تحرير فلسطين، الحجر الأساس لفكر ومدرسة الشهيد سليماني
العين برس/ تقرير
يرى العديد من المحللين والاستراتيجيين العسكريين أن تحرير فلسطين من براثن الكيان المحتل للقدس تعتبر الحجر الأساس لفكر الحاج قاسم السياسي ومدرسته العقائدية.
“الدفاع عن فلسطين يجلب العزة والشرف”. هذه الكلمات جزء من إجابة الشهيد سليماني على رسالة ابو خالد، قائد فصائل عز الدين القسام في ربيع عام 2019. إن دعم الفصائل الفلسطينية من منظور القائد السابق لفيلق القدس، لا يقتصر فحسب على المصالح الوطنية لإيران، بل كانت بمثابة فريضة دينية لدى شهيد القدس. في منظومة الحاج قاسم الفكرية، كان لجميع التطورات الجارية في منطقة غرب آسيا، وجهة واحدة وهي فلسطين المحتلة. إذا كانت إيران قد لبت نداء الحكومات المركزية في بغداد ودمشق من أجل دحض فتنة الإرهاب السلفي – التكفيري فإن ذلك جرى بهدف إفشال مشروع الحرب الطائفي ومنع نسيان القضية الفلسطينية بين الشعوب المسلمة. وعلى هذا الأساس، يرى العديد من المحللين والاستراتيجيين العسكريين أن تحرير فلسطين من براثن الكيان المحتل للقدس تعتبر الحجر الأساس لفكر الحاج قاسم السياسي ومدرسته العقائدية.
فلسطين؛ قلب سياسات إيران الإقليمية
بعد العدوان الشامل الذي شنته آلة حرب بوش الابن على أفغانستان والعراق، تطرق العديد من القادة العسكريين إلى احتمال نشوب صراع عسكري بين طهران وواشنطن. ووصف رئيس الولايات المتحدة آنذاك طهران بأنها جزء من “محور الشر” وحاول تصوير إيران على أنها تهديد للسلام العالمي. كانت إحدى مبادرات الحاج قاسم سليماني ورفاقه آنذاك، توظيف إمكانيات المسلمين في المنطقة لإنشاء محور مقاومة ضد التحالف الأمريكي والكيان الصهيوني. وفي هذه الاستراتيجية، كانت فلسطين “طليعة” محور المقاومة ضد الاستعمار الغربي في منطقة الشامات. بمعنى آخر، يجب على جميع فصائل المقاومة أن تكون حساسة دائمًا للتطورات الجارية في فلسطين المحتلة وأن تسارع لمساعدة قوى المقاومة في الضفة الغربية وقطاع غزة في الأزمات.
بحسب شهادات أدلت بها قوات تابعة لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، فقد قام الحاج قاسم سليماني خلال المعارك بين قوات المقاومة والكيان الصهيوني برصد ساحة المعركة مراراً بشكل مباشر وغير مباشر، وتقديم مساعدات استشارية.
على سبيل المثال، أعلن أحمد عبد الهادي، عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية في لبنان، عن زيارت متكررة أجراها الشهيد سليماني إلى قطاع غزة. وقد لعب هذا القائد الإيراني البارز أيضًا دورًا ملحوظا في تشكيل الهياكل الدفاعية في غزة. فإن فشل آلة الحرب الإسرائيلية اليوم خلال المعركة البرية مع حماس؛ هو نتيجة فكر هذا الشهيد النبيل واستراتيجياته الدفاعية لحماية أرض فلسطين من العدو الصهيوني.
كما أشار أسامة حمدان عضو حركة الجهاد الإسلامي إلى دور الشهيد سليماني في حرب الـ 22 يوما وتحدث عن رفقته الدائمة مع قوى المقاومة وتوجيههم في ساحة المعركة. ويبدو أن القائد السابق لفيلق القدس كان له دائما حضور فعال ونشط خلال الحرب بين الكيان الصهيوني وفصائل المقاومة في لبنان وفلسطين.
تسليح المقاومة في غزة
بعد إعلان وجود الكيان الصهيوني على الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، كان الصهاينة دائما منتصرين في المعارك الكلاسيكية ضد الجيوش العربية. على الرغم من هذا وبعد انسحاب شارون من قطاع غزة عام 2005 وصعود حركتي المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي في هذه المنطقة الفلسطينية، تغيرت المعادلات العسكرية – الأمنية لصالح محور المقاومة.
فقد قال قائد الثورة الإسلامية حول دور هذا الشهيد الجليل في تسليح الفصائل الفلسطينية: هذا الرجل ملأ يد الفلسطينيين. لقد فعل شيئا بحيث تتمكن منطقة صغيرة كقطاع غزة من الوقوف بوجه الكيان الصهيوني بكل تشدقه ومزاعمه. لقد لقنهم درسا بحيث أصبحوا يطلبون هدنة بعد 48 ساعة. هذا ما فعله الحاج قاسم سليماني. لقد ملأ أيديهم.
تجهيز قوات حماس بمسيرة شهاب الهجومية
خلال العقدين الأخيرين، كان أحد أهم مقومات القوة لدى المقاومة هو تسليح الفصائل الفلسطينية بمختلف أسلحة الردع ضد الكيان الصهيوني. أطلقت فصائل المقاومة خلال معركة طوفان الأقصى أكثر من 4000 صاروخ باتجاه الأراضي المحتلة خلال 80 يوما. وحاليا، تمتلك حركتا حماس والجهاد الإسلامي طائرات مسيرة من طراز “قاصف” و”أبابيل” و”شهاب”. في عام 2018، أعلن ناصر أبو شريف، ممثل الجهاد الإسلامي، خلال زيارته إلى طهران، أن الشهيد سليماني أشرف على تدريب العديد من قوات حماس والجهاد الإسلامي إنتاج وتجميع جميع أنواع الصواريخ دربتهم قوات فيلق القدس التابع لحرس الثورة. وقد أعطت هذه المساعدة الإستراتيجية الإمكانية للمجاهدين الفلسطينيين ليكونوا قادرين على إنتاج الأسلحة الدفاعية التي يحتاجونها محليا في هذه المنطقة والدخول في مرحلة التنفيذ.
تحرير القدس؛ سر الظهور
كان أحد التأكيدات المستمرة للشهيد سليماني على قضية “القدس” هو تجنب التكتل الطائفي أو السياسي. وشدد دائما على أنه في القضية الفلسطينية، يجب على الجمهورية الإسلامية الإيرانية فقط دعم الحركات السنية وعدم الإيمان بخلق منافس للجماعات الفلسطينية. هذا الموقف الاستراتيجي الذي اتخذه كبير قادة حرس الثورة الإيراني، وقد اعتبر في كثير من الأحيان، قادة النظام والنخبة السياسية بأن القضية الفلسطينية هي سر لم يكشف عنه لظهور صاحب الزمان (عج).
وفي مدرسة سليماني، يعتبر استعادة المسجد الأقصى من أيدي الصهاينة على أنها تمهد لظهور الإمام المهدي (عج) في آخر الزمان. وبحسب وجهة النظر هذه، فإن الحرب بين إيران والكيان الصهيوني هي بمثابة “حرب في آخر الزمان” حيث ستكون جبهة الحق هي الفائز النهائي.
استراتيجية “وحدة سوح الحرب”؛ نتيجة سنوات من نضال الشهيد سليماني
من المقومات الأساسية في سياسة إيران الخارجية الاعتقاد بمبادئ “ظهور المنجي” و”العدالة الإلهية” و”معركة آخر الزمان” و”حكم نفي السبيل”. إن المبادئ الناتجة عن الثورة الإسلامية ومدرسة الإمام الخميني (ره) في نصرة المظلومين في العالم والكفاح ضد المستكبرين تعتبر خطوة أساسية نحو حكومة الإمام المهدي (ع) العالمية. وكان أحد أسباب اهتمام الشهيد سليماني الخاص بالفصائل الفلسطينية ودعمه لمحور المقاومة في قطاع غزة، هو التحرك نحو رضا ولي العصر (عج) والاستعداد لظهوره في أراضي أبناء إبراهيم(ع).
الآن، وبعد استشهاد هذا القائد الإيراني الكبير، لا تزال القوات التابعة لمحور المقاومة تحاول الحفاظ على المعقل الكبير الأول في مواجهة القوى الاستعمارية من خلال مواصلة مسيرته. إن تشكيل استراتيجية “وحدة المعارك” وتنسيق تحركات قوى المقاومة ضد مصالح القيادة المركزية والكيان الصهيوني من شمال المحيط الهندي إلى جنوب لبنان يدل على استمرار استراتيجية الشهيد سليماني تجاه قضية القدس على يد رفاقه.
فحوى الكلام
يعتبر الدفاع عن القضية الفلسطينية مبدأ محدد وثابت في عقيدة السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية. ووفقًا للفقرة 5 و16 من المبدأ الـ3 والمبدأ الـ11 والـ152 من الدستور الإيراني، يجب أن تقوم السياسة الخارجية لإيران على الالتزام الأخوي تجاه جميع المسلمين ودعم المظلومين في جميع أنحاء العالم. وبحسب الرؤية، فإن القضية الفلسطينية والظلم التاريخي ضد المسلمين في هذا القطاع تأتي في صدارة أولويات الجمهورية الإسلامية الإيرانية. والشهيد الجنرال الحاج قاسم سليماني وباعتباره قائد فيلق القدس وجندي الولاية المخلص كان شخصية محورية للبلاد في قضية القدس وتنفيذ الدستور وقانون دعم الثورة الإسلامية لأهالي فلسطين، وتوجيهات قائد الثورة الإسلامية في مختلف جبهات الصراع مع العدو الصهيوني.
أدت مساعي هذا الشهيد الدؤوبة لتجهيز فصائل المقاومة بأنواع الأسلحة الرادعة للعدو الصهيوني، أدت إلى أن يصفه إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في مراسيم تشييع جثمانه، بـ”شهيد القدس”.
المصدر: وكالة مهر