بعد 36 عامًا… كيف هزمت سرايا القدس قوة الردع “الإسرائيلي”…!
العين برس/ تقرير
منذ أكثر من ثلاثة عقود ونيف، خرجت حركة الجهاد الإسلامي من رحم الأرض المباركة، إلى عالم النضال والكفاح محملة بالإيمان والصمود، لتبدأ مسيرة ملحمية واستثنائية في تاريخ القضية الفلسطينية، وتشهد تطورًا نوعيًا في قدرات المقاومة بالإصرار والتحدي، فهذا التحول ليس مجرد تقدم عسكري، بل هو تجسيد للإرادة الحقيقية والدماء التي سالت في سبيل الدفاع عن فلسطين التاريخية.
فمن الحجر إلى السكين، وصولًا إلى الصواريخ بعيدة المدى وتصنيع الطائرات المسيرة، تحولت الأدوات البسيطة إلى سيوف حادة تمثل تهديدًا جادًا على الكيان “الإسرائيلي” الهش، لتُصبح سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي منذ ذلك الحين قوة محورية لا يمكن تجاهلها في ساحة المقاومة الفلسطينية.
الإسلام الثوري
يقول الكاتب والمحلل السياسي حسن لافي: إن حركة الجهاد الإسلامي بدأت في تكوين مجموعات من الشباب الفلسطيني منذ بداية الثمانيات، من خلال زرع فكرة المقاومة وربطها بالإسلام الثوري، وعلمت على حل كل التناقضات التي تَحول بين الشباب الفلسطيني المسلم في ممارسة العمل الثوري ضد الاحتلال، وجعل القضية الفلسطينية قضية مركزية لهؤلاء الشباب.
ويضيف لافي لـ”وكالة فلسطين اليوم الإخبارية”، أن “الحركة لم تكن الطريق مفتوحة بسهولة أمامها، لذلك تعتبر نموذجًا للتحدي والتصميم على إرادة المقاومة، مشيرًا إلى أن هذه الأمور تطورت ونضجت في أواخر الثمانينيات وتجلت في مرحلة الهروب من سجن غزة المركزي، ومن ثم معركة الشجاعية التي كانت أحد الأسباب لاندلاع انتفاضة الأقصى”.
“واستخدمت الحركة كل ما لديها من إمكانيات آنذاك، بدءًا من ثورة السكاكين، لتتطور الأمور إلى عمل عسكري في بدايات الانتفاضة الأولى، مرورًا إلى نقطة مركزية مع العمليات الاستشهادية، التي كان للجهاد الإسلامي السبق في التفكير والإبداع بتلك العمليات، وصولًا إلى عملية بيت ليد التي كانت تعتبر ذروة العمل العسكري”. وفق المحلل السياسي.
ويوضح لافي أن الجهاد الإسلامي انطلقت بقيادة سرايا القدس، بعد تراجع تيار المقاومة أمام تيار التسوية في أواسط التسعينيات حتى عام 2000م، مبينًا أن الحركة بدأت منذ اللحظة الأولى ترتيب البنية التحتية للمقاومة، والانتشار الجغرافي الواسع لسرايا القدس في الضفة والقدس وغزة.
وتمكنت سرايا القدس من إدخال سلاح الراجمات لأول مرة، واستخدمته في قصف المغتصبات عام 2012م؛ ليتبعه بعد ذلك تصنيع صواريخ براق (70، 100، 120) وقصف المدن المحتلة بتلك الصواريخ ذات القوة التدميرية الكبيرة، التي ضربت أهدافها بدقة، وأوقعت الخسائر في صفوف العدو الصهيوني.
أسلحة ذاتية
وتطرق المحلل السياسي، إلى “التفكير النوعي في إنتاج بالأسلحة الذاتية التطوير الفلسطيني، إذ إن الفلسطيني بات سلاحه بيده سواء من عبوات ناسفة وصولا إلى الصواريخ، والتي بدأت كتجربة فلسطينية بحتة وصل بها لتقصف مديات أكثر من 250 كيلو متر حتى مدن الداخل المحتل، ما يؤكد التطور النوعي على المستوى العسكري”.
وحول تصنيع سرايا القدس للطائرات المسيرة العسكرية، يلفت أن كل هذا الأمر له ثقة في الفكرة التي زرعتها سرايا القدس، في أن يكون التسليح للمقاومة بشكل ذاتي وبعقول فلسطينية، الأمر الذي يحول دون أن يكون هناك تضييقات ويحافظ على استمرارية زخم المقاومة.
وكشفت السرايا على لسان الناطق الرسمي باسمها أبو حمزة، قبل أشهر، عن طائرة جنين المُسَيَّرة بجانب طائرات أخرى لم يتم الكشف عنها، حيث تمكنت السرايا من استهداف الآليات الصهيونية وتجمعات جنود الاحتلال بقنابل ألقتها الطائرات المُسَيَّرة.
الضفة تعيد البوصلة
ويبين لافي، أن “الضفة الغربية التي كانت عبارة عن رهان “إسرائيلي” بعدم قدرتها للعودة إلى مسار المقاومة مرة أخرى، وأن الجيل الجديد سينسى ويكون خارج إطار المقاومة ويحسم ملف الضفة، لتولّد سرايا القدس وكتائبها الممتدة في جنين كتائب جديدة في كافة أنحاء الضفة الغربية.
ويشير إلى أن سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي أعادت البوصلة من جديد، وحولت ساحة الضفة إلى ساحة مواجهة كبيرة مع قوات الاحتلال في كل مكان، لتكون هي الخطر الاستراتيجي الأهم خلال العامين الماضيين أمام إسرائيل”.
وحدة الساحات
واستعرض المحلل السياسي، “الفكر السياسي الثوري المتمثل بطرح فكرة وحدة الساحات من قبل الجهاد الإسلامي، والتي دفعت ثمنها، باستشهاد قيادات السرايا، خالد منصور، وتيسير الجعبري، وجهاد غنام، وخليل البهتيني، وأبو أنس الحسني وطارق عز الدين، وغيرهم من القادة الكبار.
وكل هذه التضحيات جاءت من أجل تثبيت فكرة طرحها الأمين العام القائد زياد النخالة وهي فكرة “وحدة الساحات”، لتنبت إستراتيجية يتغنى بها الكل الفلسطيني وتعتبر المخرج الوحيد للأزمة وحل للقضية الفلسطينية ومواجهة الاحتلال. وفق لافي
ويرى أن مسيرة 36 عامًا من انطلاقة العمل الثوري لحركة الجهاز الإسلامي، تعتبر تجسيدًا حقيقيًا لتطور المقاومة الفلسطينية على أعلى مستوى، كونها نموذجًا يجب دراسته، والتأكد من خلاله أن المقاومة رغم كل الإمكانيات الصعبة التي تواجهها والعقبات الصعبة، إلا إن إرادة النصر والمقاومة هي العنوان الأساس في مقارعة الاحتلال.
الرقم الصعب
وحول إدارة الجهاد الإسلامي وسراياها عدة معارك مع الاحتلال، يبين أن حركة الجهاد بعد ستة وتلاثين عامًا من انطلاق العمل الجهادي والثوري، لم تعد حركة فلسطينية محلية، بل تحولت إلى رقم صعب في محور المقاومة الإقليمي، بل هو لاعب رئيسي في استقرار المنطقة.
كما تطرق لافي، أن حركة الجهاد الإسلامي لديها القدرة على مواجهة “إسرائيل”، والتي استطاعت خوض حروبًا عدة مرات لوحدها ضد “إسرائيل”، لتعلن الأخيرة أنها تحارب الجهاد الإسلامي، ما يعد تغير له علاقة بمكانة الحركة وقدرتها التي تجسدت في معركة ثأر الاحرار، استمرت لمدة خمسة أيام وتسبب حالة من الشلل في “إسرائيل”، وخلق انعكاسات على قوة الجهاد الاسلامي وحضورها في الميدان السياسي والعسكري.
ويشدد المحلل السياسي، أن الجهاد أثبت قدرته أن تكون ندًا حقيقيًا للاحتلال في مواجهته وخوض حروب منفردة، الأمر الذي يظهر مدى تآكل قوة الاحتلال، في مقابل تعاظم قوة الحركة وذراعها العسكري.
جزء لا يتجزأ
المختص في الشأن “الإسرائيلي” عزام أبو العدس، يرى أن حركة الجهاد تعتبر إضافة غنية للكل الفلسطيني الوطني والإسلامي، مشيرًا إلى أن لها بصمتها السياسية والفكرية والاجتماعية والعسكرية، كونها جزء لا يتجزأ من منظومة المقاومة في فلسطين المحتلة.
وحسب متابعة أبو العدس للإعلام العبري، فإن الاحتلال يصنف حركة الجهاد الإسلامي كتنظيم أيديولوجي صلب، ويتداول نشأة الحركة وأيديولوجيتها وعقيدتها منذ انطلاقتها، الأمر الذي يدل على التطور الذي حصل للحركة ويترك انطباعًا على مدى عمق الصراع بين حركة الجهاد الإسلامي والاحتلال.
ويقول أبو العدس لـ”وكالة فلسطين اليوم الإخبارية”، إن الاحتلال على مدى سنوات السابقة يسلط الضوء على تطور الأداء العسكري لسرايا القدس، كلما حصلت أحداث ترتبط بحركة الجهاد الإسلامي، سواء من معركة وحدة الساحات لحظة اغتيال عدد من قيادات الحركة، ليتحدث الإعلام العبري عن نشأة الحركة ومؤسسها الدكتور انشقاقي كفكر إسلامي يحمل الهوية الإسلامية في الصراع مع الاحتلال، وكونها بدأت بدايات متواضعة ومحدودة بعدد قليل آمن بهذه الفكرة، لتنتشر هذه الفكرة وتتوسع في كل فلسطين.
ويضيف المحلل، أن اللافت في الموضوع اغتيال الدكتور الشقاقي لم يثن هذه الحركة ولم يفت في عضدها، بل كان لها بصمات واضحة في العمل العسكري، سواء في العمليات الاستشهادية، وعمليات إطلاق الصواريخ، وصولا إلى إعادة إحياء المقاومة في الضفة الغربية.
السرايا في الضفة
ويرى المحلل في الشأن “الإسرائيلي”، أن “كتيبة جنين” في الضفة تعتبر أحد أكبر المفارقات منذ تأسيس حركة الجهاد الإسلامي”، مبينًا أن الضفة الغربية منذ عام 2007 كانت في حالة ركود وتخدير عسكري، في الوقت الذي كان فيه الكثير من المراقبين والمحللين في حالة يأس من أن تعود الضفة الغربية إلى نشاطها العسكري في المواجهة مع الاحتلال، لتخرج سرايا القدس وتحمل العبء الأكبر وتصيب الاحتلال من جديد في مقتل.
ويردف: “بعد نجاح الجهاد الإسلامي في تشكيل كتيبة جنين أصبحت المظلة التي يقف تحتها غالبية فصائل المقاومة في الضفة، وتشكل النقلة النوعية والإضافية إلى شعبية حركة الإسلامي في المجتمع الفلسطيني، فقد تمكنت من إحداث اختراقات في نابلس ومخيم عسكر وطولكرم، رغم الحرب الشرسة من قبل الاحتلال على الحركة، والتي تمثلت في اغتيال القيادات التي وجهّت العمل المسلح في الضفة الغربية في قطاع غزة بعملية “وحدة الساحات”.
واعتبر المحلل السياسي، أن حالة الربط بين الضفة وغزة يُعدّ مسألة إستراتيجية كبيرة، وشكلت نقلة نوعية كبيرة، ليس فقط في نقل التمويل، بل امتد إلى نقل الخبرات العسكرية إلى الضفة، مثل حفر الأنفاق، وتطوير العبوات الناسفة، إلى جانب الحفاظ على الأمن الشخصي، مبينًا أن ذلك يظهر مدى التطور في العمل العسكري لدى الجهاد الإسلامي وسراياها.
العبوات الناسفة
ويشير أبو العدس، إلى “وجود نقلة نوعية في عمل حركة الجهاد الإسلامي في لبنان وفي سوريا، مبينًا أن الإعلام العبري تحدث عبر التقارير عن تهريب عبوات ناسفة، ووسائل قتالية، وهذا يعتبر أول مرة منذ أيلول الأسود يتم تهريب وسائل قتالية من سوريا ولبنان عبر الأردن إلى فلسطين المحتلة، ما شكل حالة من القلق الكبير في المنظومة الأمنية “الإسرائيلية”.
الحرج “الإسرائيلي” كان واضحًا بعد تفجير العبوة في نابلس، وتكتم الاحتلال على خسائر جنوده فيها، إذ أشارت كل دوائر الرصد لدى الاحتلال أنها عبوة مهربة إيرانية الصنع، جاءت من الخارج، الأمر الذي يؤكد أن حركة الجهاد الإسلامي خلقت حالة من المقاومة في الضفة أصبحت عصية على الانكسار والاستئصال من قبل الاحتلال. وفق المحلل في الشأن “الإسرائيلي”.
كما يرى أبو العدس، أن الشاباك “الإسرائيلي” والجيش غير معتاد على هذا النمط من العبوات الناسفة، وإلى أن يعتاد سيتخلل ذلك اشتداد عود المقاومة وتطورها بشكل أكبر، محذرًا من أن هذا المرحلة سيكون لها ما بعدها، وستأخذ الصراع إلى أبعاد أخرى وجديدة حال استمرت بهذه الوتيرة.
إدارة المعركة
وحول إدارة سرايا القدس لمعارك مع الاحتلال، يقول المحلل في الشأن “الإسرائيلي”، إن “النقطة الفارقة فيها كانت معركة “وحدة الساحات” التي قادتها وترأستها حركة الجهاد الإسلامي بالتنسيق مع باقي الفصائل، وزيادة التقارير العبرية التي تتحدث عن وجود ثقل لدى سرايا القدس كونها استطاعت خوض المعركة بغطاء صاروخي، وصل إلى ما يقارب أكثر من 3500 صاروخ وقذيفة صاروخية خلال 4 أيام، أجبرت فيها استراتيجية سرايا القدس منظومة الاحتلال على تركيع الاحتلال في هذه المعركة”.
ويشير أبو العدس، إن “معركة وحدة الساحات أثارت دهشة الاحتلال بالمناورة التي أجرتها الحركة من خلال التزامها الصمت عقب اغتيال القادة، ولم تخرج حتى بتصريح واحد للإعلام، مما جعل دولة الاحتلال تبدو في غاية الضعف والانهيار، وهي تنتظر رد حركة الجهاد الإسلامي، ما وضع الاحتلال في صورة مدمرة للردع “الإسرائيلي”، ليقول المحللون: “قبل أن تطلق حركة الجهاد الإسلامي طلقة واحدة ضدنا، خسرنا المعركة إعلاميا حتى قبل أن تبدأ”.
وتطرق المحلل في الشأن “الإسرائيلي”، إلى الجانب الاجتماعي من دعم حركة الجهاد الإسلامي لأسر الشهداء والجرحى والأسرى، والذي يصب في بناء المجتمع الداعم للمقاومة، ويعتبر أيضا ضمن تطور النوعي في الفكر ودمج المجتمع في المقاومة.
وكانت للجنة التحضيرية لإحياء الذكرى 36 للانطلاقة الجهادية لحركة الجهاد الإسلامي المقررة يوم الجمعة المقبل 29 سبتمبر في، أعلنت عن شعار المهرجان لهذا العام الذي اتسمت في عناصره بالتعبير عن ثوابت الشعب الفلسطيني والتمسك بالمقاومة كنهج وسبيل للتحرير، وقد تضمن الشعار صورة ترمز للمسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة ، وبندقية الثائر في دلالة على أن المقاومة تواصل سيرها نحو القدس والعودة ، وتضمن الشعار خارطة فلسطين التاريخية والعلم الفلسطيني ، واسم عنوان المهرجان (الشهداء بشائر النصر).
المصدر: فلسطين اليوم