إذا كان لكل سلوك أو تصرف يصدر من الإنسان دلالاته ونتائجه وانعكاساته في حياة الإنسان ومصيره بحكم قوله تعالى{فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}[الزلزلة8:7]؛ وإذا كانت تلك الدلالات والنتائج والانعكاسات تختلف من عمل لآخر ومن مكان لمكان ومن مرحلة لمرحلة وشخص لشخص ومن موقف لموقف وقضية لقضية بناء على الأهمية والضرورة والمصلحة فإن الشهادة في سبيل الله سبحانه وتعالى لهي من أجل الأعمال وأعظمها وأسماها عند الله وأشدها ضرورة لصلاح الإنسان وصلاح واقعه وضمانة أكيدة لأمنه واستقراره وسببا رئيسيا لتحقق الغاية الأسمى من خلقه واستخلافه في الأرض وعمارتها {فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}[البقرة251]
وكثير هو ما تحمله الشهادة في سبيل الله من دلالات عظيمة وسامية سواء في واقع الشهيد نفسه أو في الجوانب الأخرى للحياة نذكر بعضا منها فيما يلي:
أولاً/ الدلالات في الجانب الإيماني والقيمي
تدل الشهادة في سبيل الله على مدى الرقي الإيماني العظيم الذي وصل إليه الشهيد حينما دفعه هذا الإيمان العميق بالله للتضحية بنفسه في سبيل الله.
تدل على ما يكتنزه الشهيد من معرفة قوية بالله سبحانه وتعالى وارتباط وثيق به وتسليم مطلق له وثقة عالية بمصداقية وعده ووعيده.
الشهادة في سبيل الله تجسيد واقعي لحقيقة إيمانهم العملي وليس إيمان مجرد لقلقة ألسن: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}[الأنفال74].
الشهادة دليل على مصداقية تحملهم للمسؤولية الدينية بعيدا عن المحسوبيات الأخرى {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}[الأحزاب23].
تدل على مصداقية الوفاء والإخلاص المتجذرة في أعماق هؤلاء الشهداء الأبرار تجاه دينهم وأمتهم.
تدل على ما تميزوا به من عظيم الأخلاق وحميد الصفات وحسن الفضائل كما كانوا مثالا للطهر والزكاء في حياتهم.
تدل على أن السبب فيما الأمة عليه من ذل وهوان هو من الانتماء الشكلي لهذا الدين وإلا فإن دين الله غير قابل للهزيمة مطلقا.
ثانياً/ الدلالات في الجانب النفسي والمعنوي
الشهادة في سبيل الله دليل واضح على المعنويات العالية والصبر العظيم الذي تميز به هؤلاء الشهداء العظماء {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}[آل عمران146].
تدل على زكاء نفسياتهم وما يملكونه من نظرة حكيمة تجاه الأحداث وتجاه واقعهم.
كما تدل على شدة خوفهم من الله سبحانه وتعالى.
تدل على قوة ارتباطهم بالله سبحانه وتعالى فهم يحبونه، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة54].
تدل على ما تميز به الشهيد سلام الله عليه من إباء وعزة وكرامة وحرية وقيم ومبادئ عظيمة جعلته يرفض الذل والضيم ويأبى الخنوع والخضوع لغير الله سبحانه وتعالى.
تدل على الضمائر الحية والنفوس الكريمة والقلوب الرحيمة والكرم الفياض الذي تميز به الشهداء الأبرار فهم من يعز عليهم أن تظلم أمتهم وتهتك أعراضها وتنهب ثرواتها وهم ساكتون يتفرجون دون أن يكون لهم موقف يبيض الوجه عند الله وعند المستضعفين من أبناء أمتهم وشعوبهم.
تدل على عظمة القيم التي حملوها فهم إنما انطلقوا بقيم عظيمة وعزة إنْسَـانية عالية.
تدل على المشاعر والأحاسيس الإنْسَـانية التي يحملونها والتي جعلتهم يتألمون حينما رأوا مشاهد الظلم والطغيان، والظالمون يرتكبون أبشع الجرائم فلم يقفوا مكتوفي الأيدي ولم يتفرَّجوا على الواقع من حولهم بل انطلقوا مجاهدين في سبيل الله وقدموا أرواحهم رخيصة من أجل الله والمستضعفين من عباده.
تدل على روح العطاء والإيثار والتضحية والصُّمُـوْد والشجاعة والثبات، كُلّ هذه المعاني والقيم اختزنها الشُّـهَدَاءُ وتَـحَـرّكوا وهم يحملونها وعبّروا عنها من خلال مواقفهم وثباتهم وصمودهم وفي النهاية شهادتهم عبّروا بذلك كله عن هذه القيم وجسّدوها في أرض الواقع موقفاً وعملاً وتضحيةً وعطاءً لا يساويه عطاء في واقع الإنسـان.
تدل على ما يمتلكه الشهيد من روحية جهادية ونخوة وحميّة وشهامة وعزة نفس وحرص شديد على كرامة أسرته ومجتمعه وأمته.
تدل على صفاء وجدانهم وزكاء نفسياتهم ونقاء واقعهم من المعاصي والذنوب والمظالم التي تحول دون توفيق الله وعونه ورعايته للإنسان.
ثالثاً/ الدلالات في الجانب العسكري
الشهادة هي تعبير عن قوة الإرادة وصدق الانطلاقة عند الشهيد.
الشهادة دليل على الثبات والصمود العالي والإصرار على المضي قدما في المسار الجهادي مهما كانت النتائج
الشهادة تدل على أن التضحية هي أقدس قضية وأرقى أسلوب لتحقيق الأمن وصون الأعراض وحفظ الممتلكات والدفاع عن المستضعفين من عباد الله (اٌطلب الموت توهب لك الحياة).
الشِّهَـادة دليل واضح على الاستعداد العالي للتضحية من قبل الشهيد نفسه ومن يقفون موقفة ويتبنون قضيته.
الشهادة دليل على أن ذلك المجتمع لايزال يتشبّثُ بإنْسَـانيته وحريته وكرامته التي أرادها اللهُ له، وأنه مجتمع يعيش الإيْمَـان بالله وبالحق وبالعدل ويمقت الظلم والظالمين ويرفض الفساد والمفسدين.
تدل على أن أي مجتمع يعيش هذا المستوى العالي من الاستعداد للتضحية سيتمكن بتوفيق الله تعالى من كسر جبروت الطُّـغَـاة والظالمين والمفسدين، ويكون فعلاً جديرا بأن يعيشَ حراً وأن تتحققَ له الحُـرِّيَّة وألا يستعبدَه أحد من دون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
تدل على أن الأمة لن تتأهل للثبات في مواجهة التحديات والأخطار ما لم تتشبع بثقافة الجهاد والاستشهاد
تدل على أن الأمة لن تستطيع إصلاح واقعها ومواجهة أعدائها إلا بالجهاد والتضحية في سبيل الله.
الشهادة دليل على مقدار الشجاعة والرجولة الكاملة التي يمتلكها الشهيد الذي خاض غمار الموت دون تهيب أو تردد حتى أكرمه الله بالشهادة.
رابعا/ الدلالات في الجانب الاجتماعي
تدل على وحدة الصف وعمق الأخوة الإيمانية كما جسدها الشهداء ومنهم الشهيد طومر سلام الله عليه.
الشهادة دليل على أن هذا المجتمع المضحي في سبيل الله قد منحه الله صلابة في الحق وثباتا وتحملا عاليا للمسؤولية في مواجهة التحديات، فحظي بمعونة الله وتوفيقه ونصره.
تدل على أن المجتمع الذي يحمل روح التضحية والعطاء لا تستطيع أحد أبداً أن يستبعده ويقهره ويذله ويتغلب عليه.
ثقافة الجهاد والاستشهاد تعد من أهم مقومات الوحدة بين الشعوب الإسلامية بما تمثله من قاسم مشترك يلتقي حوله الجميع.
خامسا/ الدلالات في الجانب السياسي
تدل على رقي الوعي السياسي تجاه القضايا والأحداث والمستجدات عند شهدائنا الأبرار أنفسهم وعند من يتبنى قضيتهم من زملائهم المجاهدين ومجتمعاتهم وأمتهم.
تدل على بعد النظرة المستقبلية وعمق الإدراك للواقع عند الشهداء سلام الله عليهم.
تدل على الفطنة العالية والحكمة الفذة والبصيرة النافذة التي امتلكها هؤلاء الشهداء العظماء.
الشهادة تعبر عن مظلومية الشعب اليمني وشدة إجرام المعتدين بحقه أرضا وإنسانا.
الشهادة تدل على مدى الإجْــرَام والسوء والطغيان والإفلاس الأخـلاقي والإنساني لدى قوى الشر والإجرام التي تصل في وحشيتها إلى هذا المستوى من العدوانية واستباحة حياة بني الإنسان الذي أراد الله له أن يعيش كريماً عزيزاً.
تدل بوضوح على حقيقة وحتمية سنة الاستبدال فمن يجمد ويسكت إنما يضر نفسه {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[العنكبوت6]
تدل على معرفة الشهيد سلام الله عليه بحقيقة ما تعيشه أمته في واقعها من ظلم واضطهاد وإيمانه بحتمية تغيير ذلك الواقع.
تدل على حرص هؤلاء الشهداء على إقامة القسط والعدل في واقع شعوبهم وأمتهم والعالم بأسره.
تدل على مدى استشعار هؤلاء العظماء وتحملهم لمسؤوليتهم تجاه دينهم وأسرهم ومجتمعاتهم ووطنهم وأمتهم والبشرية ككل.
دليل على تبني الشهيد لقضايا أمته ومعاداته وموالاته الصحيحة وقناعته بأنه لن يكبح جماح الظالمين والمستبدين سوى المواقف القوية.
{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ}
المصدر: موقع أنصار الله