لا شكّ في أن الفلسطينيين سيواصلون العمليات الفدائية في الضفة، إلا أنَّ العمليات الفردية الناجحة وتأثيراتها الواضحة في الحكومة اليمينية المتطرفة ستكون كفيلة بتشجيع الشبان الفلسطينيين على تكرار التجربة.
مع اقتراب تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة بنيامين نتنياهو، وبائتلاف أحزاب اليمين المتطرف، تضع حكومة الاحتلال مواجهة المقاومة الفلسطينية المتنامية في الضفة الغربية المحتلة كأحد الأهداف العاجلة التي يجب العمل على إيجاد حلول لها، وهو ما يفرض تحدياً على الفلسطينيين لتطوير عملهم المقاوم في الضفة في مقابل سياسة أكثر تطرفاً وعدائية من قبل حكومة الاحتلال.
وتتلخّص سياسة حكومة الاحتلال خلال الفترة المقبلة تجاه الضفة المحتلة في عدد من النقاط، أبرزها الاعتراف بجميع المستوطنات في الضفة، وضم أجزاء واسعة من الأراضي الفلسطينية، وتوسيع سياسة الجيش والشرطة في إطلاق النار تجاه الفلسطينيين، وتغيير الواقع وتقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً، ومنع وجود سلطة أو كيان فلسطيني في الضفة، والحد من البناء الفلسطيني في مناطق (ج).
وإلى جانب السياسة المستقبلية تجاه الضفة، يبرز تحدي المقاومة الفلسطينية هناك، فعلى الرغم من اعتراف المنظومة الأمنية في كيان الاحتلال بأن العمليات الفدائية في ساحة الضفة المحتلة باتت لغزاً لا يمكن حلّ شيفرته، وأنَّ هناك تطوراً لدى جيل فلسطيني جديد يتفوق على السياسة الأمنية الإسرائيلية المتبعة في الفترة الأخيرة، فإن الحكومة اليمينية المتطرفة ستحاول بكلّ ما أوتيت من قوة إنهاء حالة المقاومة كي يتسنى لها تمرير سياساتها تجاه الضفة، وخصوصاً ضمّ أجزاء كبيرة منها والاعتراف بجميع المستوطنات فيها.
وفي حال عدم القدرة على مواجهة المقاومة بالصورة المطلوبة، فإن هناك تحذيرات أمنية من أن تنفيذ السياسات المعلنة لدى الأحزاب اليمينية المشكّلة للحكومة ستؤدي إلى تفجر الأوضاع بشكل أكبر وأعمق في الضفة المحتلة، إذ ستشهد مناطق الضفة والداخل المحتل عام 1948 هبّات وموجات متلاحقة من العمليات الفدائية، نظراً إلى حجم الضغط الّذي يُتوقّع أن يتعرَّض له الفلسطينيون، إضافةً إلى حكومة يمينية متطرفة تحمل أفكاراً عدائية ستقطع الطريق أمام جميع من يؤمنون بأنّه يمكن التعايش مع الاحتلال وإقامة السلام معه، وخصوصاً أنَّ أحد أغلب أطراف الائتلاف الحكومي لا تؤمن بوجود دولة أو كيان أو سلطة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية.
وبالعودة إلى أسباب تصاعد العمل المقاوم خلال الفترة الأخيرة، وخصوصاً تزايد الاعتداءات الإسرائيلية، وإلهام معركة “سيف القدس” للفلسطينيين، والجيل الجديد الذي لا يؤمن بالتعايش مع الاحتلال، وانسداد الأفق السياسي، نجد أنَّ الحكومة اليمينية في كيان الاحتلال ستكون أكثر تعميقاً لتلك الأسباب، ما يعني أن تصاعد الفعل المقاوم في الضفة لن يكون مجرد توقعات، بل حقيقة راسخة لا يمكن إنكارها.
وبناء عليه، يمكن رسم صورة لمشهد مصغر لطبيعة العمليات التي ستكون خلال الفترة المقبلة في الضفة المحتلة، إذ ستستمر حالة العمليات النوعية للمقاومة ضد الاحتلال في استمرار لحالة اللاهدوء.
وفي حال سكنت الأوضاع مؤقتاً، فإن هدوءها سيكون خادعاً، كما يصفه جهاز الأمن الإسرائيلي “الشاباك”، وستكرر عمليات التصدي لاقتحامات المدن في الضفة وإطلاق النار تجاه المستوطنات، إضافة إلى تكرار عمليات الطعن. وقد نشهد عودة للعمليات النوعية في المدن المحتلة عام 1948، إلى جانب عمليات نوعية ضد المستوطنين في الضفة وفي مدن الداخل، بما في ذلك العمليات المزدوجة التي ينفذها فدائيان أو أكثر.
ستتواصل العمليات الفردية خلال الفترة المقبلة في أنحاء الضفة الغربية، بالتوازي مع تنامي الحالات العسكرية في عدد من مدن الضفة ومخيماتها، فيما سيكون توجيه ضربات كبيرة إلى المجموعات العسكرية الناشئة دافعاً لدى الكثير من الشبان لتنفيذ عمليات فدائية فردية، وهذا يعني أنَّ موجات من العمليات الفردية ستكون عنواناً لفترات عدة مستقبلاً.
لا شكّ في أنَّ الفلسطينيين سيواصلون العمليات الفدائية في الضفة، إلا أنَّ العمليات الفردية الناجحة وتأثيراتها الواضحة في الحكومة اليمينية المتطرفة ستكون كفيلة بتشجيع الشبان الفلسطينيين على تكرار التجربة، إذ ستكون قيمة العمليات في وجه الحكومة المتطرفة أكبر في عيون الفلسطينيين ووجدانهم، وهذا ما سيدفع الكثير من الشبان إلى خوض غمار إذلال حكومة المتطرفين.
وفي حال ذهبت الحكومة اليمينية إلى خطوات أكثر تشدداً تجاه السلطة الفلسطينية، بهدف إضعافها وجعلها إدارة لكانتونات متقطعة في الضفة الغربية، فإن هذا الأمر يعني إعلان حرب على الضفة المحتلة بكل مكوناتها، وقد يدفع الكثير من قيادات وعناصر السلطة الفلسطينية إلى الخروج عن نهجها، ما يجعل الوضع مؤهلاً لانطلاق فعليّ للانتفاضة الفلسطينية الثالثة بمشاركة جميع الفئات، بما فيها فئات من الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية.
جميع المؤشرات تشير إلى أنّ الحكومة المتطرفة في كيان الاحتلال ستقابل بزيادة عمليات المقاومة في الضفة المحتلة، وأن الكثير من خطوات هذه الحكومة تجاه الفلسطينيين ومقدساتهم ستكون صاعقاً لانطلاق سلسلة عمليات كبير ومؤثرة. وقد تؤدي السياسة المتطرفة لحكومة الاحتلال إلى عودة العمليات الاستشهادية الكبرى باستخدام الأحزمة المتفجرة.
المصدر: الميادين