“حادث الكحالة “.. خبث الهزائم المتلاحقة
العين برس/ تقرير
سمية علي
إنه الخبث الذي لا يُحتمل، لنقل الحقيقة كما هي إذاً: “اسرائيل” ليست عدواً لهم (الكتائب والقوات)، فلا جدوى من المقاومة إذاً، وهذا كل ما في الأمر. هنا زبدة الصراع الممتد منذ الثمانينات وحتى اللحظة وماض ما بقي “هؤلاء” على قيد الوجود. ادراك هذه المعلومة كفيل بتفسير الكثير الكثير مما حدث ويحدث، من صورة بشير الجميل (عام 1981) مرتدياً البزة الاسرائيلية يتبادل أطراف الحديث مع وزير الحرب الاسرائيلي آنذاك اريئيل شارون، إلى جيش سعد حداد وبعده انطوان لحد، والحزن الكبير على “اغتيال عقل هاشم”، وأحكام مخففة (نعتذر عن التعبير المهذب) لعملاء أمعنوا في قتل وتعذيب اللبنانيين الجنوبيين على مدار عشرات السنين، وتطبيق أصول الضيافة في ثكنة مرجعيون خلال عدوان تموز/يوليو 2006، إلى أحداث السابع من أيار/مايو عام 2008، إلى اطلاق النار في خلدة، وايضاً في الطيونة العام الماضي، وصولاً إلى “فتنة الكحالة”.
هناك، تمظهر التحريض الإعلامي والميليشياوي والسياسي بأبشع صوره ضد المقاومة التي إذا ما استثنيا دورها العظيم في تحرير هذا الوطن وحمايته (لأن من حرّضوا عليها لا يعتبرون عدوها وعدو لبنان عدواً لهم) لا يستطيع أحد أن ينكر موضوع الاعتراف بشرعيتها في البيان الوزاري وأنها ممثلة بكتلة وازنة في البرلمان اللبناني، إذاً فهذا التحريض ليس ضد “مجموعة من المرتزقة”، كما أظهرت المفردات المستخدمة على ألسنة من ادّعوا أنهم يمثلون أهل الكحالة واللبنانيين، بل ضد فئة كبيرة من اللبنانيين، وفي هذا تحريض واضح على فتنة أهلية، فأين من يحاسب الاعلام الذي يهدد السلم الأهلي؟ والسياسيين ايضاً (بعضهم محسوب على من يسمون بالتغييريين) الذين نسوا وحل الأزمات الذي نزداد غرقاً فيه يومياً، وباتت مشكلتهم مع نقطة الضوء الناصعة الوحيدة المتبقية في حاضر ومستقبل لبنان.
للإنصاف، فإن تطوراً طرأ على أداء بعض القنوات الإعلامية كالـ “ام تي في” و”الحدث” (قناة سعودية) و”ال بي سي” وغيرها، في ما يتعلق بحادث انقلاب شاحنة للمقاومة على مفرق الكحالة.
في محطات سابقة، كانت بعض هذه القنوات وغيرها تقوم باستغلال الحدث بعد حصوله أو الانطلاق منه لتثبيت نظريات وسيناريوهات خلاقة (تقوم على خيال كرتوني) تصب في سياق تشويه رسالة المقاومة السامية واقحام الأخيرة في زواريب أمنية وسياسية ضيقة أو في دهاليز الفساد والفضائح: اتهام حزب الله بتخزين النيترات والتسبب بتفجير مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس نموذجاً، والذي أدّى إلى رفع مستوى التجييش في أوساط بعض أهالي الضحايا، وكانت له اليد في أحداث الطيونة التي سقط فيها عدد من الشهداء الأبرياء، إضافة إلى تحميل الحزب مسؤولية المعارك الأخيرة في عين الحلوة بين حركة فتح ومجموعات أخرى، بالرغم من نفي الأولى هذه الأقاويل نهائياً! وهذا ما دفع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله إلى الاضاءة على هذا الجانب ووصف هذا الاعلام في خطابه الأخير بـ”اعلام التفاهة”.
أما في الكحالة، فقد كان هذا الاعلام مساهماً في صنع الحدث منذ بدايته، أي إنه فور انقلاب الشاحنة، بدأت بعض القنوات بايعاز ممن يحددون سياساتها ببث العواجل عن “شاحنة لحزب الله تحمل سلاحاً غير شرعي انقلبت على طريق الكحالة”، في دعوة أو إخبار “لمن يهمه أمر السيادة اللبنانية” بالتحرك، ليحدث ما حدث، وليبقى الهواء مفتوحاً لكم ضخم من التصريحات التي تدعو للمزيد والمزيد.
ما هذه المصادفات والمفارقات يا سادة؟ لم يصدق أحد عين الحلوة، لم تلق “الخبرية” أصداءً، من فبركها ليس موهوباً، خياله ركيك. وُجد الياس حصروني وهو قواتي من عين إبل وكان عميلاً سابقاً في جيش لحد ومسؤولاً عن التموين اللوجستي لموقع الـ17 فترة الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان، ميتاً في سيارته منذ أسبوع تقريباً التي انفجرت فيها الوسائد الهوائية في ما بدا أنه حادث اصطدام على طريق عين إبل – حانين، رواية جاهزة ومحكمة العناصر لاتهام المقاومة بقتله (هي التي للمفارقة لم تقتل عميلاً ابان تحرير الجنوب عام 2000، تاركة للجهات الرسمية تقرير مصيرهم) فلماذا تقوم بذلك بعد 23 عاماً؟
هذا السؤال برسم الاعلام نفسه والمطبلين معه وخلفه، الذين استبقوا التحقيقات، واستبعدوا سريعاً فرضية “الدوافع المادية أو الخلافات المالية” للحادثة خصوصاً أن حصروني يدير “كازينو” في المنطقة، إضافة إلى نفي شقيقه “الخلفيات السياسية”.
الأمور واضحة يا سادة. لا علاقة للمنطق بما حدث ويحدث. إنها حرب مفتوحة على مقاومة أرّقت وتؤرّق العدو الاسرائيلي مترافقة مع ضخ إعلامي من القنوات نفسها (بدءاً من اتهامها باغتيال رفيق الحريري في شباط 2005، واقحامها في فتنة سنية – شيعية، إلى عدوان تموز 2006 الذي تصادف هذه الأيام ذكراه السابعة عشر، إلى محاولة ضرب سوريا وزرع الجماعات التكفيرية على اختلافها، إلى إلى).
معركة تخفت حيناً وتشتد أحياناً لتتكامل مع حروب من نوع آخر. حالياً، تتزامن مع نية واضحة بخلق توترات أمنية سبقها، دعوات خبيثة بالجملة من عدد من السفارات لرعاياها بمغادرة لبنان بالرغم من عدم وجود أي حدث واضح وقتها، إضافة إلى حديث عن “مواجهة المشروع السعودي في المنطقة، ولبنان من ضمنه، تعقيدات تتجاوز عدم قدرة الرياض على تحقيق مكاسب بعد كل حروبها الفاشلة، إلى عدم قدرتها على المضي في مصالحات قالت إنها تريدها مع كل خصومها في المنطقة”. وهنا نشير ايضاً إلى التطورات الايجابية مؤخراً على خط الحوار بين حزب الله والتيار الوطني الحر الذي من الممكن أن يؤدي إلى نقلة نوعية على صعيد الملف الرئاسي، وهو ما دفع رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع لوصفه بـ “الشيطاني”، وهو الذي كان يحاول تحشيد كل الأفرقاء المسيحيين مقابل المقاومة.
الكحالة للأسف ليست النهاية. إنه الخبث الذي لا يحتمل. لكنه خبث غذته الهزائم المتراكمة والمتلاحقة، من تحرير عام 2000، إلى “النصر الإلهي” عام 2006، إلى فشل مسرحية التحقيق الدولي في قضية الشهيد الحريري، إلى انتصار سوريا، إلى وإلى المزيد والمزيد في الفترات المقبلة.
المصدر: موقع المنار