حضرموت.. في مواجهة مشروع التفتيت والاحتلال السعودي
العين برس/ تقرير
كانت ولا تزال وستظل حقائق التاريخ والجغرافيا عوامل رئيسة لكشف نوايا ومخططات مملكة آل سعود ومعالم استراتيجيتها التي تسعى عبرها إلى إيجاد موطئ قدم لها في اليمن
وفي هذا السياق كان ولا يزال حلم احتلال محافظة حضرموت أحد أبرز مخططاتها القديمة الحديثة بوصفه طريقا لتحقيق أهدافها المتمثلة في إيجاد منفذ لها على المحيط الهندي والاستحواذ والسيطرة على ثروات هذه المحافظة ذات الجغرافيا الكبيرة والممتدة التي تمثل ثلث مساحة اليمن.
تعددت الأساليب والوسائل التي عمدت أنظمة العدوان والهيمنة والاستكبار العالمي إلى استخدامها بغرض تنفيذ أجنداتها الاستعمارية الاحتلالية المتربصة بمحافظة حضرموت بدءا بالعدوان العسكري ومحاولة فرض سيطرتها العسكرية طيلة ثمانية أعوام وبعد أن منيت تلك المحاولة بالفشل الذريع لجأت إلى تفعيل ورقة تغييب ومنع الخدمات والاحتياجات المعيشية الضرورية وتضييق الخناق على المواطنيين، وها هي اليوم تحاول اعتماد استراتيجية جديدة هي استراتيجية إذكاء نار التقاطع والتخادم المخطط له بين مكونات وأدوات الارتزاق.
مخطط تمزيق
وفي هذا السياق تسعى دول العدوان والاحتلال والاستعمار القديم والحديث وأداتها الطيعة المتمثلة بنظام آل سعود إلى تنفيذ المخططات الهادفة إلى تمزّيق النسيج المجتمعي وتشتيت الإرادة الشعبية لشعبنا اليمني بشكل عام والمجتمع الحضرمي بشكل خاص ، وإشغال الشعب عن الاهتمام بقضيته الكبرى المتمثلة في الدفاع عن عزته وكرامته وحريته واستقلاله ووحدة أراضيه، وتفعيل استراتيجيتها العدوانية الاحتلالية الجديدة الساعية إلى تفتيت الجغرافيا الوطنية والاجتماعية اليمنية من خلال إثارة النزعات والحساسيات المناطقية والقبلية ومحاولة إيجاد حدود جغرافية للمكونات الاجتماعية والكيانات السياسية الرافضة للعدوان والاحتلال والتابعة والعميلة والمرتزقة للعدوان على حد سواء.
محركات خارجية
وفق هذا المدخل، نستطيع فهم النشاط والتحرك السياسي والعسكري الأخير لمملكة العدوان السعودية في محافظة حضرموت ، الهادف إلى تمزيق وتفتيت الكيان الاجتماعي والجغرافي للمحافظة.
مع تعدد واختلاف المحرّكات الخارجية أصبح هناك في المحافظات الجنوبية والشرقية المحتلة عدد من الجغرافيات السياسية القائمة على أسس وخلفيات مناطقية أو سياسية متباينة لها أذرعها العسكرية ومشاريعها ومخططاتها المختلفة التي ترتسم في ضوئها محددات ومعالم صراعها وحدودها المتناحرة والمدعومة من أطراف إقليمية ودولية لها غاياتها وأهدافها.
مجلس عمالة جديد
وغير مستوعبة لمجريات الأحداث بمستجداتها ومتغيراتها المحلية والإقليمية والدولية ، مراهنة على استغلال عامل الوقت لتمرير سيناريوهاتها المتربصة بمحافظة حضرموت وسيناريوهات الاستعمار (الأمريكي – البريطاني) المتربصة باليمن “أرضا وإنسانا” في ظل تصاعد الصراع بين الدول الرافضة لقوى الامبريالية الأمريكية وسياسة القطب الأوحد ، وقوى الاستعمار (القديم – الحديث) بقيادة واشنطن وحلفها العسكري (الناتو) الذي يعتبر الورقة الأخيرة التي تراهن أمريكا هي الأخرى عليها للحفاظ على دورها كشرطي عالمي بات خائر القوى.. جاء إعلان مملكة العدوان والاحتلال السعودي عن إقامة مجلس عمالة وارتزاق جديد في حضرموت أطلقت عليه مسمى مجلس حضرموت الوطني.
في هذا المنحى وبرعايةٍ عالية المستوى من نظام العدوان والاحتلال السعودي، أعلنت شخصيات ارتزاقية حضرمية ، عن قيام مجلس عمالة وارتزاق جديد ، أُطلق عليه اسم “مجلس حضرموت الوطني”، ليُصبح ثالث كيانٍ ارتزاقي مدعومٍ خارجيًّا، إلى جانب ما يسمى بمجلس القيادة الرئاسي، الذي تبنت عاصمة العدوان السعودي تأسيسه سابقا، إضافة إلى ما يسمى المجلس الانتقالي الذي تبنَّت دويلة العدوان والاحتلال الإماراتي تأسيسه ورعايته منذ عام 2017.
مشروع سعودي تآمري
ولقد بات واضحًا من خلال دعم نظام آل سعود للمجلس الجديد وسعي الرياض الحثيث من خلال هذا المجلس لخلق تأثير مباشر في حضرموت، أنّ المجلس مخطط ومشروع سعودي تآمري تمزيقي واحتلالي وتدميري بامتياز ، وخطوة هادفة إلى تعزيز الانقسام داخل الشارع الحضرمي، وإثارة نزعات الصراع والتناحر داخل المجتمعات المحلية الحضرمية بغرض تهيئة وتوفير البيئة المواتية لتنفيذ حلم الاحتلال السعودي القديم الحديث والسيطرة الكاملة على حضرموت.
خطوة كشف مبكر
إلى جانب دوافع أخرى شكل الإعلان السعودي عن إنشاء المجلس الحضرمي الجديد خطوة كشف مبكر عن ترتيبات نظام العدوان السعودي الجيوسياسية، التي تستهدف محافظة حضرموت بشكل خاص وتستهدف الجغرافيا اليمنية بشكل عام ، وعن ترتيبات القوى الاستعمارية الغربية المنتفعة من الدفع بهذا الكيان إلى الوجود، وانتفاعها منه، كانتفاعها من كيان العمالة والارتزاق السابق المسمى بالمجلس الانتقالي الذي أنشأته وتدعمه دويلة العدوان والاحتلال الإماراتي.
نيات انفصالية
وعلى الرغم من أنَّ اسم المجلس وإعلان مبادئه لم يتضمّنا ما يشير، صراحةً، إلى نياتٍ انفصالية ، إلا أن تأكَّيده على أحقيَّة أبناء حضرموت في الاستئثار بإدارة شؤون محافظتهم، سياسيًّا واقتصاديًّا وأمنيًّا، ودعوته إلى تمكينهم من القوات المسلحة وقوات الأمن، فيه إشارةٍ إلى تطلُّعه إلى استكمال فرض نموذج ما يسمى بقوات النخبة الحضرمية في مناطق انتشار ما يسمى بقوات المنطقة العسكرية الأولى التابعة لحزب الإصلاح ، شمالي حضرموت، أُسوةً بالمناطق الساحلية التي تسيطر عليها قوات النخبة الحضرمية، وهو مسلكٌ انفصاليٌّ مبكِّر، لا يختلف عن الواقع الذي يمارسه المجلس الانتقالي الإماراتي ، في مناطق نفوذه، بمحافظات عدن، ولحج، والضالع، وأبْيَن المحتلة.
وثائق العار
ويكفي للتأكيد أن إعلان تشكيل ذلك المجلس هو مشروع إنفصال وفصل لمحافظة حضرموت بدعم وتخطيط وإشراف سعودي مجرد إعادة النظر فيما تبلور عن المشاورات الحضرمية التي انعقدت في الرياض لأسابيع، والخروج بوثيقتين: الأولى، ما سميت بالوثيقة السياسية والحقوقية، التي نصّت على تلبية تطلعات أبناء محافظة حضرموت وحقهم في إدارة شؤونهم السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والثقافية، والإقرار بالتعددية السياسية والاجتماعية في حضرموت، مؤكدة التزامها بالأهداف المشتركة مع تحالف العدوان وإعلان نقل السلطة، وحق أبناءها بالمشاركة العادلة في صناعة القرار السيادي.
والوثيقة الثانية، ما سميت بميثاق “العار” الشرف الحضرمي ، الذي تعهد بالعمل بشكل موحّد وفقًا للوثيقة السياسية والحقوقية، علاوة على إنشاء ما سمي بالهيئة التأسيسية للمجلس الحضرمي، المكوّنة من سبعة أشخاص.
احتجاجات مناهضة
إلى ذلك شهدت مدينة المكلا، المركز الإداري لمحافظة حضرموت، احتجاجات مناهضة للإعلان عن تشكيل المجلس الحضرمي نظمها ودعا إليها المجلس الانتقالي الانفصالي الإماراتي بالتزامن مع وصول المرتزق رشاد العليمي رئيس ما يسمى بالمجلس الرئاسي إلى مدينة المكلا، للمرة الأولى، ضمن ترتيبات سعودية لدعم مجلس حضرموت الجديد وتقليص سلطة المجلس الانتقالي الموالي للإمارات.
اعتقالات ومداهمات
بالمقابل اتخذ المرتزق العليمي والنظام السعودي إجراءات انتقامية من المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً ردا على تمزيق أنصاره صور المرتزق العليمي في مدينة المكلا، حيث طلب المرتزق العليمي من قوات ما يسمى “درع الوطن” التي تنتشر في المكلا مع قوات سعودية إزالة علم وشعارات الانتقالي الإماراتي من كافة النقاط والشوارع الرئيسية، إضافة إلى شن حملة مداهمات طالت أنصار الانتقالي المشاركين في الاحتجاجات على زيارته إلى المدينة .
ترتيبات جيوسياسية
وبغض النظر عن موقف الكثير ممن أيَّدوا قيام هذا المجلس الذين لا يعُون خطورة الأهداف والأبعاد السعودية، وربما يعي بعض منهم ذلك، لكنهم يُرجئون مواقفهم من ذلك المجلس إلى رهانات المستقبل، ويعتقدون أنَّ الظرف الراهن يفرض القبول به ، ما دامت النظام السعودي وراءه، وأنَّ ذلك يمثِّل الفرصة الوحيدة المُتاحة لإحباط مشروع الانفصال الذي يتبنّاه المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا ، وقمع وكبح جماح الأطماع الإماراتية في حضرموت.
يبقى الخطر الحقيقي من إنشاء هذا المجلس أنه كشفٌ مبكِّرٌ لترتيبات جيوسياسية سعودية، تستهدف حضرموت بشكل خاص وتستهدف الجغرافيا اليمنية بشكل عام ، بغية الوصول المباشر إلى بحر العرب والمحيط الهندي وهذا ما يؤكّده سلوكُ مقرّبين سعوديين من مراكز القرار في بلادهم، أثناء نقاشاتهم السياسية، والفكرية، وتناولاتهم الإعلامية، بشأن حضرموت، وأنها تمثِّل الجزءَ الجيوسياسي والجغرافي، المفقود من السعودية، الذي حال دون وصولها الحُر إلى المحيط الهندي.
خلاصة
وبناء على كل ما تقدم ذكره تبقى الحقيقة الماثلة هي حقيقة أن قيادة شعبنا اليمني الثورية والسياسية والعسكرية وكل الأحرار والشرفاء والمخلصين باتوا يدركون جيدا أنه وبقدر تعدد المصالح الارتزاقية والاستعمارية تعددت أطراف التآمر الخارجية والداخلية وتعددت مكونات ومجالس وأدوات العمالة والارتزاق ووسائل وأساليب تنفيذ أجندات المشاريع والمخططات التآمرية المباشرة منها وغير المباشرة المتربصة بالمحافظات الجنوبية والشرقية المحتلة لا سيما محافظة حضرموت.
وأن الإعلان عن تشكيل مجلس عمالة وارتزاق جديد مؤخرا من عاصمة العدوان والاحتلال السعودي “الرياض” أطلق عليه اسم مجلس حضرموت الوطني
تأكيد جديد أن نظام العدوان والاحتلال السعودي لم يستفد بعد من الدروس والعبر التي تجرعها خلال سنوات عدوانه الغاشم على اليمن وبالتالي فإن الإعلان عن إنشاء هذا المجلس، سيمثل دون شك مشهد غرق جديد لنظام آل سعود في مستنقع غيه وضلاله وتبعيته وارتهانه وخضوعه المذل لأوامر وإملاءات العدو الأمريكي والصهيوني والبريطاني، ولن يعدو عن كونه مجرد محاولة سعي فاشلة لتحقيق حلم نظام العدوان والاحتلال وحلم قوى منظومة الهيمنة والاستعمار الغربي بشكله الجديد وفي
مقدمتها أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني
الهادف إلى تمزيق اليمن ونهب ثرواته ومقدراته الاقتصادية والهيمنة على موقعه الجغرافي الحيوي المسيطر على ممرات الملاحة الدولية.