تحليل معركة المسافة صفر: حزب الله يجر العدو الى معركة استنزاف
العين برس/ مقالات
كامل المعمري
شهدت بلدة بليدا ورامية في جنوب لبنان أول مواجهة مباشرة بين مقاتلي حزب الله وقوات العدو الإسرائيلي، في اشتباك يعتبر الأكثر شراسة منذ بدء العملية البرية. ففي بلدة البليدا وقعت الاشتباكات عند مرتفع كنعان، وعلى مسافة صفر، وفي رامية عند خلة وردة حيث خاض الطرفان معركة عنيفة كاشفة عن مرحلة جديدة من الصراع . هذه الاشتباكات تأتي في ظل مساع العدو للسيطرة على تلال استراتيجية تشكل المفتاح لتقدم أكبر، في وقت تواصل فيه المقاومة إظهار قدرات ميدانية عالية في صد التقدم ومنع أي اختراق للنسق الدفاعي الأول.
الاشتباك من المسافة صفر يعني أن العدو قد تجاوز مرحلة الاستطلاع، ظنا أنه أصبح جاهزا للتقدم والسيطرة.ولكن ما غاب عن حساباته هو أن المقاومة الإسلامية ليست مجرد هدف ينتظر الاستهداف، بل هي قوة متمرسة تتقن خوض المعارك من كل زاوية وتفاصيل الميدان
وبما انه هذا الالتحام الاول او القتال من المسافة صفر والمستمر منذ الصباح لابد من تحليل عدة عناصر بارزة من منظور العمليات البرية، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالمقاومة والتكتيكات التي تتبعها.
أولا من الواضح أن حزب الله يتمتع بقدرة عالية على المناورة والمرونة في الخطوط الأمامية القتال من مسافة صفر في منطقة مثل مرتفع كنعان يُعتبر تحديا كبيرا، إذ إن مثل هذه الاشتباكات تتطلب تخطيطا تكتيكيا دقيقا، وقدرة على إدارة المعارك في ظروف تضيق فيها خيارات المناورة.
قدرة مقاتلي الحزب على التكيف مع هذه الظروف والاشتباك المباشر تعكس خبرة عميقة في تكتيكات حرب العصابات، والتي يتميز بها مقاتلو المقاومة ، حيث يتقنون أساليب الكمائن والتسلل التي تربك قوات العدو وتجعله أكثر عرضة للضربات المفاجئة.
ثانيا عمليات العدو في هذه المرحلة، والتي تركز على تدشين رؤوس جسور لنقل قوات أكبر، تعتبر بالنسبة له خطوة ضرورية لأي تقدم بري.
العدو يحاول أن يؤمن الحواف الأمامية، وهي مرتفعات لها أهمية استراتيجية كبيرة، إذ تمنح المسيطر عليها ميزة تفوق كبيرة في التحكم بمسرح العمليات. ورغم ذلك، فإن الإخفاق المستمر لقوات النخبة في العدو في تحقيق هذا الهدف يدل على فشلهم في فهم أو مجابهة تكتيكات الدفاع المرن التي يعتمدها حزب الله.
الدفاع المرن، والذي يعتمد على عدم التمسك الكامل بالأرض بل التركيز على إيقاع الخسائر بالعدو وتعطيل تقدمه، يتطلب مستوى عاليا من التنسيق والتخطيط المسبق لكن في هذه الحالة، نرى أن حزب الله قد استطاع التمسك بالأرض أكثر مما يتطلبه الدفاع المرن، وهو ما يعكس قوة في التحصينات الأرضية، وربما تحضيرات هندسية تجعل من الصعب على العدو اختراق النسق الأول من الدفاعات.
ايضا فان القدرة على إحباط محاولات التسلل والسيطرة على مواقع مثل تل المدوّر في رامية تُظهر بوضوح تفوقا استراتيجيا وميدانيا لمقاتلي حزب الله. فرغم أن العدو يستخدم وحدات النخبة ويحاول استغلال التمهيد الناري لفتح ثغرات، إلا أن المقاومين يتمكنون من صد هذه المحاولات بشكل مستمر. وهذا يشير إلى أن هناك تفوقا في الاستخبارات الميدانية لحزب الله، حيث يتمكنون من رصد تحركات العدو وتوقعها، وبالتالي، تفعيل خطط دفاعية ناجحة.
أخيرا، أحد أبرز النقاط التي يجب التوقف عندها هي الروح المعنوية العالية لمقاتلي حزب الله. القدرة على التمسك بالأرض، خاصة في المراحل الأولى من الاشتباكات البرية، تحتاج إلى صلابة نفسية وبأسٍ شديد. مقاتلو حزب الله يظهرون قدرة على مواجهة العدو في ظروف صعبة، والاستمرار في إحباط محاولاته، ما يعكس تمسكهم الكبير بالميدان، واستعدادهم لتحمل أثقل أنواع الضغوط العسكرية.
في المحصلة، نجد أن حزب الله يثبت في هذه المرحلة أنه قادر على مجابهة العدو في مراحل متقدمة من الهجوم البري، ويمنع تحقيق أي مكاسب ميدانية ذات قيمة، مما يؤخر عمليات العدو ويستنزف قواه في ساحة لا يتقن السيطرة عليها بنفس مهارة المقاومة.
وبالتالي فإن حزب الله في وضعية أفضل من جيش الاحتلال الذي يحاول الهجوم. هناك عدة أسباب واضحة تجعل المقاومة تتمتع بتفوق تكتيكي واستراتيجي:
أولا، المقاومة في موقع دفاعي، وهي ميزة كبيرة في الحرب البرية، خاصة في بيئة جغرافية معقدة مثل الجنوب اللبناني وحزب الله يعرف الأرض جيدا ويستغل طبيعتها الجبلية والوعرة في نصب الكمائن والتحصينات التي تجعل التقدم البري للعدو بطيئا وخطيرا لأن الأرض هنا تصبح سلاحا بحد ذاته في يد المقاومة.
ثانيا حزب الله يتمتع بخبرة قتالية كبيرة في مواجهة العدو الإسرائيلي، وهو ما يجعله قادرا على استيعاب تكتيكات العدو واستباقها.
الاشتباك من مسافة صفر دليل واضح على نجاح حزب الله في التعامل مع مراحل العدو التمهيدية، مثل الاستطلاع الناري ومحاولات الاختراق، وإفشالها.
ثالثا الهجوم دائما أكثر تعقيدا وتكلفة من الدفاع.
و جيش الاحتلال يُجبر على التحرك في تضاريس غير مألوفة، بينما يتحصن حزب الله في مواقع محصنة ومتينة.
في هذه الحالة، يصبح الجهد الذي يبذله العدو أكبر بكثير، ويصبح عرضة أكثر للهجمات المفاجئة من المقاومة
في المحصلة، جيش الاحتلال قد يمتلك التفوق العددي والتكنولوجي، ولكن حزب الله يمتلك التفوق الميداني والمعنوي والتكتيكي، مما يجعله في وضعية أفضل لمواجهة الهجوم وإحباطه.
– صحفي متخصص في الشأن العسكري
المصدر: عرب جورنال