ثماني سنوات من استبداد سلمان بن عبد العزيز ونجله
العين برس / مقالات
حسن الطالب
من هول الأحداث وكثرتها، يصعب على المرء تعداد ما مضى من سنوات على تولي سلمان آل سعود العرش، ومن أمامه وخلفه وإلى جانبه “ولي العهد” محمد بن سلمان بصلاحياته الـ”لا- محدودة”. لم يكن الأمر يوما مختصا بشخص واحد، إنما هو بعائلة. عائلة احتلت وتملكت وحكمت وتجبرت على العباد دون أي وجه حق، وطالبت بالمبايعة والنصرة لـ”طويل العمر” كان من كان، وإلا الويل والثبور وعظائم الأمور. يُسجل لـ”سلمان بن عبد العزيز” تفوقه على سابقيه، ممن اعتلوا عرش “المملكة”، في مستوى الدموية والإجرام. إلا أن سياساته اقترنت بإرادة نجله، “ولي العهد” محمد، كونه الحاكم الفعلي للبلاد. ومع مرور ثماني سنوات على حكم سلمان بن عبد العزيز ونجله، جدير بنا الإحاطة بأبرز أشكال الدموية التي انتهجها الثنائي في حكمه أبناء شبيه الجزيرة العربية. يخيل لأي متابع للملف السعودي، أن نظام آل سعود في سباق مع عدّاد الأرقام. إذ لا يفتأ يسجل أرقاما قياسية في معدل جرائم الإعدام، حتى باتت الأرقام تأبى أن تعكس حجم المأساة الحقيقية، فكنا أسرى الـ”لا وعي” الذي زرعه النظام فينا لناحية التعامل مع الرقم بنوع من الجمود و”قلة الحيلة”.
ثماني سنوات من استبداد سلمان بن عبد العزيز ونجله
بطبيعة الحال، ليست الأرقام التي تجهد المنظمات الحقوقية المعنية في رصدها إلا “غيض من فيض” ما تخفيه أقبية السجون في مملكة الرعب. تجاوز “سمو المجرم” عتبة الألف إعدام خلال فترة حكمه المستمرة منذ يناير/كانون الثاني 2015، من بين الإعدامات، 165 حكم نفذ في 3 إعدامات جماعية، في يناير/كانون الثاني 2016، وأبريل/نيسان 2019 ومارس/آذار 2022. بحسب رصد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، 496 من أحكام الإعدام المنفذة، ما نسبته 49% تمت بأحكام قتل تعزيرية، أي بأحكام تعتمد على رأي القاضي. إضافة إلى ذلك، فإن من بين الألف إعدام، 12 إعداما طال قاصرين، معظمهم نفذ بعد إقرار قانون الأحداث في أغسطس/آب 2018، الذي يحظر إعدام كل شخص يواجه تهما أو تهمة حصلت حين كان قاصر. وإلى جانب ارتفاع أرقام الإعدامات المنفذة، فإن السعودية اتبعت نهجا مستجدا في احتجاز جثامين المعدومين، حيث أكد توثيق المنظمة حرمان 132 عائلة على الأقل من حقها في الدفن. من بينها هذه جثامين لقاصرين، وهذا ما يعد تعذيبا مستمرا للعائلات. مع بداية 2022، كسر محمد بن سلمان الحظر الدبلوماسي الغربي المفروض بحقه بعيد عملية قتل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول. فبعد زيارة الرئيس الفرنسي أيمانويل ماكرون نهاية 2021، افتتح بن سلمان موسم الزيارات الدبلوماسية، وضاعت تراتبية ملف حقوق الإنسان بين ملفات الطاقة والاقتصاد. في مارس 2022 استقبل بن سلمان رئيس وزراء بريطانيا، حينها، بوريس جونسون، وفي يوليو الرئيس الأميركي جو بايدن، وفي سبتمبر المستشار الألماني أولاف شولتس. وتشكل هذه الزيارات غيضاً من فيض التطبيع الذي قامت به الدول مع انتهاكات السعودية. وكانت عدة دول قد رجعت خطوة للخلف في علاقتها العلنية مع بن سلمان، بعد ضغط حقوقي، تجنبا لتشويه صورتها بعلاقة مخزية مع شخص يمارس وحشية لا يمكن التنبؤ بحدودها، بعد جريمة قتل خاشقجي. بالتالي، مع توالي الحج الدبلوماسي إليها عام 2022، تعافت “السعودية” وبشكل سريع من تبعات الحظر، وتحولت استجابتها للضغوط الحقوقية إلى شجاعة أكثر على ارتكاب المزيد من الانتهاكات دون رادع. وبالتوازي، ومع إلتقاط النظام أنفاسه من بوابة الرضى الخارجي، المستند إلى ازدياد الحاجة لضبط أسعار النفط كما رفع مستوى الضخ في السوق الدولية ربطاً بالحرب الروسية على أوكرانيا، إلا أن النظام لم يحجم عن انتهاكاته الحقوقية، فدشن العام المنصرم بأكبر مجزرة جماعية في شهر مارس/ آذارفي تاريخ البلاد، فأقتل آل سعود 81 شخصا، معظمهم لم يواجهوا تهما من الأشد خطورة وحكموا بالقتل تعزيرا. الملفت وبشكل كبير، أن ذلك حصل بعد 9 أيام من تصريح قال فيه بن سلمان أن “السعودية” تخلّصت من عقوبة الإعدام ما عدا فئة واحدة مذكورة في القرآن حسب زعمه.
ثماني سنوات من استبداد سلمان بن عبد العزيز ونجله
وبحسب إحصائية الأشخاص المهددين بالإعدام، يبلغ عددهم، 61 شخصا من بينهم 9 قاصرين على الأقل، بحسب المؤشرات التي رصدتها المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان والتي تؤكد أن العدد أكبر بكثير. إلى جانب ما ذكر، سجل عهد سلمان بن عبد العزيز رقما قياسيا لناحية الأحكام الصادرة بحق الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي من أصحاب الرأي، حيث شكل العام الماضي صدمة إضافية لناحية المدى الذي وصل له الحنق السعودي على رواد مواقع التواصل الاجتماعي. فضاعف النظام الأحكام الصادرة بشكل تعسفي ضد أفراد على خلفية تعبيرهم عن رأيهم وممارسة حقوق مشروعة، كما صعّد من استخدامه السيء للقوانين من بينها قانون مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله، وقانون مكافحة جرائم المعلوماتية، لملاحقة النشطاء، وشهد 2022 أحكاما غير مسبوقة، وصلت إلى عقود من السجن والمنع من السفر.
ثماني سنوات من استبداد سلمان بن عبد العزيز ونجله
ففي أغسطس/ آب أصدرت محكمة الاستئناف الجزائية المتخصصة حكما يقضي بالسجن والمنع من السفر 68 عاما بحق المدافعة عن حقوق الانسان سلمى الشهاب (9 نوفمبر 1988)، على خلفية تهم تتعلق بآرائها السلمية على موقع التدوين المصغر “تويتر”. في سبتمبر/ أيلول حكمت محكمة الاستئناف الجزائية المتخصصة على الناشطة نورة القحطاني بالسجن والمنع من السفر لمدة تسعين عاما، بتهم تتعلق بحرية التعبير عن الرأي وحيازة كتاب. وكانت المحكمة الجزائية المتخصصة قد أصدرت حكما ابتدائيا بسجنها لمدة 13 عاما، إلا أن المدعي العام رفض الحكم وطالب قضاة الاستئناف بتغليظه، بذريعة عدم إقرارها بالذنب وإمكانية عودتها إلى ممارسة الجرائم المزعومة. وفي أكتوبر/ تشرين الأول أصدرت محكمة الاستئناف المتخصصة، حكما يقضي بسجن المقيمة التونسية مهدية المرزوقي، لمدة 15 عاما بتهم تتعلق بتغريدات على موقع تويتر. في 23 يونيو/حزيران، اعتقلت “السعودية” الناشط على مواقع التواصل الاجتماعي موسى الخنيزي. وقد شُنَت قبل اعتقاله بعدة أيام، حملة تحريض ضده على شبكات التواصل الاجتماعي، على خلفية مقطع فيديو صرح فيه أن الشيعة كانوا مضطهدين ويُشتمون على منابر الجمعة، في حوار مع امرأة على إحدى شبكات التواصل الإجتماعي. واستناداً إلى ما ورد، فكما أن محمد بن سلمان دشّن رؤيته القائمة على الانفتاح المزعوم بإعطاء المرأة في شبه الجزيرة العربية حقها بقيادة السيارة للمرة الأولى في القرن الواحد والعشرين، في مسعى واضح لتلميع صورتها في ملف حقوق المرأة عبر الحملات الإعلامية، وركزت على الحديث عن قفزات نوعية، وروجت لتعيينات نساء في وظائف رسمية مختلفة بما في ذلك السلك الدبلوماسي. لكن في الواقع، فإن التعيينات تندرج في إطار الدعاية الرسمية واستخدام للمرأة بدلاً من تمكينها. كما أن النظام تداعى إلى مهمة الهتك والحط من كرامة المرأة في البلاد من خلال إصدار أحكام بحق المعتقلات من الناشطين والكوادر الأكاديمية والعلمية. إلى جانب تعرض المعتقلات للتحرش والعنف الجسدي والنفسي ومنعهن من السفر بعد انتهاء محكومياتهن، التي ستطول لعقود. كما أن أجهزة سلمان لم تتوان عن التعرض للبنات الأيتام في “دار التربية الاجتماعية” في منطقة خميس مشيط، والهتك بحجابهن وضربهن. عام جديد من حكم سلمان يبدأ، والتوقعات تشير إلى أن النظام يجهز الأرضية لجريمة جديدة بحق معتقلي الرأي. يأتي ذلك بالتوازي مع توسعة مشاريع التهجير والتدمير بداعي التطوير، والملاحقة بحق أصحاب الرأي أو ذويهم ممن خرجوا من البلاد خوفا من التهم المعلبة كحالة الناشط حسن محمد آل ربيع، كما الاستمرار في الغسيل الرياضي الذي تجلى في آخر خطواته بانضمام اللاعب كريستيانو رونالدو إلى نادي النصر السعودي بمقابل مادي خيالي، إلى جانب الترويج لرؤية 2030 الاستثمارية، و”السعودية” كوجهة سياحية.