بمُحمدٍ اليمن تحتفل وعلى دربهِ ترتحل
العين برس/ مقالات
رؤى الحمزي
خلق الله في أرضه البشر وجعلّهم خُلفاءً عليها، فأرسل إليهم الرسل دعاةً وهادين إلى توحيد الله بمختلف الكتب وبمختلف الأزمنة، داعين إلى سواء السبيل، لا علم لنا كم من الرسل حاملين كتب سماوية وكم من النبيين جاءوا متممين لتلك الرسالة آنذاك؟ فحمل القرآن إلينا ما حمله وذكر ما ذكره، ولكن تمام العلم والمعرفة بعدد الكم عند الله كم كان من الرسل وكم من الأنبياء؟ جاءوا بالهدى والبيان للناس فلا علم لنا بعددهم.
ولكن ما أوصله القرآن إلينا من قصص وعبر في حياة الأمم مِن قبلنا، وما هي ردة فعلهم من الدعوة إلى التوحيد، فبين لنا إن الإنسان كان جحوداً كفورًا محاولاً مراراً وتكراراً للتكذيب، والتصدي وكان متبجحًا معتديًا على الرسل ورسالتهم، فأمن من أمن وله خير ذلك في الدنيا والآخرة، وكفر من كفر وله عقوبات ذلك في الدنيا والآخرة.
ولله تدابيره وحكمته ولكل شيءٍ أجل لا يعلمه إلا هو، فجعل الله لمسيرة الدعوة رسولًا يختم مسيرة من قبله من الرسل وَالأنبياء الذين كُذبُوا وكتبهم حُرفت؛ فجعل كتابهُ يُحفظ، ودعوته خالدة وَمُستمرّة إلى قيام الساعة، فحق الحق وإرادَة الله وقعت بأمرٍ منه وبتدبيرٍ لا يعلمه إلا هو في أي وقت سيخلق نبيه ومن أية فئة سيكون، فأراد الله أن يكون خاتم رسله عربياً لأسباب كثيرة فأبرز الأسباب أنه “جاءنا من أنفسنا” لسانهُ لسانُنا، حريصٌ بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم.
فكان عقابه على بني إسرائيل أن يكون خاتم المرسلين ليس منهم وجعله عربياً لِمَا فعلوه، فأصبحت في أنفسهم ضغينة حتى تمددت إلى وقتنا الحاضر فعداوتهم قائمة، ومع ذلك ختام الرسالة كان على يد أطهر البشرية محمد بن عبد الله سيد العالمين المولود في أفضل الشهور شهر ربيع الأول في أفضل الأيّام الثاني عشر منه.
ولادته نور على نور وبهجة وسرور، ودربه درب لم ينتهِ أَو يزول، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، أتى متمماً لمكارم الأخلاق، ورحل تاركاً خلفه ثمرة رسالته وجهده: الإمام علي مكملًا للدين ومتمم للنعمة خلفه صلوات الله عليه وعلى آله، حياته المليئة بالدروس وعطائه العطاء اللا محدود، وجهده وجهاده خالص لوجه الله، وسعيه إلى هدي أمته وخوفه عليها من النار.
ترك أرض الله بعد رحلة طويلة تاركًا فيها معجزته: القرآن، وعترة أهل بيته دليل ذلك الكتاب؛ فاستمر الكارهون والمعترضون على محاربة قدرة الله وحكمته يحاولون طمس ومسح هُــوِيَّة رسول الله على أيدي أمته كما نرى في واقعنا.
لقد تمكّن اليهود من النيل من العرب كافة الذي خُلق محمد منهم، فدسوا الدسائس وجعلونا لا نسمع ولا نرَى، مسيرين دون ردات فعل، سلبوا منّا الشعور والحمية، أبدلوا الدين ومسحوا من أذهاننا ومن عقولنا ومبادئنا الهادي المنير محمد سيد الكبير والصغير.
ولكن للحق صوت وللدين رب يحميه ويحمي نبيه، ظهرت عترته من مذاهب متعددة والقاسم المشترك بينهم هو الحب والولاء؛ أحيوا ذكره، وساروا على نهجه، يعملون بسنته، ويترجمون قرآنه عملاً قبل القول.
ولكن بوجه التحديد والخصوص نرى اليمن واليمنيين بعد فترة طويلة مما فعله الوهَّـابية من تغييب للشعائر والروحانيات المتعلقة بنبي الرحمة وبآل بيته وتحريف مسار الاتباع له ولعترته، بتسليط الضوء للمُلمعين من أذناب القوم وجعلهم قُدوة، فظهر الحق وزهق الباطل رغم ما فعلوه، إلى أن وصل بهم الحال لمحاربة ومحاصرة من قاموا لإقامة الدين وهم البدر وأولاده فشنوا الحروب عليهم لإسكاتهم.
ولكن أبوا ورفضوا الخنوع إلى أن قتلوا حسين عصره فظنوا أنهم انتصروا، ولكن أبى الله أن يُطفى نور دينه فأحيا أُمَّـة تتبع قوله، وموالية أوليائه مستشعرة للمسؤولية، ذائبةً في عشق وحُب محمد وآل محمد، فأحيت ذكره وذكر ذريته، تنهج نهجهم وتتبع قولهم وتجتنب نهيهم، تحارب عدوهم عدو الدين تُجاهد في سبيلة لرفع راية الحق.
تنتظر بشوق التعظيم، وبحب التحميد لله على نعمة خلق مُحمد، تنتظر الموعِد في كُـلّ عام لشهر الرحمة والعطاء الإلهي، تستبق المجيء بالشوق والاستعداد والمجهود الفردي الذي يُثبت الحب لمحمد، تتزين الشوارع، وتبتهج القلوب، تشع البيوت نوراً، تتعالى أصوات الأطفال: مرحباً مرحباً بخير الشهور، تُقام مجالس النساء وتحفهن الأذكار والصلاة على الرسول، طقوس مختلفة، وتفاصيل متعددة فلا كلفة فيها أَو تفاخر.
بل بركة الرسول تحل على اليمن واليمنيين في هذه المدة مدة إقامة المجالس والفعاليات كانت على نطاقٍ مخصص ومحدود أَو مركزي، فيأتي يوم الله الأكبر لبهجة الروح يوم المولد الشريف، فتتقاطرُ الجيوشُ الهائلة من كُـلّ الفئات العمرية، ومن كُـلّ الأحزاب، ومن كُـلّ الطبقات، ومن كُـلّ المناطق لتحتفل بهذا اليوم العظيم.
لطالما غُيّب لفترة طويلة كما خطط له العدوّ وكما نفذ المنافقون منّا، ولكن الإيمان الصادق ظهر وَاستخلص وتجسد من جديد، وظهر كمثل هذه المناسبة، في هذا اليوم يوم الرحمة الإلهيّة، يوم الكرم الرباني، بمجيء الذكرى الشريفة المنتظرة، اليوم الروحاني، اليوم اليسير، اليوم الذي لا يحمل مشقة أَو جهدًا على خدام النبي، ولا تعبًا وتذمرًا من الضيوف ضيوف رسول الله.
رغم الكم الهائل من البشر إلا أنه ينتهي دون أغلاط أَو إشكالات أَو عقبات تسبقه أَو سلبيات تلحقه؛ إنها التيسيرات الإلهيّة والبركة المحمدية بُعثت من جديد في روح اليمنيين وذلك على أيدي الأئمة المباركين.