“جبهة النصرة” الإرهابية واحتمالات تطور الأحداث في إدلب
العين برس/ مقالات
محمد عيد
عادت “جبهة النصرة” الإرهابية لتسخين الجبهات، عبر هجوم “انغماسي” استهدف مواقع الجيش السوري شمال غرب البلاد، أسفر عن ارتقاء عدد من جنود الجيش العربي السوري، ضمن حصيلة تعتبر الأكبر لجهة عدد الشهداء منذ العام الماضي، لتُطلق بعدها الجبهة حملة إعلامية ونفسية، تحدثت فيها عن استكمال استعداداتها لشن أكبر عملية عسكرية في الشمال ضد الجيش السوري وحلفائه. فما الوضع الميداني الحالي للجبهة؟ وما مدى قدرتها على تحويل التهديد إلى واقع؟ وما الرسائل التي تريد إيصالها من خلال التذكير بقوة شوكتها العسكرية؟ ولمن تقدم أوراق اعتمادها في هذا الشأن؟
الإرهاب بين الماضي والحاضر
الخبير العسكري الوليد صالح يستعرض في حديث خاص لموقع “العهد” الإخباري تاريخ جبهة النصرة الإرهابية، وسلوكها الدموي في سورية، منذ بلورتها كجسم عسكري في الشمال السوري، ومساعيها لانتزاع اعتراف سياسي بها من قبل الغرب كفصيل “معارض معتدل”، يمكن أن يلبي رغبة واشنطن وأنقرة في إسقاط الدولة السورية.
وبالعودة لتاريخ الجبهة يشير صالح إلى ما يلي:
1- سيطرت “جبهة النصرة” الإرهابية على محافظة إدلب عام 2015، عبر تشكيلها تحالفًا مع باقي الفصائل الإرهابية (الجيش الحر، أحرار الشام، داعش) تحت مسمى جيش الفتح، برعاية وتنظيم مباشر من المخابرات التركية والدولة التركية، ثم استفردت “جبهة النصرة” بالسيطرة على المحافظة بعد القضاء على الفصائل الأخرى، وجعل “أبي محمد” الجولاني نفسه قائدًا لإدلب برعاية وحماية من المخابرات التركية، وبذلك أصبحت إدلب إحدى منطقتين تحتلهما تركيا بشكل غير مباشر، والمنطقة الثانية هي ريف حلب الشمالي الغربي – ضمنًا عفرين – عبر تنظيم “الجيش الوطني السوري” الإرهابي الذي شكلته كذراع متقدمة لقواتها، لاحتلال الأرض، وترهيب الناس. ويتكون هذا التنظيم من بقايا “الجيش الحر” الإرهابي وفرقة “الحمزات” الإرهابية، وفرقة “السلطان مراد” الإرهابية. كما تشترك في السيطرة على هذه المنطقة حركة “أحرار الشام” الإرهابية إحدى أذرع تنظيم الإخوان المسلمين، إذ تفرض تركيا في هذه المنطقة المناهج التركية – بخلاف إدلب – واللغة التركية، كما افتتحت فيها عدة فروع لمؤسساتها الرسمية كالجامعات، وشركات الكهرباء والاتصالات، وتشرف عليها ولاية أورفة.
2- الوضع العسكري في إدلب حتى عام 2024:
– واقع القوات على الأرض:
شنّ الجيش العربي السوري مع حلفائه عملية عسكرية كبيرة في إدلب استهدفت “جبهة النصرة” الإرهابية عام 2019، وتمكن من تحرير مناطق عدة في إدلب أهمها مدينة سراقب الإستراتيجية، على الرغم من تدخل الجيش التركي بشكل مباشر لصالح “جبهة النصرة” الإرهابية، بعدما تهاوت بشكل سريع أمام ضربات الجيش العربي السوري، ومنذ عام 2019 تعتبر محافظة إدلب جبهة شبه ساخنة، تحدث فيها اشتباكات شبه يومية بين الجيش العربي السوري والمجموعات الإرهابية، حيث يستهدف الجيش العربي السوري تحركات الإرهابيين وقيادتهم ومراكز تدريبهم ومستودعاتهم، فيما تشن جبهة “النصرة” الإرهابية عمليات إرهابية تستهدف المدنيين في سهل الغاب وريف اللاذقية عبر القصف بالصواريخ والمسيّرات، التي حصلت عليها بدعم تركي، فيما تشن عمليات “انغماسية” على مواقع الجيش العربي السوري على طول خط الجبهة الممتد من ريف اللاذقية، مرورًا بمحافظة إدلب، وصولًا لريف حلب بدعم عسكري تركي (معلومات استخباراتية واستطلاعية وتدريب وتذخير وتأمين مواقع آمنة)، في محاولة لاستنزاف الجيش العربي السوري، ومحاولة إيجاد ثغرات عبر ما يسمى الاستطلاع بالقوة لمحاولة معرفة طريقة تعامل الجيش العربي السوري مع عمليات الهجوم.
– وضع جبهة “النصرة” العسكري:
تتكون جبهة النصرة من عشرات الآلاف من الإرهابيين، وعديدها بين 20 إلى 30 ألف مقاتل، تمكنت من استقطابهم إما عبر الإيديولوجيا المتطرفة من داخل وخارج سورية أو عبر إغراء الشباب بالمال. وتشكل القوات التركستانية أحد أهم أعمدتها العسكرية عبر ما يسمى “الحزب التركستاني”. وقد أعطى الجولاني منطقة جسر الشغور للقيادات التركستانية وعائلاتهم، والتي باتت تسمى الإمارة التركستانية. كما تتكون من عدة تشكيلات أخرى أهمها جيش العزة، ولواء عمرو بن العاص، ولواء معاوية، والفرقة الساحلية، والعصائب الحمراء، وتشكيل الأمنيين الذي يستخدمه الجولاني لإخضاع الناس في إدلب بالقوة، وتقدر رواتب المقاتلين العاديين في التشكيلات القتالية لجبهة النصرة – باستثناء الأمنيين وقادة الكتائب – بين 1200 دولار لـ 2000 دولار، أما الأمنيون والقادة العسكريون فتتراوح رواتبهم الشهرية بين 2200 دولار لـ 3000 دولار، وهذا الدعم المالي الكبير هو أحد أسباب استقطاب الشباب وتأمين الولاء للجولاني، ولـ “جبهة النصرة” الإرهابية وهذه الكتلة المالية الضخمة لا يمكن توفيرها إلا عبر تركيا التي تستبقي عشرات آلاف الإرهابيين لتزجهم في أية مواجهة مستقبلًا، ولتتركهم خنجرًا في ظهر الدولة السورية. كما تجري “جبهة النصرة” دورات لرفع مستوى مقاتليها سنويًا، حيث أعلنت عام 2023 عن 8 دورات رفع مستوى، كما تجري عمليات استقطاب كل عام لتطويع الشباب في قواتها وتجري دورات تدريب أولية لهم، حيث أجرت 3 دورات عام 2023.
3- الاحتمالات المستقبلية:
من خلال تحليل البيئة العسكرية والمالية والاجتماعية في محافظة إدلب يظهر واضحًا أن المسيطر الفعلي والقائد الفعلي هي تركيا بقيادة أردوغان، وبالتالي فإن جميع العمليات الإرهابية التي تنفذها جبهة “النصرة” هي بتوجيه استخباراتي تركي، وعملية المفاوضات التي تجريها تركيا مع سورية تماطل بتنفيذ بنودها بحجج مختلفة، لكن المؤشر الواضح الذي يظهر نية تركيا في التعاون من عدمه مع سورية هو الدعم المالي، فتوقف رواتب المقاتلين في “جبهة النصرة” يعني انهيارها سريعًا، وهو ما لم يحدث حتى الآن، إذ تستمر تركيا في تقديم الرواتب لمقاتلي النصرة – حتى لو كان مصدر الأموال خليجياً – وهذا يعني أن عشرات آلاف الارهابيين في إدلب عبارة عن قنبلة موقوته قد تستخدمها تركيا في أي لحظة قد تراها مناسبة لاعادة خلط الأوراق أو لاستغلال أي وضع طارئ يحدث في سورية، وذلك عبر دفع آلاف الإرهابيين عبر محور رئيسي تحدده تركيا والمحاور المتوقعة هي (أتوستراد حلب دمشق، ومحور الساحل، ومدينة حلب) مع تنفيذ هجوم على عدة محاور أخرى، لتكون محاور تشتيت قوة (سهل الغاب كمثال)، أما الجيش العربي السوري فعزز تشكيلات قواته على طول الجبهة، كما أجرى تدريبات ومناورات عدة للمحافظة على الكفاءة القتالية لوحداته وتجهيزها لتحرير إدلب، فيما لو فشلت المفاوضات مع تركيا بوساطة روسية – إيرانية – عراقية. كما راكم الجيش العربي السوري من خبراته في مواجهة العصابات الإرهابية المسلحة، وبالتالي أصبح للجيش العربي السوري خبرات كبيرة سيضعها قيد التنفيذ مستقبلًا لتحرير إدلب.
قيود تحرك “النصرة”
من جهته، يرى المحلّل السياسي عدي حداوي أن تهديد “جبهة النصرة” الإرهابية بعمل عسكري واسع ضد الجيش السوري وحلفائه عبارة عن زوبعة في فنجان، وحرب نفسية تريد أنقرة صرفها في مفاوضاتها الجارية حاليًا مع دمشق.
وفي حديث خاص لـ”العهد”، أشار حداوي إلى أن تركيا قد حسمت قرارها باستعادة العلاقة مع دمشق، وهي ترفض حتى الآن حل الفصائل الإرهابية المرتبطة بها، لتكون ورقة ضغط لها في المفاوضات ليس إلا، وهي ستقدم على حلها حين تنضج الظروف الإقليمية المرتبطة بتعهدات أنقرة لكل من روسيا، وإيران، ومعهما العراق، بتهيئة الظروف لإقامة علاقات طبيعية مع جارتها الجنوبية سورية.
وأضاف أنه إذا كانت “جبهة النصرة” الإرهابية ورقة تهويل تركية على دمشق، فإن هذه الأخيرة تعرف تمامًا كيف تتعامل مع هذه الأوراق، سواء على المستوى السياسي لجهة إعلان الرغبة في التفاوض مع أنقرة، وفق شروط سيادية وليس بأي ثمن، أو على المستوى العسكري، إذ يتولى الجيش السوري استنزاف “النصرة” وبقية الفصائل الإرهابية، عبر استهداف قادتها وضرب تجمعاتها، ودك تحصيناتها، لا سيما أنه أدخل إلى حربه مع النصرة سلاح المسيّرات الذي أبلى البلاء الحسن، وأحدث الفارق بشكل كبير.
وختم حداوي بالتأكيد على أن “النصرة” لم تعد مقبولة حتى بالنسبة لمشغليها، بسبب صيتها الإجرامي والدموي والمجازر التي ارتكبتها بحق من أعطتهم الأمان يومًا من أقليات (الموحدون الدروز في جبل السماق والمسيحيون في إدلب)، فضلًا عن بطشها بأهالي إدلب أنفسهم، وقمع انتفاضتهم في وجهها، وتصفية معارضيها وزجهم في السجون، ليبدو دور التهويل على دمشق آخر الأدوار التي يمكن أن تلعبها “جبهة النصرة” لمصلحة أنقرة التي تستعجل بدورها تطبيع العلاقات مع سورية، قبل أن تتولى بنفسها إحراق ورقة “جبهة النصرة”.