تحالف بحري بين إيران والخليج… لماذا أصبح من الضروري أن تحافظ دول المنطقة على أمنها بنفسها؟
العين برس / تقرير
قبل أسابيع قليلة، كان الحديث عن تحالف يضم إيران ودول الخليج معا ضربا من الخيال، بيد أن الأمر بات واقعا مع الإعلان عن قرب تشكيل تحالف بحري يضم دول المنطقة.
وتقول طهران، على لسان قائد قواتها البحرية الأدميرال شهرام إيراني، إن ثمة تحالفا بحريا مع دول خليجية بما في ذلك السعودية والإمارات وقطر والبحرين والعراق، بعد أن وصلت دول المنطقة إلى النقطة التي تقول إن الحفاظ على الأمن يجب أن يتم من خلال التعاون المتبادل.
فالتحالف الذي تراه واشنطن “غير منطقي ويتحدى العقل”، يؤكد المراقبون أنه بات ضرورة ملحة في ظل التهديدات التي تتعرض لها الملاحة المائية، لا سيما مع فشل الوجود الغربي من وقفها، وفي ظل التطورات الأخيرة وتغير المعطيات وسعي الجميع نحو التهدئة والمصالحة.
توجه جديد
اعتبر محمد غروي، المحلل السياسي الإيراني، أن التطورات التي شهدتها المنطقة في السنوات الماضية من استهداف ناقلات نفط إيرانية وخليجية، دفعت دول المنطقة للتوصل إلى نتيجة مفادها بأن حفظ الأمن يستوجب تحالفا إقليميا، بغض النظر عن الوجود الأمريكي، وهو ما يمهد لإخراج القوات الدخيلة إلى هذه المنطقة.
ويتذكر غروي، في حديثه مع “سبوتنيك”، استهداف شركة “أرامكو” السعودية، وناقلات النفط الإماراتية، والإسرائيلية وحتى الأمريكية، دون أن تتدخل البوارج البحرية الأمريكية التي كانت تدعى أنها جاءت إلى المنطقة لحماية أمنها، فيما لم تتمكن من حماية بوارجها نفسها التي تمر عبر مضيق هرمز، ما دفع الأطراف إلى التوصل فيما بينهم لضرورة أن يكون حماية أمن المنطقة ذاتيا.
يأتي التحالف الإقليمي، الذي لم يبدأ بعد – بحسب المحلل الإيراني، بناء على توافقات بين دول المنطقة، وباتت كافة الأمور واضحة بالنسبة لهم، فيما يتعلق بكيفية وآلية الدخول، كما أن المناورات التي اشتركت فيها طهران مع الصين والهند وروسيا أثبتت للقوى الإقليمية ومن بينها الخليجية، إنها تمتلك قدرات واسعة في هذا الصدد، ويمكنهم الدخول معها في تحالف.
وربط غروي، بين خروج الإمارات قبل أيام من التحالف الأمريكي البحري، وبين الدخول في هذا التحالف الإقليمي الذي يمهد لحفظ الأمن ذاتيا في هذه المرحلة، حيث تسعى لكل الأطراف مصلحة أمنية واقتصادية وسياسية، حتى لا تتكرر الأعمال التي كانت تحدث في السنوات الماضية، وهذا ما كانت تدعو إليه إيران من قبل خلال المبادرة التي أطلقتها بعنوان “هرمز”، التي كان أحد بنودها أن يكون هناك أمن ذاتي للمنطقة.
ويجد المحلل الإيراني أن بعد عودة العلاقات ما بين طهران والرياض، باتت الأمور جلية وأكثر وضوحا، والطريق ممهدا لباقي الدول للانضمام إلى هذه التحالفات والتقارب سواء من الناحية الأمنية أو الاقتصادية، مشيرا إلى أن المنطقة ذاهبة لهذا الاتجاه، وهو ما يطمئن دولا مثل الصين للدخول في الأسواق المحلية للمنطقة بسلام، وهذا بالنتيجة يمهد لإيران لتحقيق استراتيجيتها الدائمة، أنه لا مجال للقوات الأجنبية سواء الأمريكية أو البريطانية أو الفرنسية للوجود في المنطقة بحجة حفظ أمن دول الخليج.
ويعتقد غروي أن الجميع له مصلحة بهذه التوافقات والتحالفات، تمهيدا لاستتاب الأمن في المنطقة وفتح المجال للطرق الاقتصادية والاستثمارية للدول.
ضرورة ملحة
بدوره اعتبر حسن إبراهيم النعيمي، المحلل السياسي الإماراتي، أن دول المنطقة عانت من التهديدات البحرية، فيما فشلت الدول الأجنبية في تأمين البحار في المنطقة، وتبين لدول الخليج العربية أنها تخدم أجندتها فقط، ولا يهمها مصالح الدول الأخرى.
ويقول النعيمي: “هذا التحرك يأتي في خضم إدراك دول المنطقة بأن أمن الخليج وبحر العرب والمحيط الهندي لا يمكن ضمانه أو حمايته سوى من الدول التي تطل على تلك البحار”.
وتابع قائلا : “لم يكن من السهل في السابق القيام بمثل هذه الخطوة، نتيجة الخلافات التي كانت قائمة بين دول المنطقة، وتحديدا مع إيران، بيد أن الوقت اليوم بات مناسبا بعد التطورات الأخيرة وتغير المعطيات وسعي دول الخليج إلى التهدئة والمصالحة فيما بينها”.
وبحسب النعيمي، فإن التقارب الإيراني السعودي وغيره من تحركات المصالحة، أوجدت ضرورة للتعاون فيما بينهم، ولم يعد هناك حاجة للوجود الأجنبي في الخليج وبحر العرب والبحر الأحمر.
حلول مطلوبة
في السياق، اتفق سعد الحامد، المحلل السياسي السعودي، مع حديث الخبراء حول أهمية هذا التحالف في الفترة المقبلة، معتبرا أنه يدل على وجود رغبة إيرانية لنسج علاقات جيدة واستراتيجية مع دول المنطقة، لا سيما بعد التوتر الذي شهدته خلال السنوات الماضية.
وقال الحامد: “مثل هذا التوجه يساهم في تأمين المنطقة وخاصة الممرات المائية وأمن الطاقة والنفط في ظل التهديدات الكبيرة التي تعرضت لها في الفترة الأخيرة من الكثير من الدول، التي من بينها إيران”.
ويعتقد الحامد أن الوصول لهذه التحالفات والدرجة الكبيرة من العلاقات تتطلب أساسا الانطلاق منها والبناء عليها نحو هذه التحالفات، لا سيما وأن عودة العلاقات الإيرانية السعودية باتفاق صيني كان من وقت قريب، إذ أن هناك قضايا ملحة تتطلب التوافق حولها، وإيجاد حلول جذرية لها، ومن ضمنها الوضع في اليمن وسوريا والعراق ولبنان.
ويؤكد المحلل السياسي السعودي، أن إيجاد الحلول لهذه الأزمات من خلال طهران أمر مهم يمكن من خلاله الانطلاق نحو إيجاد علاقات استراتيجية وأمنية طويلة الأمد، مشددا على ضرورة إنهاء الأزمات قبل التفكير في إنشاء تحالفات، حتى نتمكن من الوصول لمرحلة الثقة المطلوبة للانطلاق نحو خطوة كهذه، وخلق مشاريع تعود بالنفع على الدول المحيطة.
ولا ينفي المحلل السعودي أهمية تدشين هذا التحالف، لكنه يجد ضرورة في التوصل أولا لعلاج جذري لقضايا وأزمات المنطقة، خاصة التواجد الإيراني في سوريا ولبنان واليمن والعراق، إذ من المهم أن يركز المسؤولون الإيرانيون على هذه النقاط خلال الفترة المقبلة، وهو ما سيدفع إلى خلق تحالفات ومشروعات إقليمية إيجابية بالتعاون مع دول المنطقة.
وأكد المسؤول الإيراني أن كل دول المنطقة “باتت تعتقد أنه ينبغي عليها الوقوف إلى جانب جمهورية إيران الإسلامية وتحقيق الأمن بشكل مشترك معها”.
وتشهد المنطقة العربية انفراجة كبيرة في العلاقات مع إيران، بعد سنوات من الجفاء، حيث أعلنت الرياض وطهران في مارس/ آذار الماضي، اتفاقهما على استئناف العلاقات الدبلوماسية، بعد سنوات من القطيعة.
وجرى التوافق بين الدولتين بوساطة الصين، التي قامت بدور مهم في إتمامه، وكانت أحد الموقعين على البيان المشترك للدولتين.
وتبع الإعلان عن استئناف العلاقات بين طهران والرياض إعلان دول خليجية أخرى استئناف العلاقات مع إيران والتي كانت قطعتها على خلفية الأزمة عام 2016.