تغيير العقيدة النووية..من موسكو الى طهران
العين برس/ تقرير
د. محمد شمص
أحداث متسارعة وحروب تتوسع على نحو مضطرد تُنبىء بظهور عالم جديد متعدد الأقطاب لن يكون الأميركي فيه السيد الأوحد لهذا العالم، فروسيا التي أوغلت في دك العمق الأوروبي، تدق ناقوس الخطر، وتقرع طبول الحرب الكونية الثالثة، فهددت كل من الناتو وأمريكا باستخدام الأسلحة النووية ضد أي دولة تهدد مصالحها حتى لو كانت غير نووية، لقد جاء الرد قوياً ومزلزلاً من موسكو عبر الإعلان عن تغيير العقيدة النووية وصدّق عليها الرئيس الروسي فلادمير بوتين بنفسه، ذلك بعد أن كشر الغرب الجماعي عن أنيابه، وأعطى الضوء الأخضر لأوكرانيا باستخدام صواريخ استراتيجية لضرب روسيا.
إيران وتغيير العقيدة النووية
وفي غربي آسيا الذي يشهد عدواناً إسرائيلياً أميركياً غير مسبوق على غزة ولبنان ودول المنطقة لا سيما محور المقاومة، تتزايد الدعوات في الجمهورية الإسلامية لضرورة تغيير العقيدة النووية في مواجهة غرب متغطرس، ونظام مجرم في فلسطين المحتلة يهدد طهران ويتوعدها بعدوان جديد برعاية وشراكة الناتو والولايات المتحدة الأميركية، وقد ارتفع عدد الموقعين على الرسالة لمجلس الأمن القومي الإيراني من النواب الى 43 نائباً يطالبون بتغيير العقيدة النووية لا سيما في مواجهة هذا الصلف الإسرائيلي، ونتيجة “حسابات خاطئة” لدى العدو، وعدم معرفة إيران وقدراتها وحكمة وشجاعة قيادتها، فعدم حصول الرد الإيراني على العدوان الإسرائيلي الأخير حتى الساعة فهمه البعض في تل أبيب بأنه ضعف، إلا ان القيادة السياسية والعسكرية في إيران وقّتت الرد على اللحظة السياسية التي يمكن ان يخدم فيها الرد جبهات محور المقاومة، وان لا يكون الرد عسكرياً مؤلماً وموجعاً للعدو فحسب، بل استراتيجياً ومؤثراً على مسار الحرب القائمة بين دول المحور والكيان الإسرائيلي، وداعماً لجبهات القتال لا سيما في لبنان وغزة.
عراقجي: إذا شعر العدو بتردد في جبهتنا سيهاجم إيران مجددا
وزير الخارجية عباس عراقجي أوضح لقادة من الحرس الثوري في لقاء جمعه معهم قبل يومين لماذا يجب ان يكون الرد الإيراني حتمياً وضرورياّ، وقال إن العدو إذا شعر بوجود أي تردد او ضعف لدينا سيعيد الكرة ويهاجم إيران مجدداً، لهذا فإن الرد الإيراني قادم لا محالة، وعملية الوعد الصادق 3 حتمية، وعن طبيعة الرد ونوعه وتوقيته تؤكد مصادر مطلعة في طهران ان الرد سيكون عسكرياً يستهدف مقار وقواعد ومنظومات دفاع ومصانع أسلحة ومطارات عسكرية لجيش الاحتلال ونقاط جديدة لم تستهدف في عملية الوعد الصادق 2، مستخدمة أنواع الصواريخ البالستية فرط الصوتية والمسيّرات الضخمة، بالتزامن مع شن هجوم سايبيري واسع النطاق يستهدف غرف القيادة والعمليات ووزارة الحرب ورئاسة الأركان والاستخبارات في تل أبيب.
متى سيأتي الرد الإيراني على إسرائيل؟
وتؤكد المصادر ان الرد لن يتأخر الى ما بعد استلام ترامب مقاليد السلطة في واشنطن في العشرين من كانون الثاني يناير 2025، بل في عهد الرئيس الديموقراطي الحالي جو بايدن، لعدة اعتبارات أهمها ان إدارة بايدن هي من أعطت الضوء الأخضر للكيان لشن عدوانه الأخير ضد الجمهورية الإسلامية، والأمر الثاني، ثمة مساعي ورسائل من إدارة ترامب الجديدة لطهران تظهر رغبة بالتوصل الى اتفاق او تفاهم حول البرنامج النووي الإيراني، وقضايا أخرى إقليمية ودولية. وفي المقابل، أظهرت طهران عبر القنوات الدبلوماسية استعدادها لاستئناف الحوار مع الغرب في إطار السداسية الدولية 5+1.
تعتمد إيران في مواجهة التهديدات الإسرائيلية الأميركية المستمرة على قدراتها العسكرية من المخزون الهائل للصواريخ البالستية المتطورة، والمسيّرات الضخمة، ومنظوماتها الدفاعية المنتشرة بالآلاف بالقرب من المنشآت النووية والحساسة والحيوية والمقرات والقواعد العسكرية والمطارات، وعلى موقعها الجيوبوليتيكي وإشرافها على المسطحات المائية والمضائق البحرية وحيزاً كبيراً من الملاحة الدولية، وعلى شعبها وقواتها المسلحة المتوثبة والجاهزة لأي حرب محتملة، إلا ان وحشية الكيان وما فعله في غزة ولبنان ومعه الغرب الجماعي يدفع بالإيرانيين الى التفكير ملياً لتغيير العقيدة النووية وامتلاك السلاح الذري الرادع في مواجهة حرب قد تكون وجودية. ويؤكد خبراء نوويون إيرانيون أنهم قادرون على تصنيع القنبلة الذرية في أيام معدودة، لا سيما وان تخصيب اليورانيوم الآن هي بنسبة نقاء 60%، وتفصلها مسافة صغيرة لتخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء 90 % الذي تحتاجه القنبلة الذرية. الأمر الذي يقلق الغربيين الذين بدأوا بفرض عقوبات جديدة على إيران، ويمارسون عليها الضغوط القصوى، فيما لوّحت الوكالة الدولية للطاقة الذرية – إحدى الأذرع الغربية والأميركية للهيمنة على العالم- بإصدار قرار جديد يدين طهران، فردت عليه الجمهورية الإسلامية بانها ستضطر حينها بالرد والقيام بخطوات متقدمة في البرنامج النووي وفق وزير الخارجية عباس عراقجي.
إيران وتصنيع الصواريخ العابرة للقارات
ثمة أمر آخر يثير المخاوف الغربية، ويطلق هواجسهم، هو الصواريخ العابرة للقارات، حيث تمتلك إيران نظرياً هذه القدرات لكنها احتراماً لمخاوف الأوروبيين لم تنتج صواريخا يصل مداها الى أكثر من 2000 كيلومتر، إلا ان إيغال الغربيين وتماديهم في معاداة إيران وتهديدها المستمر سيدفعها الى تصنيع الصواريخ العابرة للقارات، وفق مسؤولين إيرانيين بما يجعل كافة العواصم الأوربية تحت مرمى صواريخ إيران المدّمرة.
الإمام الخامنئي: علينا ان نتفوق بالعلم والتكنولوجيا والسلاح
وكي لا تتكرر الحوادث والأحزان والمآسي كما في غزة ولبنان، وكي لا يقوم الإسرائيلي والأميركي بالاعتداء وتدمير ما دمره بفعل القوة التدميرية الهائلة التي يمتلكها، والتفوق في سلاح الجو، والغطاء الدولي الممنوح لهذا الكيان وجرائمه، يؤكد الإمام الخامنئي انه من أجل منع تكرار هذا الأمر مجدداً علينا أن نكون أكثر تقدماً في العلم والتكنولوجيا والسلاح.
ونقتبس من كلام السيد الخامنئي قوله بتاريخ 2-10- 2024: “يجب أن ننتصر على أعدائنا بالتفوّق العلميّ. إن كنّا قد حقّقنا تفوّقًا في مكانٍ ما، فإنّ ذلك يحدث بفضل التفوّق العلميّ والتكنولوجيا. لقد كتبتُ هنا ملاحظةً أنّ التفوّق العلميّ والتكنولوجيّ يمكن في بعض الأحيان أن يقطع يد العدوّ عن الإضرار بجماعات كبيرةٍ مثل غزّة أو الضاحية”. ويضيف” فلو كنّا أكثر تقدّمًا في مجال التسليح مثلًا ممّا نحن عليه اليوم؛ لكان ذلك قد ترك تأثيره على المنطقة حتمًا، كان يمكن أن يمنع إشعال هذه الحروب التي تحرق القلوب والأرواح، أو أن يخمدها. الحركة العلميّة والتفوّق العلميّ لهما هذا النّوع من التأثير أيضًا.”
لا ريب اننا في عصر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لهذا بات ملحاً وضرورياً إعادة النظر فيهما ووضعهما هدفا مهماً من الأولويات، وليس مجرد نقاش وترف فكري يتناوله الخبراء “الفطاحلة” في المؤتمرات والندوات، وأمام شاشات التلفزة، فالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي تدعم الأسلحة الاستراتيجية الرادعة، وقد بات معلوماً للجميع ان الكلام الفصل اليوم للصواريخ وليس للحوار من أجل الحوار، بل إن الصواريخ والمسيّرات والنووي هي المفاوض الأول والأخير الذي يؤدي بالضرورة الى سلام وتفاهمات واتفاقات حقيقية تعيد الهدوء والاستقرار والأمن الى منطقتنا ودولنا وشعوبنا.
الكاتب:
د. محمد شمص
-إعلامي وباحث سياسي.
– استاذ الإعلام في الجامعة اللبنانية.
-دكتوراه في الفلسفة وعلم الكلام.
– مدير موقع الخنادق الالكتروني.
المصدر: موقع الخنادق