أعلن ضباط كبار في الجيش الجابوني، اليوم الأربعاء، عن “إنهاء النظام القائم”، وإلغاء الانتخابات، واستيلاءهم على السلطة، ووضع الرئيس علي بونجو أونديمبا قيد “الإقامة الجبرية”، محاطا بعائلته وأطبائه، وإيقاف أحد أبنائه بتهمة “الخيانة العظمى”.
جاء ذلك بعد ساعات من إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في الدولة الواقعة بغرب وسط أفريقيا، وفوز بونجو، الذي يحكم البلاد منذ 14 عاما، رئيسا لولاية ثالثة، وحصوله على نسبة 64,27% من الأصوات، في انتخابات قالت المعارضة إنها “مزورة”.
ومن شأن الإطاحة بالرئيس بونجو، أن تنهي سيطرة عائلته على السلطة في البلاد، والتي استمرت 53 عاما.
وإذا نجح الأمر، فسيكون هذا الانقلاب الثامن في المستعمرات الفرنسية السابقة في أفريقيا، خلال السنوات الثلاث الماضية.
وأدت انقلابات في مالي وغينيا وبوركينا فاسو وتشاد والنيجر، إلى تقويض السيطرة الفرنسية على المستعمرات الافريقية.
ويقول الخبير المصري في الشؤون الإفريقية، رأفت محمود، في تصريحاته لوسائل إعلامية ” في البداية لا بد أن نقول إن ما يحدث في الغابون والنيجر ليس بعيدا عن أحداث مالي وبوركينا فاسو وتشاد ومنطقة الساحل والصحراء عموما، وهي إعادة لطبيعة العلاقات والتحالفات لتلك الدول بقوى خارج إفريقيا وكذلك تغيير للسياسات والقيادات”.
وأشار إلى أن “عوامل كثيرة ساهمت في ذلك التغير، لعل أبرزها هو أنه لم يحدث تغيير حقيقي خاصة داخل البيئة الاقتصادية والسياسية في تلك الدول وشعوبها ما زالت تعاني اقتصاديا، ومعظمها يرتبط بدائرة المصالح الفرنسية التي استعمرت تلك المناطق سابقا، وبالتالي يزداد الشعور بعدم وجود استقلال اقتصادي عن المستعمر السابق”.
وتابع الخبير المصري: “هي تغيرات ترتبط بوجود صحوة شعبية تجاه الوجود الفرنسي بكافة أشكاله، وأيضا وجود لاعبين أخرين في القارة يضغطون بشدة على إزاحة النفوذ الغربي ومنه الفرنسي، فالخط الممتد من إفريقيا الوسطى وتشاد ومالي، وبوركينا فاسو والسنغال، والآن الغابون والنيجر لم يعد يرغب في الوجود الفرنسي، كذلك الأجيال الشابة الجديدة في تلك الدول وهي أجيال متعلمة وقادرة على قراءة الواقع الدولي ونقد الوجود الفرنسي في دولها والتي رأت التنمية والتطور الفرنسي، ولكنها لم تراه في دولها وبما أشعرها بوجود استغلال لثروات تلك الدول من جانب فرنسا”.
وأشار إلى أن الأهم هو أن القادة في تلك الدول خاصة هؤلاء الذين قادوا التغيرات يعرفون أنهم سيجدون داعما لهم من قوى أخرى، وقارة إفريقيا منذ فترة تحدث بها تغيرات وهي صدى لتغيرات في النظام الدولي وترتبط بها، والرغبة في وجود نظام دولي آخر، لذا فما يحدث داخل القارة ليس بعيدا عن التغيرات التي تحدث خارجها من تنافس وصراعات بين القوى الدولية لتغيير النظم الدولي الحالي أو الإبقاء على النظام الحالي من قوى دولية تعد فرنسا نموذجا لتلك القوى.
من جانب اخر ، صرح العضو السابق في البوندستاغ ( البرلمان الألماني)، أرمين بولوس هامبل، اليوم الأربعاء، أن الأحداث التي تشهدها الغابون تشكل ضربة خطيرة لفرنسا، وتظهر بأن الدول الأفريقية سئمت من السياسات التي ينتهجها الغرب.
وقال هامبل لوكالة “سبوتنيك”: “هذه ضربة فظيعة لفرنسا، التي تمكنت من الحفاظ على نفوذها منذ العصور الاستعمارية في غرب أفريقيا، فبعد مالي، وبوركينا فاسو، وغينيا، وأخيرا النيجر، تتخلى الغابون عن النظام الفرنسي الراسخ الذي أبقى غرب أفريقيا في فلك القوى الغربية“.
واستبعد هامبل أن تمتد موجة الانقلابات العسكرية في أفريقيا إلى المستعمرات الفرنسية السابقة الأخرى، كساحل العاج والكاميرون والسنغال، لكنه أكد أن نفوذ روسيا والصين في المنطقة سيزداد.
ومن المتوقع ، أن هذا الانقلاب لن يكون الأخير في الدول الإفريقية، وكذلك من ناحية أخرى فإن النفوذ الفرنسي لن يستسلم، والمشهد الحالي يوضح أن الصراع وعدم الاستقرار هو عنوان الأيام القادمة.