يتوقَّع أن توظّف كل من السلطة السياسية التركية والمعارضة التفجير على نحو يضمن تعزيز مصالح كل طرف منهما خلال المعركة الانتخابية المقبلة.
التقى الرئيسُ التركي، رجب طيب إردوغان، الرئيسَ الأميركي، جو بايدن، على هامش قمة قادة مجموعة العشرين في بالي، إندونيسيا، في 15 تشرين الثاني/نوفمبر، بحيث أعرب بايدن عن تعازيه الحارة للرئيس إردوغان وشعب تركيا بسبب أعمال العنف في إسطنبول، وأوضح أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب حليفتها في الناتو”، على الرغم من تصريحات وزير الداخلية، سليمان صويلو، ورفضه تعزية السفارة الأميركية في إثر التفجير في إسطنبول في شارع تقسيم السياحي، بسبب ما تعدّه الحكومة التركية دعم الولايات المتحدة لوحدات الشعب الكردي و”قسد” في شمالي سوريا.
اعترفت امرأة، بعد القبض عليها، بحسب التحقيقات، بقيامها بالتفجير، وبأنها أتت من عين العرب/كوباني مع عدد من أفراد الخلية التي نفّذت الهجوم.
بدا التوقيت، قبل توجّه إردوغان إلى بالي، كأنه رسالة إلى الولايات المتحدة، التي تسعى للحصول على موافقة تركيا بشأن دخول السويد وفنلندا الناتو.
حصل إردوغان على صفقة “F-16″، لكن مشكلته مع واشنطن ما زالت في شمالي سوريا مع “قوات سوريا الديمقراطية”. تقوم القوات العسكرية التركية بعمليات في شمالي العراق، مدعومة من الحزب الديمقراطي الكردستاني، ضد حزب العمال الكردستاني، في حين هدّد قادةٌ في حزب العمال بأنه إذا لم تتوقّف العمليات التركية فإنهم “سينقلون الحرب إلى المدن”، واتهموا الرئيس السابق لحزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين دميرطاش، الذي دان هجوم العمال الكردستاني على مساكن للشرطة في مرسين، في 26 أيلول/سبتمبر الماضي، بمهادنة السلطة وإدانة حزب العمال على رغم الضربات التي يتلقاها.
يتّهم حزب العمال الكردستاني تركيا باستخدام أسلحة كيميائية في عمليتها، “قفل المخلب”، التي تستمر في شمالي العراق من نحو 4 أشهر متتالية. لا يتّفق كل من الاتحاد الأوروبي والسويد مع مطالب أنقرة وعملياتها في مكافحة ما تسميه إرهاباً، لكن إذا لبّت السويد مطالب تركيا بتسليم أعضاء من حزب العمال الكردستاني وجماعة فتح الله غولن، فإن موقف الولايات المتحدة سيصبح، بالنسبة إليها، أكثر وضوحاً.
ومن المُتوقَّع أن توظّف كل من السلطة السياسية التركية والمعارضة التفجير على نحو يضمن تعزيز مصالح كل طرف منهما خلال المعركة الانتخابية المقبلة.
من المُتوقَّع أن يتخذ إردوغان عمليةَ تقسيم ذريعةً لإعادة الضغط بشأن موضوع حل حزب “الشعوب الديمقراطي”، ذي الأغلبية الكردية، وتشديد الرقابة والقبضة الأمنيتين، وفرض القيود على المجتمع التركي، فضلاً عن شن حملة واسعة من الاعتقالات ضد كل من يُشتبَه فيه أو في صلته بأي جهة، سواء كانت تابعة لحزب العمال الكردستاني أو لـ”داعش” أو لتنظيمات يسارية معارضة، في إطار حملة لحماية الأمن القومي التركي، وعلى نحو يخدم مصلحته، ويحاول الحد من حرية مُعارضيه خلال مرحلة الاستعداد للانتخابات.
يمكن أن يتخذ أيضاً من الاتهامات الموجَّهة إلى الفصائل الكردية السورية، مُبرِّراً ومُسوِّغاً لتسريع وتيرة العملية العسكرية في الشمال السوري، التي أعلنها مؤخراً، سواء لتأمين حدود تركيا الجنوبية من خطر الإرهاب العابر للحدود، أو من أجل استكمال مسار عودة اللاجئين السوريين وتأمين المنطقة الآمنة، والتي يريد فرضها، مستغلاً العلاقة الوطيدة بموسكو التي فرضتها الحرب الأوكرانية، وجهود الوساطة في أكثر من صعيد، وانشغال إيران بالاتفاق النووي وبوضعها الداخلي.
أتت العملية رسالةً إلى المجتمع الدولي، عشية اجتماع قمة الـ20، لتكون بمثابة إعلان إردوغان الحرب على كل ما يمتّ إلى حزب العمال الكردستاني بصلة، أي “قوات سوريا الديمقراطية” والحماية الأميركية لها. يمكن للعملية أن تخدم شعبية إردوغان في الداخل التركي قبل موعد الانتخابات، باعتبارها حماية للأمن القومي التركي، وحلاً لأزمة ملف اللاجئين، وضمان المنطقة الأمنية التي يريدها في سوريا.
أمّا المعارضة فبدأت توظيف العملية عبر توجيه النقد إلى سياسة الحكومة وعدم كفاءتها في تأمين الحدود التركية – السورية، على رغم تنامي التهديدات الإرهابية العابرة لحدود تركيا. وهي بدأت تصعّد وتزيد في حدة مهاجمتها السلطات التركية، واتهامها لها بالتخاذل، غير أن زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهجلي، الحليف السياسي لإردوغان، استبق هجوم المعارضة وصوّب نحو حزب الشعوب الديمقراطي، وجدّد دعوته إلى حظره، مصرّحاً بأنه لا يريد انفصاليين في البرلمان، ولم يعد في إمكان تركيا تحمّل بقاء حزب الشعوب الديمقراطي جُزءاً من النظام السياسي التركي، واتَّهمه بتجنيد الناس لمصلحة الجماعات الإرهابية.
وكان بهجلي، للمفارقة، دافع الأسبوع الماضي، على نحو مفاجئ، عن لقاء الحزب الحاكم وحزب الشعوب الديمقراطي، من أجل مناقشة التغييرات الدستورية. يبدو أن زيارة حزب العدالة والتنمية لمقر حزب الشعوب الديمقراطي، ومحاولة الوقوف على رأيه في قضية دستورية، أقنعتا العدالة والتنمية بأن الحزب، صاحب الأغلبية الكردية، متصلّب في مواقفه تجاه أدنى تعاون معه.
وبما أنه، بحسب استطلاعات الرأي، يشكل نقطة التوازن الرئيسة، التي يمكنها أن تدعم أحد أفرقاء الصراع الانتخابي، وتقف بالمرصاد للنظام الرئاسي، فلا شك في أن لحزب الشعوب الديمقراطي مطالبَ لا يستطيع إردوغان الوفاء بها، أهمها إخراج عبد الله أوجلان من إقامته الجبرية في سجن إميرلي، والسماح له بممارسة العمل السياسي عبر تأليف حزب، وإطلاق سراح كل النواب ورؤساء البلديات وأكثر من 450 من القيادات الكردية، الموجودين في السجون التركية.
العملية يمكن أن تشكّل مؤشّراً على بدء المعركة الانتخابية خلال المرحلة المقبلة، ولاسيما أن الرئيس التركي أعلن، في الذكرى الـ99 لتأسيس الجمهورية، في خطابه، أن المئوية الأولى كانت مئوية الاستقلال أو ما يعرف بـ”عيد الجمهورية”، والمئوية الثانية هي مئوية المستقبل. وحدّد سمات المئوية أو القرن الثاني بالاستدامة، والهدوء، والتنمية، والقيم، والقوة، والنجاح، والسلام، والاتصال، والرقمية، وغيرها. وقدم رسالة ثقة بفوز حزبه في الانتخابات المقبلة، فهو أكد أنه يمتلك رؤية بعيدة المدى للبلاد، وركز على الحاجة إلى دستور مدني يحلّ مكان دستور عام 1982 المعمول به، وعلى أن أولوية بلاده في المئوية المقبلة ينبغي لها أن تكون صياغة دستور جديد. ولخّص مسار “تركيا الجديدة”، أو “تركيا القوية بالعلم والصناعة والصحة والسلاح”، وتطرّق إلى أهمية فكرة التفوق الأخلاقي.
أتى إعلان “مئوية تركيا” شعاراً للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، المقرّر إجراؤها بعد 7 أشهر، وأفرد جزءاً من حديثه عن إنجازات حزبه خلال الأعوام الـ20، التي حكم فيها البلاد. عبّر الخطاب الطويل عن رسالة ثقة بأنه متأكد من الفوز في الانتخابات المقبلة، بينما أتت تصريحاته قبل العودة من بالي، بشأن إعادة النظر في العلاقات بدمشق والقاهرة، بمثابة وعود، لكن بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، بحيث يرى إردوغان أنه وضع الأمور في السكة السياسية، لكن تركيا ستتفرغ لمعاركها الداخلية، مستعينةً بحاجة الدول الكبرى في صراعاتها إلى وجود” تركيا القوية”.
المصدر: الميادين