خسارة الكيان المؤقت: ضمور النفوذ الأميركي في غرب آسيا
العين برس/ تقرير
يظهر طوفان الأقصى أن أداء الكيان دوره الوظيفي يفوق قدرات الكيان الذاتية وعوامل قوته الشاملة، وعرّض النفوذ الأميركي إقليميًا ودوليًا لاهتزازات غير معروفة نتائجها النهائية حتى اللحظة مع عدم حسم المعركة في غزة ومحاولة الإسرائيلي استدراج الأمريكي للتصعيد ضد المحور.
الاستراتيجية الأمريكية لحماية الكيان المؤقت
تشير الاستراتيجية الأمريكية الرسمية لحماية الكيان المؤقت الصادرة عن وزارة الخارجية بتاريخ 3 أيار 2022، إلى مجموعة من الدلالات حول حجم خسارة الأمريكي في حال خسارة الكيان الحرب ومدى تأثيرها على خسارة النفوذ الأمريكي نفسه. تقوم الاستراتيجية في الهدف الثاني للبعثة كما ورد على التالي:
” تعزيز التعاون الأمني الثنائي والإقليمي – المشاركة العسكرية، تنسيق مكافحة الإرهاب ومنع انتشار الأسلحة النووية، والتعاون في الدفاع الصاروخي والتسلح – لتعزيز أمن واستقرار الولايات المتحدة وإسرائيل.
– غرض البعثة 2.1: زيادة التكامل الإقليمي لإسرائيل وتعزيز الاستقرار الإقليمي لإسرائيل من خلال مبادرات تعاونية شاملة، بما في ذلك تعزيز التدريبات العسكرية متعددة الأطراف، مع تحقيق القدرة التشغيلية الكاملة (FOC) داخل منطقة مسؤولية (AOR) القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM).
– غرض البعثة 2.2: الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل من خلال تعزيز القدرات الدفاعية لإسرائيل من خلال مزيج من المساعدة الأمنية وأنشطة التعاون الأمني لتشمل المبيعات العسكرية الخارجية والتعاون في مجال التسلح الثنائي”.
هذا الهدف الأساس واضح الدلالة في أن الأهداف الأمريكية تصب في خدمة “تعزيز أمن واستقرار الكيان وأمريكا”، وإنه من اللافت أن يجعل الهدف أمن أمريكا مساوياً للأمن في إسرائيل. من الممكن فهم الحاجة لأمن واستقرار الكيان للوجود الجغرافي له في منطقة التهديدات عليه، بعكس أمريكا البعيدة جغرافياً، ما يدل على مدى الترابط العضوي بين أمن البلدين بناء على رابط الدور الوظيفي المنوط بإسرائيل لخدمة مصالح أمريكا وحماية نفوذها في المنطقة. ويؤكّد غرض البعثة الأول على أهمية المبادرات التعاونية في زيادة مستوى دمج” الكيان” في المحيط، إضافة إلى توظيف هذه الدول الإقليمية في المسار التشغيلي لخدمة المصلحة الأمريكية. فالهدف من برامج التعاون والتدريبات الوصول إلى مخرجات القدرة التشغيلية لهذا “الاندماج” تحت مظلة “القيادة المركزية الأمريكية”. وفي حين، أصاب الطوفان غرض البعثة الثاني، “التفوق العسكري الإسرائيلي” بالفشل، فذلك يمثّل ثقل الاستراتيجية الأمريكية حاليًّا ومستقبليًّا.
الهيمنة على منطقة غرب آسيا
لا تتم مهام الهيمنة على المنطقة إلا بإبقاء الكيان ضابطاً لإيقاع حركة دول المنطقة في الفلك الأميركي، من خلال فرض القوة العسكرية والتهديد بها عند الحاجة في حال الممانعة، الدور الذي لا يمكن لأمريكا القيام به مباشرة كلما تطلّب الأمر. لذا، فإن الساعات الأولى لطوفان الأقصى التي هدّدت هذا الدور قوبلت بحركة أمريكية هي بمثابة رسالة للوكلاء قبل الخصوم والمنافسين، مفادها أن الهيمنة الأمريكية ستبقى نافذة، ولا مساس بالمصالح الأميركية. وقد ربط الرئيس بايدن في صحيفة واشنطن بوست مباشرة بين عدم السماح بهزيمة الكيان والمصالح الأمريكية بقوله: ” لن نسمح بالهزيمة لأجل مصالحنا الأمنية الوطنية الخاصة”. وهذا يفيد وجود قرار أمريكي للحفاظ على الدور الوظيفي للكيان الإسرائيلي، بوضعية الأقوى والمهيمن ورأس الحربة والقاعدة الأميركية المكلفة بالحفاظ على المصالح الأميركية في هذه المنطقة الجيوستراتيجية من العالم، ولو تطلّب الأمر بعض التعديلات الحتمية في ظل ارتجاج توازن القوى على الساحتين الإقليمية والدولية.
تكمن أهمية الكيان فيما يشكّله من رأس الحربة الأمريكية في مواجهة التهديدات والتغييرات المحتملة في المنطقة، فالمعركة الأمريكية في المنطقة هي معركة ضد التغيير والتحرّر الاقتصادي والسياسي والفكري والاجتماعي والأمني والعسكري من سلطة الهيمنة الأحادية القطبية. ويؤمّن الكيان لواشنطن مادة استراتيجيتها القديمة والدائمة “فرّق تسد”، بحيث تستخدم الكيان في توليد هواجس الخوف الزائف من إيران تحت مسميات عدة تختلف باختلاف المراحل؛ عرقية وطائفية ومذهبية. إن التداعيات المحتملة على الولايات المتحدة نتيجة سياستها في دعم الكيان بعد طوفان الأقصى لم تردع واشنطن عن القرار، علمًا أن هذه النتائج تغطي مجالات اقتصادية وسياسية واجتماعية، وهي مكلفة نسبيًّا، وبعضها ذات كلفة مرتفعة.
إنّ الرؤية الأمريكية للوضع في احتساب ارتفاع منسوب التحولات الاستراتيجية في المنطقة لجهة التحالفات والتشكيلات الجديدة للقوى بالتوازي مع المآزق الاستراتيجية التي أصيب بها الكيان بعد الطوفان، اقتضت المبادرة للتدخل المباشر لارتفاع التكلفة على المخاطر في حال التصرّف بطريقة مغايرة، والثمن هو الدور الأمريكي الأساس في المعادلات الإقليمية وحماية الأمن القومي؛ فالضمور في الوزن والأثر العسكري الاستراتيجي للكيان ينعكس تلقائيًّا في صورة الضمور في الوزن الإقليمي للولايات المتحدة والوزن العالمي القيادي.
المصدر: موقع الخنادق