تزعم الوكالة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أنّها تهتم بدعم الاقتصاد والرعاية الصحية والتعليم والمساعدات الإنسانية في نحو مئة دولة. ولكن واقع الحال، أن هذه الوكالة متورّطة في الجرائم ضد الإنسانية من خلال تمويل أبحاث في مجال الأسلحة البيولوجيّة، وموّلت العديد من المجموعات الإرهابية، بما في ذلك تنظيما القاعدة و»داعش»،
كما أنفقت مئات الملايين من الدولارات على المعدات والأسمدة المستخدمة لزراعة الخشخاش وإنتاج الهيروين في بعض الدول، ومتورّطة بالترويج للتحول الجنسيّ والإجهاض وغير ذلك، وهذا ما توثقه دول ومنظمات عديدة.
اليوم، إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تريد التحكم بهذه الوكالة، وليس تصفيتها، فهذه الوكالة هي وسيلة لتحقيق نفوذ الولايات المتحدة في العالم. غير أن أهمية حملة ترامب على الوكالة المذكورة، هو نزع الصفة الإنسانية عن مؤسسة لعبت أدواراً خبيثة على مدى عقود وشكلت رافعة للإرهاب والفوضى.
وفي ما يلي مقالان بهذا الخصوص الأول في «فزغلياد» الروسية، والثاني في «واشنطن بوست» الأميركيّة:
بعنوان: «ترامب يهزّ عرين أعدائه في الوكالة الأميركيّة للتنمية الدولية من أجل سلطته الشخصية» كتب رفائيل فخرالدينوف، في «فزغلياد» الروسية:
أعلن وزير الخارجية الأميركية ماركو روبيو أنّه تولى المسؤولية عن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، وقام بتفويض بيت ماروك بصلاحيّاته، وهو الذي كان قد أعدّ توجيها بتجميد كل المساعدات الأجنبيّة تقريبًا.
في هذه الأثناء، أصدر البيت الأبيض قائمة بما سمّاه «الإنفاق السخيف» للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، والذي يتضمّن مشاريع لدعم المبادرات المتعلقة بالتحول الجنسيّ في كولومبيا والبيرو، فضلاً عن مئات الآلاف من الدولارات الموجّهة إلى منظمات مرتبطة بالإرهاب.
أضاف الكاتب: في 20 يناير/كانون الثاني 2025، جمّد ترامب مبادرات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لمدة 90 يوماً، وخلال هذه الفترة سيتم إجراء مراجعة لتحديد ما إذا كان عمل الوكالة متوافقاً مع أهداف الولايات المتحدة.
وفي هذا الصدد، قال مدير البرامج في نادي فالداي للمناقشة، تيموفي بورداتشيف: «ترامب يهز الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لتثبيت سلطته. إنّها وكر خصومه ودولة داخل الدولة. أظن أن الوكالة سوف تخضع، إن لم تتمّ تصفيتها، لإصلاحات جوهرية وسوف تعمل تحت تبعية صارمة لوزارة الخارجية».
«إن فريق ترامب يحتاج إلى إلحاق هزيمة كاملة بقادة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية واستبدال موظفين مخلصين بهم. ومن أجل تسويغ صحة إجراءاته في نظر المجتمع الأميركي نشر البيت الأبيض تقارير عن الإنفاق غير المسوّغ للوكالة».
«ولكن مهما يكن من أمر، فإن الأجندة السياسية الداخلية الأميركية سوف يكون لها تأثير في الفضاء ما بعد السوفياتي، حيث ستشعر شبكة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية التخريبية الآن بقدر أقل من الثقة. وسوف يشعر عدد كبير من عملاء الوكالة بمزيد من التوتر والقلق بشأن سلوك راعيهم. وهذا أمر جيد بالنسبة لروسيا على أية حال».
وتحت عنوان: «تدمير ترامب للوكالة الأميركيّة للتنمية الدولية يهدد سلامة الأميركيين» كتب كريس كونز في «واشنطن بوست»:
لقد ترشّح دونالد ترامب للرئاسة على وعد بالحفاظ على أمن الأميركيين. ولكن وقف تمويل الوكالة الأميركية للتنمية الدوليّة تظهر أنه يمتلك فكرة مضللة عن كيفية تحقيق هذا الهدف.
في أول يوم له في البيت الأبيض، أصدر ترامب أمراً تنفيذياً بتجميد جميع المساعدات الأجنبية لمدة 90 يوماً على الأقل، مما دفع إلى إصدار أوامر «وقف العمل»، والتي أثرت على مئات المشاريع في جميع أنحاء العالم، والتي من شأنها أن تضعف النفوذ الأميركي.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، تمّ إعفاء أو تسريح العديد من قادة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وتمّ فصل بعضهم بسبب حماية أسرار الأمن القومي من البيروقراطيين غير المنتخبين من «إدارة كفاءة الحكومة» بقيادة إيلون ماسك.
إن برامج الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، مثل كل مساعداتنا الخارجية، تلعب دوراً محورياً في مكافحة التطرف وتعزيز الاستقرار وحماية وطننا. ويخطط ترامب لتوقيع أمر تنفيذي من شأنه أن يوجه الإجراءات التي يتخذها لتقليص ميزانية الوكالة وضمها إلى وزارة الخارجية. وهذا تجاوز غير دستوريّ لمبدأ الفصل بين السلطات في بلادنا، ولكن حتى لو تمّ حظره، فإن ترامب قد بدأ بالفعل في تدمير الوكالة.
وأشار الكاتب إلى أن المساعدات الخارجية الأميركية تشكل 1% من ميزانيتنا الفيدرالية، وهذه الأموال ليست صدقة. بل إنها تعزز أمننا وتعزز قيمنا. والخطوات المتهوّرة التي تتخذها إدارة ترمب كجزء من أجندتها الانعزالية «أميركا أولاً» تشكل خطراً على الأميركيين. إن مساعداتنا الخارجية ومشاركتنا تكسبنا أصدقاء في مختلف أنحاء العالم، وتثبت قيادتنا، والأهم من ذلك أنها تحيد التهديدات البعيدة التي تواجه الولايات المتحدة قبل وقت طويل من تعريض بلادنا للخطر.
وعلى سبيل المثال بدأ الآن فيروس الإيبولا يحصد الأرواح في أوغندا. وإلى الجنوب، في تنزانيا، بدأ فيروس ماربورغ في التفشّي. وربما يتذكّر العديد من الأميركيين عام 2014، عندما تفشى فيروس الإيبولا في غرب أفريقيا ووصل إلى الولايات المتحدة. وربما يكونون أقل وعياً بكثير بالعديد من الأوبئة الأخرى التي تم احتواؤها قبل سفرهم إلى هنا. وربما يكون فيروس ماربورغ أسوأ. فمثل الإيبولا، هو حمى نزفية تمزق الأوعية الدموية وتؤدي إلى الوفاة بسبب النزيف الداخلي. وعلى عكس الإيبولا، يصل معدل الوفيات بسببه إلى 90%، ولا يوجد لقاح معتمد له.
إن سلامة الأميركيين تعتمد على احتواء هذه الفيروسات القاتلة قبل أن يتمكن حاملوها من السفر إلى الولايات المتحدة. وهذا يعتمد على نجاح المشاريع المموّلة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية مثل مراقبة الأمراض وتتبع المخالطين وإجراء الاختبارات، والتي يديرها موظفو الوكالة والمتعاقدون معها على الأرض حيث تحدث الأوبئة. وبدون تمويل هذه الوكالة، فإن هذه البرامج سوف تكون عاجزة، وسوف ينتشر المزيد من هذه الأمراض دون رادع في جميع أنحاء العالم ويصل إلى شواطئنا.
وزعم الكاتب قائلاً: ولكن عمل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وبرامج المساعدات الخارجية الأخرى التي نقدّمها يتجاوز بكثير الاستعداد للوباء. فنحن نعلم أن الإرهابيين في بلدان عدة يستغلون الفراغات الأمنية لتطوير ملاذات آمنة لمهاجمة الولايات المتحدة وأصدقائنا ــ كما فعل تنظيم الدولة الإسلامية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكما فعل تنظيم القاعدة في الفترة التي سبقت هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.
وفي معرض الدفاع عن الدور الإجرامي للوكالة يتابع الكاتب الأميركي، تُستخدم أموال الوكالة لتدريب الجيوش الصديقة على مداهمة معسكرات تدريب الإرهابيين، وتأمين السجون التي يُحتجز فيها أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية، وتوفير المعدات اللازمة لفحص القنابل وإبعادها عن الطائرات.
وعلى نحو مماثل، نستخدم أموال مساعداتنا الخارجية لتدريب الشركاء في نصف الكرة الأرضية الذي نعيش فيه للحد من تدفق الفنتانيل وتدمير الكارتلات التي تغذي هذا العقار القاتل وغيره إلى الولايات المتحدة.
ويقول الكاتب: عندما ننسحب من بلدان معينة ستقفز الصين لملء الفراغ مباشرة. فقد أنفقت الصين تريليونات الدولارات في العديد من البلدان لأنها مهتمة بجذبها إلى دائرة نفوذها. وفي اجتماعات مع زعماء في جميع أنحاء الجنوب العالمي في السنوات الأخيرة، سمعت المزيد من الطلبات لمزيد من المشاركة والاستثمار من جانب الولايات المتحدة.
ولعبت مشاريع الوكالة دورًا حاسمًا في تحرير الدول وجعل من الصعب على المنافسين الحصول على المواد الخام وتأمين القواعد التي يمكنهم من خلالها إبراز القوة العسكريّة في جميع أنحاء العالم. وقد حققنا الفوز في هذه المعركة، ولكننا الآن نغادر ساحة اللعب فجأة. وسوف تنزلق بلدان عديدة إلى فلك الصين.
إن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ليست وكالة مثاليّة، وإذا كانت إدارة ترامب تريد اتخاذ إجراءات إصلاحية فلا بأس بذلك. ولكن الإدارة الحالية تدمّر الوكالة، وسوف يدفع الأميركيّون الثمن.
صحيفة البناء اللبنانية