العين برس:
إذا كان انضمام كل من دونيتسك ولوغانسك إلى روسيا مسألة محسومة، لكن مؤجَّلة منذ عام 2014، فإن انضمام خيرسون وزاباروجيا إلى الدولة الروسية غدا ضرورة.
في السابع من تموز/يوليو الماضي، عندما قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في اجتماع مع رؤساء الكتل البرلمانية الروسية، إن موسكو لم تبدأ بعدُ الأشياء الجدية في أوكرانيا، ظنّ الجميع، ولاسيما في العواصم الغربية، أن الحديث يدور عن تصعيد عسكري وشيك من جانب القوات الروسية. لكن فترة الشهرين ونصف الشهر، التي مرت منذ ذلك الحين، شهدت العكس تماماً. القوات الأوكرانية، مدعومة بشحنات جديدة من السلاح الغربي، هي التي بادرت إلى التصعيد العسكري.
“فلاديمير بوتين: على العموم، نحن لم نبدأ بعدُ الأشياء الجدية في أوكرانيا”.
خاب ظنّ الغرب، واختنق هجوم القوات الأوكرانية في خاركوف وزاباروجيا وخيرسون، عندما فاجأت جمهوريتا دونيتسك ولوغانسك الشعبيّتان ومقاطعتا خيرسون وزاباروجيا، الجميع بإعلان تنظيم استفتاء على انضمام هذه الأقاليم الأوكرانية إلى الاتحاد الروسي. هذه هي تحديداً الأشياء الجدية التي تحدّث عنها بوتين.
إذا كان انضمام كل من دونيتسك ولوغانسك إلى روسيا مسألة محسومة، لكن مؤجَّلة منذ عام 2014، عندما أجرت هاتان الجمهوريتان استفتاءً بشأن الانفصال عن أوكرانيا، فإن انضمام خيرسون وزاباروجيا إلى الدولة الروسية غدا ضرورة، من الناحيتين الاستراتيجية والجيوسياسية، لجهة تأمين شبه جزيرة القرم عسكرياً ولوجستياً، وجعلها متصلة بالبر الروسي الرئيسي.
إن هذه الخطوة الاستباقية الروسية ستُضطر أوكرانيا، بالطبع، إلى مزيد من التصعيد العسكري، وتُجبر حلف شمال الأطلسي على تقديم مزيد من الدعم العسكري إلى نظام كييف. لكنّ خصوم موسكو سيجدون أنفسهم، على حين غرّة، منخرطين في حرب في أراضٍ أصبحت روسية، ليس بحكم الواقع فحسب، وإنما بحكم القانون أيضاً. وكما قال نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، دميتري ميدفيديف، فإن هذا هو السبب في خوف كييف والغرب من هذه الاستفتاءات.
“دميتري ميدفيديف: الاعتداء على أراضي روسيا جريمة. إذا ارتُكبت، فسيسمح لك ذلك باستخدام كل ما لديك من قوة للدفاع عن النفس”.
وهكذا، فإن خطوة الاستفتاءات تُعَدّ تحركاً استراتيجياً يقلب ميزان القوى في الصراع الروسي الأطلسي لمصلحة روسيا، ويضع صدقية الغرب الجماعي على المحك، وأمام خيارين: إمّا الانكفاء ودخول مفاوضات مع موسكو بشأن الضمانات الأمنية، التي طالبت بها قبل اندلاع الأزمة، وإمّا الانخراط في مزيد من التصعيد العسكري إلى حدّ الصدام المباشر. لكنّ الواضح من تصريحات رئيس اللجنة العسكرية في الناتو، الأدميرال روب باور، فإن الحلف الأطلسي ليس في صدد خوض حرب ضد روسيا، تكون أوروبا ساحة لها.
“روب باور: الناتو ليس في حالة حرب مع روسيا. يجب أن أذكر هذا بوضوح تامّ. إذا هاجمت روسيا إحدى دولنا الأعضاء، فسيكون من الواضح تماماً، ونحن نحاول شرح ذلك لروسيا بأكبر قدر ممكن من الوضوح، أننا سندافع عن كل شبر من أراضي حليفتنا. عندئذ فقط سيكون هناك صراع بين روسيا وحلف شمال الأطلسي. لكن حتى تلك اللحظة، فإن حلف شمال الأطلسي ليس في حالة حرب مع روسيا”.
للأمانة التاريخية، فإن الرئيس الروسي، في إبّان أحداث شتاء كييف الدامي في عام 2014، حذّر نظيره الأميركي آنذاك، باراك أوباما، من أن إمعان الغرب في التدخل في الشؤون الداخلية الأوكرانية وبذل محاولات لإبعاد أوكرانيا عن روسيا، سيؤدي إلى تفكك هذا البلد، وسيُسيل لعاب دول الجوار الأوكراني، الطامعة في اقتطاع أجزاء تدّعي أنها تعود إليها تاريخياً، كبولندا ورومانيا وهنغاريا.
الغرب هو الذي افتعل الأزمة الأوكرانية وغذّاها على مدى أعوام، ومن الصعب أن نتصوّر أن صُنّاع القرار في دول الأطلسي ومستشاريهم وخبراءهم لم يكونوا قادرين على التنبّؤ بمثل هذا التطور الدراماتيكي، الذي يهدد بتفكّك أوكرانيا. فهل زوال أوكرانيا هدف مشترك لروسيا وخصومها؟
المصدر: الميادين