أنتجت التطورات التي شهدتها سنوات الحرب الثمان على اليمن واقعا جديدا حشر حلف العدوان أمام حقيقة واحدة مفادها أن الحرب على اليمن خطيئة استراتيجية يجب الخروج منها فورا، غير أن تحالف العدوان الذي تديره الإدارة الأمريكية ، استمر في حالة من استطالة الوهم وتورُّماته.
فَشَلَ تحالف العدوان في حربه العسكرية المسلحة والمذخرة بأحدث وأفتك أنواع الأسلحة الأمريكية والغربية، وارتدت الحرب عليه بعدما استطاع اليمنيون إضرام النار في أعماقه وفي منشآته ودمروا قواعده وضربوا أبو ظبي ودبي والرياض وما بعدها، فلجأ إلى تفعيل ورقة التجويع واتخذ من التجويع الشامل والحصار أسلوب حرب هدف منه إلى إرضاخ اليمنيين واستسلامهم.
سجَّل بداية العام الحالي ذروة الاشتباك بين اليمن وحلف العدوان، حينما أشعلت دويلة الإمارات حربا ميدانية في أطراف شبوة وحاولت بأرتال مرتزقتها التقدم باتجاه مارب، فكان الرد اليمني التأديبي بضربات إعصار اليمن التي دكَّت دويلة الإمارات لتكسر معادلة أراد تحالف العدوان تكريسها في الميدان، على الإثر انتهج تحالف العدوان تكتيكا عسكريا ارتكز على القصف العقابي الشامل للمدن والأحياء والمؤسسات والمنازل والمدنيين، فجاءت ضربات إعصار اليمن الثانية والثالثة لتضع حدا لتلك العربدة المنفلتة.
في الأثر لجأ تحالف العدوان إلى تفعيل حرب التجويع وأمعن في تشديد الحصار على الوقود متسببا في كارثة بلغت ذروتها في مارس، حينها اتخذت قيادة الشعب اليمني من عمليات كسر الحصار ردا مباشرا وواضحا كان عنوانه من تسمية العمليات ومن التهديف الذي ركز على خزانات النفط ومنشآت الكهرباء وغيرها، فاندلعت النيران واحترقت خزانات أرامكو لأيام متتالية، فرضخ العدوان لهدنة إنسانية مؤقتة أطلقتها الأمم المتحدة وبدأ سريانها في الثاني من أبريل لهذا العام.
وافقت قيادة الشعب اليمني على الهدنة ووافقت على تجديدها مرتين متتاليتين حتى انتهت في الثاني من أكتوبر هذا الشهر، حاولت الإدارة الأمريكية الانقلاب على أعقابها عن الهدنة، عملت على تقويض مفاعيلها منذ اليوم الأول، لكن الموقف العسكري لقوات الجيش اليمني كان يفرض معادلاته، وحينما لم تلبِّ الهدنة الاستحقاقات الإنسانية للشعب اليمني في مفاوضات إعلان الهدنة الجديدة وصل مسار الهدنة إلى طريق مسدود.
كانت الإدارة الأمريكية ترسل مبعوثها إلى عواصم الإقليم والعالم بحثا عن ضغوط قصوى ضد اليمنيين لإثناء مفاوضيهم عن المطالب الإنسانية الأساسية، ظل المبعوث في جولات مكوكية شبه يومية، كانت الإدارة الأمريكية ترمي إلى إعلان هدنة جديدة لا تصرف رواتب اليمنيين، ولا ترفع الحصار عنهم، بل تؤدي إلى مفاقمة الآثار الإنسانية والمعيشية للحرب وللحصار على اليمنيين، تربح الإدارة الأمريكية من ورائها تفعيل أوراق فوضوية تكسر جبهة الصمود اليمني وتخلخل البيئة الشعبية في الداخل ومن خلالها تفرض أمريكا كل شيء على اليمنيين.
جاء موقف الوفد الوطني المفاوض عشية انتهاء الهدنة ليطيح بتلك الأجندات الأمريكية ويقلب الطاولة رأسا على عقب، بات المخطط الأمريكي أضغاث أحلام، أما واقع التقييم لعوامل القوة اليمنية فيهدد الموقف الاستراتيجي لأمريكا والدول الغربية التي تعاني الأزمات جراء الحرب الروسية الأوكرانية.
بالأمس ظهر المبعوث الأمريكي في مؤتمر صحفي على إحدى قنوات مملكة العدوان السعودية ليتحدث عما أسماها شروطا وضعتها قيادتنا الوطنية لتجديد الهدنة، واصفا ما أسماها الشروط بالمستحيلة ، ثم استرسل في الحديث عن تفاصيل الشروط، وذكر منها صرف رواتب الموظفين، ورفع الحصار عن سفن السلع والوقود، وتوسيع الرحلات عبر مطار صنعاء، وأردف بأن هذه شروط مستحيلة، والقول بأن هذه الحقوق الأساسية للشعب اليمني شروط مستحيلة، يعكس حقائق كثيرة جدا، الأهم فيها أن التجويع والحصار والخنق لليمنيين حرب إجرامية تديرها أمريكا مباشرة وبلا وسائط.
علاوة على أن المبعوث الأمريكي الذي أفصح بالأمس عن حقيقته وهو يعتبر حقوق اليمنيين في المرتبات ورفع الحصار وفي السفر شروطا مستحيلة، وهو بذلك يظهر بشكل فاضح الموقف البغيض للإدارة الأمريكية تجاه اليمنيين وهي تساومهم بين الحرب وبين الاستسلام القسري، وهو يفضح بالمجاهرة حقيقة الحصار والتجويع ضد الشعب اليمني بأنها حرب إجرامية لا أخلاقية تنفذها أمريكا وتحاول من خلالها فرض أجنداتها على اليمنيين.
غير أن المبعوث الأمريكي وهو يشهر عصا الحرب في جانب، وجزرة الهدنة في جانب آخر، بات يجهل حقائق كثيرة جدا، وأهمها أن اليمنيين يعرفون بالمؤكد أن حقوقهم لن تنتزع إلا بالقوة وقد امتلكوها بعون الله، ولن تكون الحرب إلا انتكاسات على أمريكا وتحالفها بإذن الله، كان على الأمريكي وتحالف العدوان أن يبحث عن وسائل للحد من انعكاسات الهزيمة المدوية في حربهم المجتمعة ضد الشعب اليمني بالخروج منها سريعا، غير أن سوء الذنوب تسوقهم إلى المسار المعاكس.
مَنْ يهدد اليمنيين بالحرب، عليه أن يبحث اليوم عن وسائل للنجاة، فمن يهدد اليوم تعاني تحالفاته من أزمات مصيرية جراء الحرب الروسية الأوكرانية، وهو أيضا يعاني التفكك والانهيارات العمودية والأفقية، وفي السؤال عما دفع المبعوث الأمريكي للحديث الفاضح وبتلك المجاهرة التي تكشف حقائق كثيرة، فإن الجواب هو أن أمريكا وتحالفها في مأزق بعدما قلبت الطاولة رأسا على عقب بموقف اليمن وقيادتها التي التحمت بقضايا الشعب اليمني وحملت معاناة اليمنيين كما حملت كرامتهم وسيادتهم على حقهم، وبات لديها القدرة والقوة على الصمود وعلى انتزاع الحقوق.
وكل هذه التطورات والنتائج والاضطرابات في معسكر حلف العدوان تجاه اليمن تؤدي إلى خيار واحد وهو أن انتصار اليمن سيكون مدويا وكبيرا وأن خسائر تحالف العدوان وقائده أمريكا ستكون عواقبها كارثية على كل المستويات.
المصدر: موقع أنصار الله