عندما هبت عواصف الغبار التي أطلق عليه تعسفا اسم الربيع العربي، ظهرت قطر كصاحبة دور وظيفي مركزي خليجيا وعربيا ودوليا، تملك من مصادر القوة الفوائض المالية والصوت المرتفع الصادر عن فضائية الجزيرة ثم الدعم الأمريكي في عهد الرئيس الأسبق اوباما ونائبه جو بايدن الرئيس الحالي. منحت إدارة اوباما – بايدن قطر هامشا واسعا يسمح لها بإقامة علاقات مع أطراف لا تريد الإدارة الأمريكية إقامة علاقات مباشرة معها، مثل إيران، كذلك الإخوان المسلمون وذراعهم الفلسطينية (حركة حماس) وطالبان الأفغانية وغيرهم. تأهلت قطر من ما قبل الربيع الزائٔف لتصبح عميدة لسياسات ذلك الربيع وقائدة لثوراته في تونس وليبيا و مصر وسورية، ولكن ذروة الحق والعدوانية كانا من نصيب سوريا التي صمدت برغم جسامة ما ألقي عليها من شرور، وقد كشف وزير خارجية قطر في حينه حمد بن جاسم مؤخرا عن معلومات مذهلة وأرقام لم تكن تخطر على البال بذلتها بلاده في سبيل تدمير سورية.
لكن دوائر الدنيا تدور، وعند استدارتها جاء الجمهوريون للحكم في واشنطن، تم تهميش الدور القطري لحساب الإمارات والسعودية، تم سحب الملف السوري من يد حمد بن جاسم ليصبح بيد بندر بن سلطان الذي لم يكن اقل حقدا على سوريا ولا اقل سخاء في بذل المال لتدميرها وذلك مع عودة الجمهوريين للبيت الأبيض، ثم تدور الدوائر مرة أخرى ويعود نائب اوباما جو بايدن رئيسا، وهو الذي دعم قطر في السابق ويراها اليوم الحليف الأقرب لبلاده من خارج حلف شمال الأطلسي، هكذا عاد الدور لقطر واضطر السعودي والإماراتي بعد ممانعة القبول بالأمر الواقع ولو على مضض .
كعادتها، قدمت قطر خدماتها بجدارة واقتدار، فأدارت لحساب الأمريكان بعض الملفات مع إيران، ثم استضافت القادة الأفغان وأعادت تأهيلهم بما تملك من ترف العيش ونعومته ورعت الحوار الأمريكي معهم وتولت عملية إخراج الأمريكان من أفغانستان ودفعت اكلاف ذلك الباهظة، واستضافت قيادات فلسطينية إسلامية وواظبت على إرسال حقيبة السفير العمادي إلى غزة .
مع منتصف الشهر الحالي سنكون على موعد مع زيارة بايدن للمنطقة وتحديدا لفلسطين المحتلة ( إسرائيل ) و السعودية و ذلك ما لم يطرأ جديد، هذا وقد أصبحت الملامح الرئيسة لما سيطرحه بايدن معروفة بإطارها العام، لا بل أن بعضها قد اخذ طريقة للتنفيذ منذ أكثر من شهر كالحلف العسكري، إذ دارت اجتماعات عسكرية رفيعة المستوى جمعت ضباطا كبارا من ( إسرائيل ) والدول المتحمسة لإقامة التحالف، كما أن التعاون الاقتصادي قائم ومشاريع الربط اللوجستي تسير دون عوائق فيما الاندماج الثقافي – الروحي ( الإبراهيمي ) يتم العمل عليه بغض النظر عن التوقعات المبشرة بفشل الفكرة من أساسها، أما دعوة ولي العهد السعودي الملوك والأمراء والرؤساء لقمة في جدة تجمعهم مع بايدن فقد أعطت انطباعا أن بايدن لا يعارض تكريس محمد بن سلمان قائدا لعرب أميركا كمقدمة لاستلام عرش بلاده .
وبما أن لا شيء في السياسة مجاني، فان ثمنا من الفروض عليه أن يدفعه محمد بن سلمان لضيفة القوي على ضعفه، وهو بات يخطو خطوات كبيرة باتجاه التطبيع العلني، والمساهمة المالية والعسكرية بالتحالف العسكري الجديد، ولكن حاجة بايدن الأكثر إلحاحا هي في زيادة عرب البترودولار من إنتاج النفط بهدف تخفيض أسعاره التي ترى واشنطن أن موسكو المستفيد الأول منها، وهي ما يساعدها في تمويل حربها في أوكرانيا، لكن أنباء تفيد بان الإمارات قد اعتذرت عن رفع إنتاجها لأسباب تقنية، فيما قد ترفع السعودية الإنتاج بنسبة ضئيلة لا تؤثر على سعر برميل النفط، وهذا ما كان قد صدر على لسان الرئيس الفرنسي .
بهذا عادت واشنطن لتعطي دورا جديدا لقطر وذلك بنقل المفاوضات مع طهران من فيينا للدوحة، وكان القيادة في الرياض ستكون شكلية فيما المفاتيح في الدوحة التي يثق بها بايدن أكثر .
هل الأمريكي حقا في حيرة من أمره؟ أم انه يريد أن يضعنا في حيرة من أمرنا بما يحمل أداؤه من مؤشرات متناقضة، ألا تشبه هذه اللعبة أفلام الكرتون الشهيرة توم وجيري.
المصدر: بوابة الهدف