العين برس / تقرير
حلمي الكمالي
تتسابق الدول لتطبيع العلاقات الثنائية مع صنعاء، خلال الآونة الأخيرة، وهو ما بات واضحاً في جملة المعطيات الطارئة على الساحة اليمنية؛ إذ لا يمكن إغفال أن يطير المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ والفريق المرافق له من نيويورك، إلى العاصمة صنعاء، لتقديم إحاطته لمجلس الأمن الدولي بخصوص الشأن اليمني، في سابقة تعكس بوضوح أننا أمام مرحلة جديدة مختلفة على كافة الأصعدة فيما يتعلق بالملف اليمني ومفاوضات إيقاف حرب التحالف على البلد.
لا شك أن إحاطة المبعوث الأممي من صنعاء، وما يحدث من تطورات في عموم المشهد اليمني، تشير إلى توجه دولي أممي مغاير لمراجعة حساباته الخاطئة تجاه صنعاء، والذهاب بعيداً عند رغبة الدول في إستئناف العلاقات الإستراتيجية مع اليمن من بوابتها الرسمية صنعاء لا من بوابتها المزيفة المهترئة في فنادق الرياض وأبو ظبي، وإذ يدرك المجتمع الدولي الذي احتشد للحرب العدوانية على اليمن، أن ستار التحالف قد انقشع وانكشفت ضحالة المعتدي الغربي وزيف المزاعم أمام الجميع، ولا مجال للتصفيق خلف الوهم الذي تمكنت صنعاء من نسفه طوال السنوات الماضية.
وبعيداً عن الإحاطة الأممية المقدمة من صنعاء، والتي عدّها مراقبين بأنها إعتراف رسمي بسلطة صنعاء، فإن المبعوث الأممي لم يعرج هذه المرة على المجلس الرئاسي المشكل من قبل قوى التحالف السعودي الإماراتي، أو الحكومة الموالية له، قبل تقديم الإحاطة، وهذا الأمر لم يكن مصادفة للبتة، بل إمتداداً علمياً للمفاوضات القائمة بين صنعاء وقوى التحالف بمعزل عن الرئاسي وحكومة معين، وبإعتراف الأخيرة التي نقلت وسائل إعلامها شكاوى مسؤولي الفنادق، عن عدم معرفتهم بما يجري في تلك المشاورات الأممية الدائرة في سلطنة عمان.
ووفقاً لمراقبين، فإن تجاهل قوى التحالف السعودي الإماراتي، للرئاسي وجموع فصائلها وأدواتها، خلال المفاوضات القائمة مع صنعاء؛ تؤكد حقيقة هشاشة فصائل التحالف ووكلائه في اليمن، وارتهان قرارهم بالكامل تحت سطوة التحالف، وهو ما يلغي لها أي شرعية حقيقية في البلد، كما يلغي وجودها في أي مستقبل قد تحدده طاولة المفاوضات. إذاً نحن أمام معطيات واضحة لمعادلة أكثر وضوحاً تشير إلى إعلان غير مباشر من التحالف بفناء الرئاسي وحكومة معين من جهة، وبدء الإعتراف الدولي الرسمي بصنعاء كسلطة شرعية وحيدة ممثلة عن الشعب اليمني من جهة أخرى.
ولعل ذلك، ما دفع المندوب الروسي الدائم في الأمم المتحدة، للتأكيد على علاقة بلاده الوثيقة بصنعاء، وتشديده على أن السلام في اليمن لن يتحقق إلا من خلال الحوار المباشر مع حركة ” أنصار الله “، وتأكيد تلك العلاقة الإستراتيجية بإرسال وفد روسي رفيع المستوى إلى صنعاء، بعد ساعات قليلة من الإحاطة الأممية في مجلس الأمن الدولي، تمهيداً لإعادة فتح سفارتها في العاصمة اليمنية، وسط سباق دولي واسع لإعادة العلاقات الثنائية والندية معها.
الإنفتاح الدولي على صنعاء، لم يكن مفاجئاً على المتابع للشأن اليمني، إذ يعد انعكاساً جلياً للحالة السياسية والعسكرية العالية لصنعاء، التي تقف على أرضية صلبة مكنتها من إختراق كل الملفات وتجاوز كل العقبات التي فرضتها حرب التحالف وحصارها الجائر على البلد، في ظل صبر إستراتيجي كبير لقياداتها السياسية والعسكرية استطاعت خلاله من فرض معادلاتها الإستراتيجية على كافة الميادين، ونقل المعركة من الداخل اليمني إلى عمق دول التحالف وهو ما دفع هذه الدول للإنخراط في الهدنة الأممية الماضية، على الرغم من محاولاتها المتكررة للتصعيد ونسف جهود السلام.
وبالرغم من أن هذا الإنفتاح الدولي مازال يحمّل عجرفة التصريحات الغربية المستهلكة في إبداء الإستعلاء لقوى التحالف الراغبة في إخفاء الهزيمة والإنكسار ؛ إلا أنه أصبح واقعاً وسيرنو قريباً من خلف الكواليس إلى مقدمة المشهد، وهو ما يمكن ملاحظته جيداً من خلال إرسال قوى التحالف، وفداً رسمياً إلى صنعاء، ترأسه السفير السعودي لدى الرئاسي، محمد آل جابر، في ظل الكشف عن موافقتها لتنفيذ مطالب صنعاء المتمثلة بوقف الحرب ورفع الحصار ودفع المرتبات وتنفيذ كافة الإستحقاقات الإنسانية.
وبحسب صحيفة الأخبار اللبنانية، فإن الوفد السعودي سبق وأن طرح للوفد العماني قبيل زيارته إلى صنعاء، التسليم السعودي بسيطرة “أنصار الله” على كامل اليمن، مقابل فقط تقديم ضمانات أمنية للمملكة؛ وهو مؤشر واضح لرضوخ قوى التحالف لشروط صنعاء، والدخول في مرحلة مرحبا تمهد لوقف الحرب على البلد ورفع الحصار ورحيل كافة القوات الأجنبية؛ على الرغم من المحاولات الأمريكية الغربية الإستماتة لإبقاء حالة الحرب في اليمن بهدف نهب ثرواته.
على أية حال، فإننا أمام صورة مغايرة للمشهد اليمني؛ تنذر بقرب الإعلان الرسمي لإستسلام قوى التحالف وفصائلها، في مرحلة تثبت إنتصار صنعاء التاريخي، كواقع طبيعي لصبر الثمانية أعوام وحنكة قياداتها في إدارة المواجهة وفقاً لتطلعات شعبها وقرأتها للمشهد عن قرب، وهو انعاكس متوقعاً أيضاً لجملة التحولات الكبيرة التي فرضتها بندقية صنعاء على الصعيدين السياسي والعسكري، في ظل ما تحدثه معادلاتها الإستراتيجية في صميم المعركة، والتي هزت غرف عمليات التحالف وألجمت أطماع القوى الغربية المساندة له، وألحقت بالقوى وأجنداتها الهزيمة الموعودة منذ وقت مبكر.