للمقاومة الفلسطينية.
– الضفة الغربية المحتلة التي تشهد، من دون شك، تصاعداً في نوعية وعدد الفعل المقاوم، يعود ذلك إلى فشل استراتيجيات “إسرائيل” في الأعوام 16 في ملاحقة المقاومة الفلسطينية وقمعها، وبالعكس فقد ساهم توسع الاستيطان على نحو غير مسبوق، وانتهاكات الاحتلال في القدس في زيادة التفاف الشباب الفلسطيني والالتحاق بالكتائب المقاومة، وأبرزها كتيبة “عرين الأسود”، كما عزّز هذا المسار إحصائيات سابقة تعكس أرقاماً حقيقية لتنامي الفعل المقاوم، إذ سجلت إحصائية رصدت فيها عمليات المقاومة خلال العامين المنصرمين، ففي عام 2020 نفذت 29 عملية إطلاق نار، وفي عام 2021 نفذت 191 عملية، وهذه الأرقام تشكل هاجساً أمنياً للاحتلال الإسرائيلي.
– دخول ومشاركة أجيال جديدة من الشباب الفلسطيني في سلسلة من العمليات المقاومة ضد جنود الاحتلال، يعني أن مستقبل المقاومة في الضفة الغربية يسير في منحنى تصاعدي وليس على أبواب الضبط أو الإحباط والسيطرة.
– الإحصائيات التي نشرها مركز المعلومات الفلسطيني تفسر أن حالة المقاومة على المدى البعيد قادرة على تغيير معادلة الصراع في الضفة الغربية، لمصلحة الشعب الفلسطيني ومقاومته، وأنه لا يمكن حسم المعركة مع الاحتلال الإسرائيلي إلا بالمقاومة المسلحة واستمرار حالة الاشتباك بالسبل والوسائل كافة.
– حال الفعل المقاوم التي فرضتها كتيبة “عرين الأسود”، جعلها تشكل معادلة قوية في الصراع مع الاحتلال، وقادرة على قلب الموازين في الضفة المحتلة والقدس بعد أن نجحت في تحويل البيئة الأمنية لجيش الاحتلال ومستوطنيه إلى حاة من الرعب المتواصل، وهذا كان بارزاً في عملياتها الأخيرة.
– ظاهرة “عرين الأسود” التي أخذت على عاتقها نهج التصعيد ضد الاحتلال الإسرائيلي، واتباع سياسة الهجوم خير وسيلة للدفاع، أصبحت تسبب صداعاً وأرقاً لـ”إسرائيل” أمنياً، بعد أن نجحت في فرض سيطرتها النارية على المفترقات والحواجز وأجبرت الاحتلال ومستوطنيه.
– الواضح أن “عرين الأسود” تعمل وفق استراتيجية واعية ومبصرة من أجل مـقـاومة متواصلة تضمن تمدّد الفكرة وتجاوزها حدود نابلس الجغرافية، بل وتعمل لإشراك محافظات فلسطينية أخرى في هذا النهج والطريق والأسلوب، بهدف تعميم حال المقاومة وإشعال الضفة بركاناً في وجه “إسرائيل”.
– نجحت “عرين الأسود” في التأسيس لثورة فلسطينية عارمة وتبنّي حاضنة شعبية لها في محافظة نابلس، وظاهرةٌ كهذه تعد امتداداً لتاريخ طويل من البطولة الفلسطينية في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه.
– فشل الاحتلال الإسرائيلي في تحييد الأخطار والتهديدات وتحديد نوعية الشباب الذين يلتحقون بالمقاومة وتشكيلاتها والمناطق التي يخرجون منها والبيئات التي تدعمها، يعكس نجاح “عرين الأسود” كنموذج فلسطيني مقاوم، وما صعّب مهمة الاحتلال هو أن كثيراً من الشبان المنضمين حديثاً إلى المقاومة غير مدرجين في قوائم المتابعة والمراقبة الأمنية، بل إن أكثر ما يعكس إرباكه وفشله الأمني هو اللجوء إلى محاربة” عرين الأسود” عبر منصات التواصل والطلب بإغلاق منصاته نظراً إلى حال التأثير الملموسة التي باتت تشكّلها وتنعكس على المشهد في الضفة الغربية والقدس.
“عرين الأسود”، نموذج فلسطيني مقاوم، لها من اسمها نصيب، فعلى الرغم من حداثة تشكيلها أوجعت الاحتلال الإسرائيلي وضربت منظومته الأمنية في غير عملية نفّذتها في مقتل، بل وباتت تشكّل كابوساً لقادة الاحتلال، وأوقفتهم حائرين عاجزين أمام شباب فلسطيني مقاوم يحملون إرادة قتال فولاذية ويتطلعون إلى الحرية والانعتاق من الاحتلال.
المصدر: الميادين