يسعى الغرب لتأمين بدائل عن الغاز والنفط الروسيين منذ بداية القرن الحادي والعشرين، عبر سلسلة من مشاريع الأنابيب التي تجعل من تركيا مركزاً أساسياًً، ويجعل “كل الخطوط تمر عبر تركيا”.
حظي لقاء القمة الثلاثية في طهران، والذي جمع الرؤساء: بوتين ورئيسي وإردوغان، باهتمام بالغ، وذلك بسبب المواضيع التي طرحت في القمة، والمبادرة التي كان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قد أطلقها للتوصل إلى حلّ لمسألة التهديد التركي بعملية عسكرية في الشمال السوري، بالإضافة إلى أنها أتت عقب زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة، فظهرت قمة طهران وكأنها ردّ على تلك الزيارة.
عملياً وواقعياً، لا يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان حالياً في وارد التموضع في أحلاف، والوقوف ضد سياسة الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، ولا الانخراط في الحلف الغربي ضد روسيا.
لتركيا حساباتها الخاصة ومصالحها مع الحلفين المتقابلين، ولإردوغان حساباته الشخصية في هذا الإطار، بالإضافة إلى أن الأتراك على أبواب انتخابات هامة ستحصل في السنة القادمة، وعلى إردوغان أن يحاول العودة كرئيس، وأن يحصّل لحزبه العدد الأكبر من المقاعد النيابية.
وبما أن الصراع في المنطقة والعالم يتمحور بشكل أساسي حول أنابيب الطاقة وإمداداتها، فإن الأتراك، وبحكم موقعهم الجغرافي، قادرون على أن يحققوا مكاسب استراتيجية هامة لدولتهم، ما يجعلها مركزاً ومحوراً للطاقة.
كيف أصبحت تركيا “محوراً مركزياً للطاقة”؟
يسعى الغرب إلى تأمين بدائل عن الغاز والنفط الروسيين منذ بداية القرن الحادي والعشرين، عبر سلسلة من مشاريع الأنابيب التي تجعل من تركيا مركزاً أساسياً، ويجعل “كل الخطوط تمر عبر تركيا”.
1- بدائل الغاز من آسيا الوسطى عبر تركيا
أ- خط نابوكو: Nabucco
بدأ التفكير في المشروع عام 2002، وتمّ التوقيع عام 2009. بدأ في الأساس كمشروع يهدف إلى نقل الطاقة من تركمنستان وأذربيجان إلى جورجيا وتركيا، ثم إلى أوروبا. لكن عوامل عديدة جعلت هذا الخط غير ذي جدوى، إذ أصبح خطاً لا يجد من يمدّه بالغاز، فتمّ التخلي عنه.
كان من المفترض أن يكون العراق وإيران مصدرين محتملين للغاز في خط نابوكو، بالإضافة إلى أذربيجان وتركمنستان، وبات معيار نجاح نابوكو من عدمه يعتمد بشكل أساسي على مشاركة إيران فيه.
بالإضافة إلى امتلاكها احتياطيات غازية ونفطية هائلة، وكونها صاحبة ثاني أكبر احتياطي بعد روسيا، تشكّل إيران معبراً مثالياً لنقل الغاز التركماني إلى تركيا ومنها الى أوروبا عبر خطوط الأنابيب الإيرانية، ولتخطي النزاعات القانونية الدولية التي أثارتها روسيا حول بحر قزوين.
تأخر الاتفاق النووي مع إيران، وكانت العقوبات الأممية المفروضة على عليها عائقاً أمام إمكانية مساهمتها في تأمين الغاز لخط نابوكو، ما جعل الأنبوب بلا جدوى، وتوقف العمل فيه عام 2013.
ب- خط تاناب Tanap: تمّ توقيع اتفاق الشراكة لمشروع تاناب عام 2015، وجرى تدشينه في عام 2018.
عدم القدرة على تأمين غاز لنابوكو، أدى إلى اكتفاء مشروع خط تاناب بنقل الغاز الآذري إلى أوروبا عبر تركيا. ووجود أرمينيا كدولة معادية لكل من أذربيجان وتركيا، جعل هذا الخط يمر في الأراضي الجورجية ثم إلى تركيا، ما يعني كلفة أكبر.
يشير العديد من الخبراء إلى أن أحد أهداف الحرب على أرمينيا ومطالبة أذربيجان وتركيا بممر ناخيتشفان، تقليص مسافة النقل بين أذربيجان وتركيا عبر إقليم ناخيتشفان الآذري المحاذي لتركيا.
2- خطوط الغاز الروسية البديلة عبر تركيا
أ- السيل الجنوبي:
بمواجهة المشاريع الأوروبية، قرر الروس إطلاق مشروع السيل الجنوبي، والذي يهدف إلى نقل الغاز الروسي إلى أوروبا الوسطى عبر البحر الأسود وبلغاريا. قام الاتحاد الأوروبي بعرقلة هذا الخط بذريعة البيئة أحياناً، ووضع عراقيل لوجستية وقانونية أحياناً أخرى. أدرك الروس أن هناك فيتو أميركياً وأوروبياً على المشروع، فتم إيقافه، والاستعاضة عنه بأنابيب “السيل التركي”.
ب- السيل التركي:
كان خط “السيل الأزرق” الذي تمّ بدء العمل فيه عام 2005، أول خط أنابيب غاز مباشر بين روسيا وتركيا تحت البحر الأسود.
عام 2014، وبعد المشاكل التي حصلت بين روسيا وأوروبا على خلفية ضمّ القرم، أعلن بوتين إطلاق مشروع “السيل التركي”، خلال زيارته لتركيا عام 2014. تأخر المشروع بعد إسقاط الأتراك طائرة روسية في سوريا، ولكن العمل استؤنف لاحقاً، وبدأ الغاز الروسي بالتدفق في تلك الأنابيب عام 2020، ليكون هذا الخط بديلاً عن خط أوكرانيا ورومانيا، لتأمين إمدادات الطاقة إلى بلغاريا ومقدونيا الشمالية. أدّت الحرب الأوكرانية إلى قطع إمدادات الغاز إلى بلغاريا.
3- خطوط الغاز لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا:
أ- مشروع “شرق المتوسط”:
بدأ التفكير في إمكانية تأمين الغاز إلى أوروبا من شرق المتوسط عام 2019، عبر مشروع “شرق المتوسط”، وهو عبارة عن خطوط تربط “إسرائيل” بقبرص واليونان وإيطاليا بطول 1900 كلم. الهدف منه نقل10 مليارات متر مكعب سنوياً من “إسرائيل” إلى قبرص، ثم جزيرة كريت اليونانية، بعدها إلى البر اليوناني وإلى شبكة الغاز الأوروبية عبر إيطاليا.
ب- الاتفاقيات الأوروبية – المصرية- الإسرائيلية
تتحضّر “إسرائيل” لتصدير الغاز إلى أوروبا خلال الخريف القادم. قام الأوروبيون فعمدوا إلى توقيع اتفاقيات مع كل من مصر و”إسرائيل” لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر، التي تقوم بتسييله، ثم تنقله إلى أوروبا وهو الخيار الأسهل والأسرع حالياً.
ج- مشروع الخط التركي- الإسرائيلي:
تعمل “إسرائيل” وتركيا برعاية أوروبية، على مشروع لمدّ خط أنابيب يربط بين “إسرائيل” وتركيا، وهو يحتاج إلى 3 أعوام تقريباً ليصبح جاهزاً لتأمين الغاز لأوروبا، وكلفته أقل بكثير من كلفة أنابيب “شرق المتوسط”.
في النتيجة، إن الصراع على خطوط أنابيب الطاقة، والذي استعر بعد الحرب الأوكرانية، لا شكّ بأنه يجعل من تركيا مركزاً رئيسياً للطاقة. وعليه، فإن الأتراك غير معنيين بالتموضع في محاور دولية، بل ستكون سياستهم الخارجية أقرب إلى “صفر مشاكل” أو “علاقات جيدة مع الجميع للاستفادة من الجميع”.
المصدر: الميادين