رسائل بغداد التحذيرية إلى واشنطن و”تل أبيب”
العين برس/ مقالات
عادل الجبوري
التصريحات التي أطلقها كلّ من الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق في العراق، الشيخ قيس الخزعلي، والأمين العام لكتائب سيد الشهداء، أبو آلاء الولائي، بشأن التهديدات الصهيونية بشن حرب على لبنان وحزب الله، كانت بمثابة رسائل واضحة وقوية وبليغة موجهة إلى الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني، تؤشر إلى التبعات والآثار والانعكاسات الخطيرة التي يمكن أن تترتب على أي خطوات متهورة من قبَلهما، وتجدد وتؤكد الموقف العراقي فيما لو ذهبت الأمور إلى التصعيد والتأزيم.
وكان مما قاله الشيخ الخزعلي: “إن هناك تسريبات تفيد بنيّة الكيان “الإسرائيلي” الغاصب توسيع عملياته بالهجوم على لبنان الحبيب وعلى المجاهدين في حزب الله. وفي حال استمرار الولايات المتحدة الأميركية في دعمها لهذا الكيان الغاصب وهاجمت لبنان وهاجمت حزب الله، فلتعلم أميركا أنها جعلت كلّ مصالحها في المنطقة والعراق محل استهداف ومحل خطر”.
أما الولائي فقد كتب قائلًا: “إن المانع الجغرافي الذي فرض على المقاومة الإسلامية في العراق أن تشارك في معركة طوفان الأقصى بدكّ معاقل العدوّ الصهيوني من مسافة تفوق الثمانمائة كيلومتر، سيزول في حال أقدم الكيان الصهيوني على حماقة شن حرب على لبنان، وسيكون القتال حينها من مسافة صفر”.
في الواقع، لعله من الخطأ التعاطي مع تلك التصريحات، على أن الهدف منها لا يتعدى الاستهلاك السياسي والإعلامي فقط، لأن مجمل المبادرات والمواقف العراقية بخصوص معركة “طوفان الأقصى”، تجاوزت الأقوال لتترجم إلى أفعال، سواء ما يتعلق منها بالجوانب الإنسانية في دعم وإسناد أبناء الشعب الفلسطيني المنكوب في قطاع غزّة، أو ما يتعلق منها بالجوانب العسكرية المتمثلة في عشرات الهجمات التي شنتها المقاومة الإسلامية العراقية ضدّ المنشآت والمواقع العسكرية والاقتصادية الحيوية للكيان الصهيوني في عمق الأراضي المحتلة على امتداد ثمانية شهور، بالتنسيق والتعاون مع حركة أنصار الله اليمنية والمقاومة اللبنانية.
والسبب الآخر الذي لا يبرر النظر إلى تلك التصريحات والتعاطي معها باعتبارها كلامًا ليس إلا، هو أن حركة عصائب أهل الحق وكتائب سيد الشهداء، يعدان من فصائل وحركات محور المقاومة في المنطقة، وأنهما سجلا حضورًا فاعلًا ومؤثرًا في محاربة تنظيم داعش الإرهابي، ليس في العراق فحسب، وإنما في سورية أيضًا، وأن مجمل تحركاتهما تجري بالتنسيق مع بقية أطراف محور المقاومة. والأكثر من ذلك، أن لديهما تواصلًا وتعاونًا وتنسيقًا عالي المستوى مع حزب الله اللبناني وقوى المقاومة الفلسطينية الفاعلة في الميدان.
والأمر الآخر، يتمثل في أن كلا الكيانين – العصائب والكتائب – معروف عنه تبنيه مواقف واضحة جدًّا من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية، تجلت وانعكست تلك المواقف في معركة “طوفان الأقصى”، وقبلها في ما يتعلق بالوجود العسكري – وحتّى غير العسكري – الأميركي في العراق، علمًا أن الإدارة الأميركية أدرجتهما في أوقات سابقة في القوائم السوداء التي تستهدف كلّ القوى المناهضة والرافضة لسياساتها وتوجهاتها العدوانية.
وتحظى تصريحات الخزعلي والولائي بأهمية ودلالة أكبر، حينما تكون منسجمة ومعززة لمواقف قوى وشخصيات أخرى في محور المقاومة، لتؤكد وتنبه إلى حقيقة أن خيار العدوان على حزب الله ولبنان سيكون محًفوفا بالكثير من المخاطر والتبعات الكارثية على الكيان الصهيوني وكلّ الأطراف الدولية والإقليمية الداعمة والمساندة له، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية. ولعل هذا ما دفع الأخيرة إلى التأكيد على رفضها أي تصعيد على الجبهة اللبنانية، وعدم تبنيها مثل ذلك الخيار، لا حرصًا منها على السلام في المنطقة، وإنما خشية من العواقب الكارثية المحتملة عليها.
وقبل أيام قلائل، صرح وزير الدفاع الأميركي لويد اوستن، “أن الدبلوماسية هي أفضل وسيلة للحيلولة دون مزيد من التصعيد. لذلك نحن نسعى بشكل عاجل للتوصل إلى اتفاق دبلوماسي يعيد الهدوء الدائم إلى الحدود الشمالية لـ”إسرائيل” ويمكّن المدنيين من العودة بأمان إلى منازلهم على جانبي الحدود “الإسرائيلية” اللبنانية”.
بالإضافة إلى أوستن، أطلق مسؤولون أميركيون كبار تصريحات بنفس المعنى، رغم التأكيد على أن واشنطن ثابتة في مواقفها الداعمة لـ”تل أبيب”.
ومثل هذه التصريحات، تعكس حجم وطبيعة مخاوف وهواجس صناع القرار السياسي الأميركي، في ظل التحشيد الواسع والكبير الداعم لحزب الله من قبَل قوى محور المقاومة، لا سيما العراقية منها.
ولعل مخاوف وهواجس ورعب صناع القرار في “تل أبيب”، تفوق مخاوف وهواجس نظرائهم الأميركيين، لأن الرأي العام في الكيان الصهيوني لم يعد قادرًا على تحمل واستيعاب المزيد من الانكسارات والخسائر والضغوطات بعد تجربة الحرب الحالية المستمرة مع المقاومة الفلسطينية.
وفي ذلك، يقول الرئيس السابق لشعبة العمليات في جيش الكيان الصهيوني، يسرائيل زيف: “إن الدخول في حرب موسعة مع لبنان في حال حدوثها سيأتي في أسوأ وقت ممكن لـ”إسرائيل”، حيث إنها ستشمل الجبهة الداخلية “الإسرائيلية” بأكملها.. ولاينبغي لـ”إسرائيل” أن تدخل في حرب لا تعرف حتّى تحديد هدفها”.
وفي سياق مقارب، يحذر اللواء المتقاعد في جيش الاحتلال، اسحاق بريك، من “أن إعلان “إسرائيل” الحرب على لبنان سيعني الانتحار الجماعي بقيادة نتنياهو وغالانت وهاليفي، وإن تبعات مثل تلك الحرب ستكون أكثر خطورة مما حدث في الماضي”. بينما يرى الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي “الشاباك” في الكيان الصهيوني، يوفال ديسكين، “أن بنيامين نتانياهو يقود “إسرائيل” إلى أزمة متعددة الأبعاد”.
وكلّ ذلك القلق والرعب والفزع، ينطلق من حقائق الواقع ومعطياته الواضحة، التي أسس لها حزب الله، وعززتها قوى محور المقاومة، ووضحتها بقدر أكبر مخرجات معركة “طوفان الأقصى” بكلّ أبعادها وجوانبها ومساحاتها الميدانية، في البر والبحر والجو، التي كان العراق بشعبه وقواه السياسية وفصائله المقاومة جزءًا وطرفًا محوريًّا وفاعلًا فيها.
المصدر: موقع العهد الاخباري