خلاف أميركي – إسرائيلي حول إدارة المواجهة
العين برس/ مقالات
وليد شرارة
«هل تخطط إسرائيل لجرّ الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران؟». من اختار هذا السؤال ليكون عنواناً لمقاله على موقع «ريسبونسيبل ستايتكرافت»، عن خلفية القصف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية في دمشق، وتداعياته المحتملة، هو بول بيلار، الذي عمل في وكالة المخابرات المركزية بين عامَي 1977 و2005، وكان مساعداً تنفيذياً لمديرها بين عامَي 1989 و1991، وأضحى بعد تقاعده زميلاً بارزاً في مركز الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون.
يجزم بيلار، الذي لا يتورّع عادة عن توجيه نقد حادّ إلى السياسة الأميركية في منطقتنا وفي مناطق أخرى، بأن إدارة بايدن فوجئت بالعملية الإسرائيلية، وبأن غاية هذه الأخيرة هي استدراج رد إيراني يقود إلى تدحرج المجابهة نحو حرب مفتوحة بين الطرفين، وأن واشنطن ستصبح عندئذ ملزمة بالتورط فيها «دفاعاً عن حليفتنا إسرائيل».
وبعد أن يعدّد الخسائر والمخاطر الاستراتيجية الناجمة عن مثل هذا التورط، يخلص إلى أنه «على الرغم من استخدام مفردة حرب الظل لتوصيف المعركة الدائرة بين إسرائيل وإيران، فإن مراجعة تسلسل الأحداث في تلك المعركة تظهر أن المبادر باستمرار إلى العنف هو إسرائيل، وأن إيران كانت غالباً في موقع من يرد عليه. وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن التمايز عن مثل هذه السياسة لن يخدم فقط مصالحها، بل سيكون في صالح السلام والأمن الإقليميين».
كلام الخبير المخضرم المشار إليه منطقي: الدخول في مجابهة كبرى مع طهران، خاصة في السياقات السياسية والجيوسياسية الراهنة، الداخلية الأميركية والإقليمية والدولية، يتناقض مع مصالح إدارة بايدن والدولة الأميركية بشكل عام. فهي في حال اندلاعها، لن تكون محصورة جغرافياً، بل ستمتد لتشمل الإقليم برمّته، وسيكون من الصعب معرفة مداها الزمني، ومستوى الاحتدام الذي قد تصل إليه. من المفترض تالياً، وعلى ضوء تلك المعطيات، أن تسعى الولايات المتحدة، بعد الرد الإيراني القادم على جريمة إسرائيل في دمشق، إلى نهي حليفتها المفضّلة عن أي رد على الرد، ووقف التصعيد عند ذلك الحد.
الأيام القادمة ستكشف أي خيار ستعتمده إدارة بايدن حيال هذا الأمر. لكن ما تأكّد حتى اللحظة، وبعد 6 أشهر من مشاركتها الكاملة، السياسية والعسكرية، في الحرب الإسرائيلية، هو تمسكها بأهدافها المعلنة، واختلافها المتزايد حول كيفية إدارتها وخوضها لتحقيق هذه الأهداف.
الولايات المتحدة تريد، كما حكومة نتنياهو والمؤسسة العسكرية والأمنية الصهيونية، تصفية حركة «حماس» وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية، أو إضعافها إلى الحد الأقصى. هي توقّعت أن تتيح حرب الإبادة الممتدة، بلوغ مثل هذه الغاية، لكنها، ورغم الأهوال التي ألحقتها بالشعب الفلسطيني، عجزت عن ذلك. وأتت مفاعيل تلك الحرب، في الداخل الأميركي، معاكسة تماماً لمصالحها الانتخابية، حيث بات قطاع وازن من الناخبين «الديموقراطيين» وفي أوساط «الأقليات» العربية والمسلمة والأفريقية – الأميركية، «غير ملتزم» (uncommitted) بالتصويت لصالح بايدن، وهو ما يسهم في إضعاف حظوظه في الفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة.
أما على المستوى الاستراتيجي، فإن التورط في صراع متصاعد ومتعدد الساحات في الشرق الأوسط، بالتوازي مع تحولات على جبهة الحرب في أوكرانيا عزّزت موقف روسيا في مقابل «الغرب الجماعي»، يحدّ من قدرة واشنطن على التركيز على التحدي الصيني، الأولوية المعلنة لجميع الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ ولاية أوباما الثانية.
هذه الوقائع بمجملها دفعت إدارة بايدن إلى التمايز عن الموقف الإسرائيلي، وممارسة ضغوط «سياسية ومعنوية» على نتنياهو، أبرزها الامتناع عن استخدام حق «الفيتو» ضد قرار مجلس الأمن الأخير الداعي الى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، أو تشجيع الحلفاء على الحضّ على وقف فوري لإطلاق النار، كما فعل الرئيسان الفرنسي والمصري، والملك الأردني، في رسالتهم المشتركة المنشورة في «لوموند».
حتى الآن، خيار الضغوط «الناعمة» على الحكومة الإسرائيلية هو المتّبع، مع توظيف موازٍ لجرائمها وتطرفها ضد الفلسطينيين، لحمل المقاومة على تقديم تنازلات في جولات التفاوض المتتالية التي عُقدت في الفترة الأخيرة، رغم العجز عن تحقيق ذلك حتى الآن.
واشنطن تعتبر أن القوة العسكرية وحدها فشلت في الإجهاز على المقاومة، وأن استراتيجية متوسطة أو طويلة الأمد تدمج بينها وبين أدوات اقتصادية ومالية وسياسية، هي التي قد تكون كفيلة بإنجاز مثل هذا الهدف. لكنها تتناسى أن الزمن لا يعمل لصالحها وأن سياسة اللعب على حافة الهاوية، كثيراً ما تؤدي إلى السقوط في هذه الهاوية.