العين برس / تقرير
تحدثت وسائل إعلام أميركية عن فشل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في تنفيذ أي من تهديداتها بمحاسبة السعودية وولي عهدها محمد بن سلمان.
شهدت العلاقات الأميركية – السعودية، في الآونة الأخيرة، كثيراً من التخبط، وخصوصاً بعد قرار مجموعة “أوبك +” خفض الإنتاج النفطي بمقدار مليوني برميل في اليوم.
بعد هذا القرار بالتحديد، خرج الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى العلن، متحدثاً عن “عواقب” على السعودية بسبب قرارها في إطار تحالف “أوبك +” النفطي.
وقال، حينها، جون كيربي، منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، لشبكة “CNN”، إنّ الولايات المتحدة ستعيد تقييم علاقتها بالمملكة، بما في ذلك مبيعات الأسلحة.
لكن، بعد ذلك، انحسر التوتر بين واشنطن والرياض، وفق ما عنونت صحيفة “وول ستريت جورنال”. وظهرت بوادر تحسن التعاون بين الولايات المتحدة والسعودية في الأسابيع الماضية، بعد انخفاض أسعار البنزين في الولايات المتحدة، ونتائج انتخابات التجديد النصفي، وتزايد المخاوف من إيران.
في هذا السياق، شرحت وسائل الإعلام الأميركية، في عدد من صحفها، فشل إدارة بايدن في تنفيذ أي من تهديداتها، المتعلقة بمحاسبة المملكة السعودية وولي عهدها، محمد بن سلمان، وخصوصاً بعد الانتخابات النصفية التي شهدتها الولايات المتحدة الأميركية.
وقال موقع “ريسبونسبل ستيت كرافت” إنّه بعد انتهاء الانتخابات النصفية مباشرةً، اختفى كل ذكر لمحاسبة محمد بن سلمان، و”في الواقع يبدو أن بايدن الآن يلبي احتياجاته”.
ووفق الموقع، فإنّ إدارة بايدن فشلت في تنفيذ أي من تهديداتها بشأن محاسبة السعودية، كما ليس لديها أي نية في فرض أي تكاليف على حكومة الرياض.
تداعيات قرار “أوبك +”
من الواضح أنّ الإدارة الأميركية كانت “تتخلى عن تهديداتها ضد المملكة، التي أطلقتها رداً على دور الرياض في دفع خفض إنتاج النفط في أوبك + في شهر تشرين الأول/أكتوبر”، وفق صحيفة “وول ستريت جورنال”.
والسياق ذاته تحدثت عنه صحيفة “نيويورك تايمز”، التي قالت إنه “كانت هناك لحظة في الخريف الماضي، بدا فيها كما لو أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، استعدى أخيراً بايدن والديمقراطيين في الكونغرس مرةً واحدة في كثير من الأحيان، وقد يدفع بعض الثمن في مقابل ذلك”.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ “خفض الإنتاج يتناقض، بصورة مباشرة، مع اتفاق سري أبرمته الولايات المتحدة والسعوديون في وقتٍ سابق من العام الماضي، واستفادت روسيا من ذلك، وجاء قبل انتخابات التجديد النصفي مباشرةً. لذلك، بدا أنه مصمّم على إثارة غضب الإدارة وحلفائها”.
الجدير ذكره هنا أنّ موقع “ريسبونسبل ستيت كرافت” أورد أنّ “التحذير السعودي” المزعوم من “هجوم إيراني وشيك”، في تشرين الثاني/نوفمبر، أدّى إلى زيادة التعاون الأميركي السعودي في الأسابيع، التي أعقبت الخلاف بشأن خفض الإنتاج”.
لكن، في الوقت نفسه، شدد الموقع على أنّ “الهجوم لم يحدث أبداً، ومن المحتمل ألّا يكون هناك هجوم أبداً، لكن التحذير عمل على صرف انتباه الإدارة عن خلافاتها السابقة مع الحكومة السعودية”.
الإنفاق العسكري بين البلدين
وفق صحيفة “نيويورك تايمز”، فإنّ “الادارة الأميركية ذهبت إلى حدّ الضغط ضد قرار جديد لسلطات الحرب في اليمن، والذي كان يمكن أن يفرض إنهاء الدعم الاستخباري الأميركي المتبقّي لحرب الحكومة السعودية”، مشيرةً إلى أنّ “الإدارة كانت تعمل مع المسؤولين السعوديين على إحباط هذا الإجراء”.
من جهتها، أكد موقع “ريسبونسبل ستيت كرافت” أنّ “زيادة التعاون العسكري مع السعودية هو بالضبط الشيء الخطأ الذي لا يجب أن تفعله الولايات المتحدة، سواء كان هدف هذا التعاون ضد اليمن أو ضد إيران”.
ورأت أنّه “يجب على الولايات المتحدة أن تبحث عن وسائل للحد من المساعدات العسكرية التي تقدّمها إلى السعوديين، وإنهائها في نهاية المطاف، بما في ذلك مبيعات الأسلحة”.
وتابع الموقع أن هذا الأمر “مهم بالنسبة إلى الولايات المتحدة حتى لا تساعد (السعودية) وتحرض على الجرائم السعودية، لكنه ضروري أيضاً لتصحيح استثمار الولايات المتحدة المفرط للموارد في الشرق الأوسط”، مضيفاً أنه “لا ينبغي أيضاً للولايات المتحدة الشروع في المشاريع العسكرية والاستخبارية الجديدة، لكن بدلاً من ذلك يجب أن تقلص مشاركتها العسكرية في المنطقة”.
العلاقات السعودية الاميركية .. “عملية احتيال”
وبناءً على ما ورد في صحيفة “نيويورك تايمز”، فإنّ “الولايات المتحدة، في عهد بايدن، لم تستخدم نفوذها للضغط على السعودية من أجل تغيير سلوكها فحسب، بل مارست، ولا تزال، ضغوطاً على أعضاء الكونغرس أيضاً، إرضاءً للسعوديين”.
وأضافت الصحيفة أنه “بعيداً عن إعادة ضبط العلاقة بالسعودية، فإنّ الولايات المتحدة تستسلم، بصورة موثوق، للضغوط السعودية، ولا تفعل شيئاً للرد، حتى عندما تتصرف حكومتها مباشرة ضد المصالح الأميركية”.
أمّا موقع “ريسبونسبل ستيت كرافت” فأكد أنّه، على الرغم من كل ذلك، فإن “الإدارة الأميركية اتخذت الطريق الأقل مقاومة، وسمحت للسعودية بالإفلات من فعل ما تريد”.
وأوضح أنّ بايدن أشار بالفعل، في زيارته الصيف الماضي، إلى أن الحكومة السعودية يمكن أن تتصرف من دون عقاب، وأن الولايات المتحدة لن تعاقب “عميلها” السعودي على أي شيء.
ونقل موقع “ريسبونسبل ستيت كرافت”، عن كولن كال، وكيل وزارة الدفاع لشؤون السياسة، قوله إن “الجَمع بين هذا التبادل السريع للمعلومات الاستخبارية وإعادة تموضع الأصول العسكرية هو الذي أبعد هجوم الإيرانيين”.
وأضاف الموقع أنّ “هناك تفسيراً آخر، هو أن كلاً من حكومتي واشنطن والرياض بالغت في التهديد المحتمل للسعودية، من أجل تحويل الانتباه نحو إيران، بعيداً عن الصدع في العلاقة بين” واشنطن والرياض.
هذه العلاقة بين البلدين، وفق الإعلام الأميركي، هي في الواقع “معاملات”، لكن في هذه المعاملات تُترك الولايات المتحدة دائماً خالية الوفاض ومثقلة بالتزامات إضافية. وعادةً ما تسمى المعاملة، التي يستفيد فيها طرف واحد فقط، “عملية احتيال”، وهذه هي الطريقة التي يجب أن ينظر فيها إلى العلاقة بالرياض.
السعودية لا تخشى الكونغرس
ومن المشاكل، التي تحدث عنها موقع “ريسبونسبل ستيت كرافت”، أنّ “الحكومة السعودية يمكن أن تطمئنّ إلى أنه ليس لديها ما تخشاه من الكونغرس أو إدارة بايدن، بغض النظر عمّا قد يقوله أي شخص في واشنطن ضد عدد من الانتهاكات وجرائم الحرب التي ترتكبها الحكومة السعودية”. وأضاف أنه “لا توجد أبداً أي عواقب عملية”.
وذكر الموقع أنّ “محمد بن سلمان تعلّم، خلال فترتي إدارتي ترامب وبايدن، أنه يستطيع التغلب على أي رد فعل عنيف، لأنه يمكنه الاعتماد على دعم أميركي موثوق به بغض النظر عن عدد المعارضين الذين يقتلهم، وبغض النظر عن عدد المدنيين الذين تقتلهم قواته ووكلاؤه في اليمن”.
ووفق الموقع، فإنّ “التهديدات الفارغة بالعقاب جعلت ولي العهد أكثر غطرسة وازدراءً للولايات المتحدة”، بحيث يسارع المسؤولون الاميركيون إلى “طمأنته” في كل مرة يقوض المصالح الأميركية، و”من المرجح أن تجعل هذه السياسة ولي العهد أكثر تهوراً في المستقبل، وسيصبح من الصعب كبح جماح انتهاكاته”.
وفي هذا الصدد، قال المؤرخ الأميركي، باري بوزن، للموقع، إنّ السعودية “هي مثالٌ رئيس على كيفية إنتاج “التمكين الأميركي” سلوكاً أسوأ وأكثر زعزعةً للاستقرار، مُطْلِقاً على هذا مصطلح “القيادة المتهورة”.
ووفق الإعلام الأميركي، قد تكون المعاملة التفضيلية الممنوحة للسعودية أكثر منطقية إذا كانت الدولة العميلة (أي السعودية) التي تستوعبها الولايات المتحدة، وتنغمس فيها، موثوقاً بها ومفيدة في تعزيز المصالح الأميركية. أمّا الحكومة السعودية فهي عكس ذلك، إذ إنّ الرياض تعتمد على الأمن، وتشكل عبئاً، والحرب التي شنتها حكومتها، منذ ما يقرب من ثمانية أعوام، ضد اليمن، كانت وصمة عار مزعزعة للاستقرار، وأدت إلى تورط الولايات المتحدة في جرائمها.