بالأرقام.. خسائر شركات كبرى بسلاح المقاطعة
العين برس/ تقرير
سارة عليان
أعادت معركة “طوفان الأقصى” ضخّ الاندفاع في مبدأ المقاطعة على نحو غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي -الصهيوني. الحملة شكّلت جزءًا فاعلًا من المعركة انخرطت فيها بزخم ووعي الشعوب وبعض الحكومات من مختلف أقطار العالم، وألقت بتأثيراتها الثقيلة على كاهل الشركات والأطراف الداعمة للكيان الصهيوني، وعلى الواقع الداخلي لهذا الكيان المأزوم، لا سيما الاقتصادي.
المقاطعة العربية الرسمية والشعبية
قضية المقاطعة عربيًا شهدت، منذ اندلاع المعركة، تحركات غير مسبوقة رسمية وشعبية، كان آخرها رسميًا انعقاد اجتماع المؤتمر السادس والتسعين لضباط اتصال المكاتب الإقليمية لمقاطعة “إسرائيل”. نتج عنه عدد من التوصيات، وكان مجلس الوزراء اللبناني من أبرز المصدّقين عليها. هذه المصادقة تعدّ “إلزامية” بالنسبة إلى لبنان، كونه من ضمن الدول العربية الملتزمة بقانون مقاطعة “إسرائيل” الصادر عن جامعة الدول العربية في العام 1955، وفقًا لما أفاد به الدكتور عبد الملك سكرية رئيس الجمعية الوطنية لمقاومة التطبيع.
حصدت المقاطعة العربية الرسمية نتائج مؤثرة وقوية جدًا على مختلف الصعد، منذ بدء العمل بها، وحتى أواخر الثمانينيات تقريبًا من القرن الماضي، لكنها تضعضعت لاحقًا بفعل اتفاقيات “كامب ديفيد” و”أوسلو” التي عُقدت مع الكيان المحتل، لتحلّ مكانها المقاطعة الشعبية العربية.
المقاطعة الشعبية تعدّ شكلًا من أشكال المقاومة، وفقًا لما يؤكده الدكتور سكريّة؛ فهي: “جزء من المواجهة المفتوحة مع الكيان الصهيوني،” وقد كان لها تأثير كبير وفاعل في عملية نشر الوعي والتصدي للاختراق الصهيوني لوعي الشعوب العربية، وفي لبنان أدت المقاطعة دورًا كبيرًا في هذه المعركة، إن كان على المستوى الثقافي أو السياسي أو الإقتصادي.
المقاطعة، بصورتها الشعبية، ظهرت في أقوى مشهد بعد “معركة طوفان الأقصى”، نظرًا إلى وجود رغبة الناس الكبيرة واندفاعهم للانخراط فيها لمواجهة إجرام العدو. وقد كانت السبيل الأسهل والأسرع لتحقيق ذلك. هذا المشهد تأكد، أيضًا، بتصريح الأستاذة رجاء جعفر عضو حملة مقاطعة داعمي”اسرائيل” في لبنان، والتي رأت أن معركة “طوفان الأقصى” قد: “أعادت إشعال اندفاع الجماهير الأول باتجاه مبدأ المقاطعة.”
المقاطعة الاقتصادية: كيف ومن نقاطع؟
التوصيات التي صادق عليها لبنان وغيره من الدول المشاركة في المؤتمر، والتي شملت مقاطعة 8 شركات داعمة ومتعاونة مع الكيان الصهيوني، تقودنا مجددًا إلى ساحة المقاطعة الاقتصادية، ومفاعيلها القوية على هذه الشركات من جهة، وفي دفع الانهيار الاقتصادي الصهيوني قُدمًا من جهة أخرى.
لهذا الشكل من المقاطعة معايير واضحة معتمدة يتحدد على أساسها مبدأ “كيف ومن نقاطع؟”، إن كان على المستوى الرسمي أو حتى الشعبي. رسميًا حددت المكاتب الإقليمية للمقاطعة لائحة تسمى بـ “اللائحة السوداء”، وهي تتضمن أسماء الشركات التي لها علاقة بالكيان الصهيوني بصورة مباشرة أو غير مباشرة. أما على الصعيد الشعبي، فثمة لوائح مرادفة أعدتها حملات المقاطعة في مختلف البلاد العربية، أبرزها لائحة المعايير المحددة من حملة مقاطعة داعمي “اسرائيل”.
في الحديث عن القطاعات الاقتصادية الأكثر شمولًا في المقاطعة، فمن المؤكد أنها تضم أولًا تلك التي تضخّ منتجات تُستهلك يوميًا، حيث يكون من الصعب للوهلة الأولى الاستغناء عنها أو إيجاد بدائل لها. وهذا يتوافق مع ما أوضحته الأستاذة جعفر حول طبيعة عمل هذه الشركات وتحديدًا: “شركات الطعام والشراب والألبسة ومواد التنظيف وتصنيع المحركات والمعدات الثقيلة، وشركات التأمين والشركات العاملة في مجال التكنولوجيا الفائقة وغيرها.”
شركات تأمين وتكنولوجيا في شبكة المقاطعة
بالرغم من امتناع الشركات الداعمة للكيان المحتل الإفصاح عن تفاصيل تأثير نيران المقاطعة على عملها ونتائجها المالية، انتشرت مؤخرًا تقارير عديدة تتحدث بالأرقام عن الخسائر التي طالت العديد من هذه الشركات، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وآسيا.
أحدث المستجدات كانت عند شركة التأمين الفرنسية “أكسا”، والتي اضطرت لبيع استثماراتها في جميع البنوك “الإسرائيلية” الكبرى (ثلاثة بنوك) وكذلك من شركة “إلبيت” للتصنيع العسكري. وهذا الخبر جاء على لسان الرئيس التنفيذي للشركة في نيسان/أبريل المنصرم، والذي ذكر أنه: “ليس لدى الشركة أي استثمارات في البنوك “الإسرائيلية”، مباشرة أو غير مباشر”.
شركات التكنولوجيا الفائقة لم تسلم هي، أيضًا، من تبعات المقاطعة، فقد ذكر موقع “كالكاليست الإسرائيلي” أن شركة “INTEL” لصناعة الرقائق قررت وقف عملية توسعة بقيمة 25 مليار دولار لمصنعها في “إسرائيل”. وأشار الموقع أن مورّدو “INTEL” تلقوا إشعارًا بإلغاء العقود الموقّعة معهم، والتي كانت تنص على توريد المعدات والمواد اللازمة لتوسعة مصنعها الجديد في “كريات جات”، في جنوب فلسطين المحتلة.
شركات “داعمة” تتصدر مشهد الخسائر
مطاعم “كنتاكي” هي إحدى الشركات التي تناولتها أيضًا التقارير. فقد صرحت، في 6 آب/ أغسطس، عن انخفاض مبيعاتها بنسبة 3% في الربع الثاني من العام الحالي. وقال الرئيس التنفيذي لشركة “يام براندز” المالكة لسلسلة كنتاكي إنّ هذا التراجع يعود إلى حد كبير لتراجع المبيعات في عدد من الأسواق نتيجة “الصراع في الشرق الأوسط”. وهذا يُضاف إلى تصريح مطاعم “أمريكانا” التي تدير السلسلة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، والتي كشفت في 30 يوليو/تموز أنها تبطئ خطط النمو لعام 2024 بعد انخفاض صافي أرباحها 41% في الربع الثاني.
تزامنًا مع كنتاكي؛ أعلنت شركة ماكدونالدز في 29 يوليو/تموز انخفاضًا بنسبة 1% في مبيعاتها في جميع أنحاء العالم، خلال الربع الثاني من العام الحالي، وهو أول انخفاض فصلي لها منذ العام 2020. وشمل ذلك انخفاضًا بنسبة 1.3% في قطاع الأسواق الدولية المرخصة، وكحال الأولى، فقد عزت إدارة الشركة السبب في ذلك إلى تأثيرات الحرب الدائرة في المنطقة، ويأتي هذا الاعتراف بعد اعتراف سابق لرئيسها التنفيذي في بداية العام عن تأثر العديد من الأسواق الإقليمية بشكل ملموس بفعل المقاطعة.
الخسائر انسحبت، أيضًا، على شركة “ستاربكس” التي أقالت رئيسها التنفيذي لاكسمان ناراسيمهان في 13 آب/أغسطس، خاصة وأن سهم “ستاربكس” خسر ربع قيمته في السنة الأخيرة بما نسبته 17% لأسباب عدة أهمها المقاطعة. وقد صرّحت الشركةن في 30 يوليو/تموز، بأنّ مبيعات المتاجر العالمية انخفضت 3% في الربع الثالث من العام 2024.
شركة “نستله” كانت، أيضًا، من الشركات التي شملتها المقاطعة، والتي أعلنت أن مبيعاتها المعلنة في منطقة أفريقيا وآسيا انخفضت 6.8% في النصف الأول من العام 2024. وقال الرئيس التنفيذي للشركة إنهم: “يشهدون ترددًا مستمرًا من جانب المستهلكين في بعض الأسواق المختارة نتيجةً للوضع السياسي في الشرق الأوسط”.
هذه النتائج القوية والمؤثرة لعملية المقاطعة الاقتصادية، تشدّ الانتباه نحو المرحلة التالية للحرب القائمة، وكيفية العمل على استمرار حملات المقاطعة بهذا الزخم والوتيرة، ما يستدعي جهودًا مكثّفة من الحملات الفاعلة في هذا السياق في مختلف الدول العربية. ذلك؛ لأن دور المقاطعة ليس محصورًا بمراحل زمنية معينة، بل هو “نضال مستمر”، كما قال الدكتور سكرية في تعقيبه على هذه النقطة، مؤكدًا وجود برامج عملية مستقبلية للمحافظة على استمرار هذا الزخم والوعي الموجود عند الرأي العام.
المصدر: موقع العهد