اليمن يستهدف تل أبيب: رصاصة التصعيد الأولى
العين برس/ مقالات
مريم السبلاني
استهدف اليمن عمق كيان الاحتلال وأعلن تل أبيب منطقة غير آمنة، في لحظة شديدة الحساسية في مسار الحرب. اذ ان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي كان يرغب بإلقاء خطاب النصر في الكونغرس خلال زيارته إلى الولايات المتحدة في 25 تموز/ يوليو الجاري، سيذهب محمّلاً بضربة نوعية استراتيجية استهدفت آخر الخطوط الحمراء.
نفّذ سلاح الجو المسيّر في القوات المسلحة اليمنيّة عمليةً عسكريةً نوعيةً تمثلت في استهداف أحد الأهداف المهمة في منطقة يافا المحتلة- تل أبيب. وكشف المتحدث الرسمي العميد يحيى سريع أن “العملية نُفذت بطائرة مسيرة جديدة اسمها “يافا” قادرة على تجاوز المنظومات الاعتراضية للعدو ولا تستطيع الرادارات اكتشافها”. مؤكداً على أن العملية قد حققت أهدافها بنجاح.
لم تنته آثار الضربة بانتهاء الحدث. اذ أكد سريع على أن “القوات المسلحة اليمنية تعلن منطقة يافا المحتلة منطقة غير آمنة وستكون هدفاً أساسياً في مرمى أسلحتنا”. مشيراً إلى أن “هذه العملية النوعية تؤكد امتلاكنا بنكاً للأهداف في فلسطين المحتلة منها الأهداف العسكرية والأمنية الحساسة”.
تحمل هذه الضربة جملة من الحقائق والدلائل، بما يتعلق بالجهة المنفذة والتوقيت والهدف ونتائج الاستهداف، إضافة لتأثيرها على مشهد الحرب ككل:
-الطائرة المسيّرة قطعت مسافة تتجاوز الـ2000 كلم بما في ذلك البوارج الأميركية مقابل السواحل اليمنية وأنظمة الرادار الأميركية المنتشرة في تلك المنطقة، إضافة للقبة الحديدية وأنظمة الدفاع الجوي في تل أبيب وتحتاج عدة ساعات للوصول إلى هدفها. وهذا يكشف أمرين: الفشل الأميركي في ضرب قدرة حركة أنصار الله بعد أشهر من الاعتداءات المتواصلة عليه. وقدرة المناورة العالية التي تمتلكها هذه المسيّرة -التي تؤكد المصادر أنها صناعة محلية يمنية-. وتقول صحيفة يديعوت احرنوت العبرية في هذا الصدد أنه “على ما يبدو لم يرصد أي رادار للجيش الإسرائيلي على الأرض وفي الجو أو في البحر الطائرة المسيرة التي ضربت تل أبيب الليلة كي يتم تشغيل صافرات لتحذير السكان ومنع استهداف موقع إستراتيجي دولي، هو مبنى السفارة الأميركية في تل أبيب، وهذا عمى مطلق في فترة فيها جميع المنظومات مستنفرة والتأهب مرتفع”.
-استهداف تل أبيب التي تضم حوالي 87 سفارة أجنبية والتي تعد المركز الرئيسي للاقتصاد الإسرائيلي، وفيها تجري أغلب النشاطات الاقتصادية، وتتركز فيها غالبية إدارات الشركات الاقتصادية والمالية، مثل شركات الصناعات التكنولوجية المتطورة والمصارف وشركات التأمين وشركات الأوراق النقدية والبورصة. وهذا ما يعطي الاستهداف أبعاداً أخرى خاصة وأن مبنى القنصلية الأميركية في شارع بن يهودا، قد تضرر. وهذا يعني تصعيداً لافتاً، في الوقت الذي يستمر فيه نتنياهو بالمماطلة في المفاوضات لأجل إطالة أمد الحرب.
-تعتبر هذه العملية رداً على الوسطاء الذين حملوا رسالة إسرائيلية منذ مدة، يطلبون فيها تحييد جبهات الاسناد خلال المرحلة الثالثة التي بدأها جيش الاحتلال في قطاع غزة. بالتالي، فإن التنسيق بين قوى وحركات محور المقاومة وصل إلى مستوى متقدم وترجمة فعلية لوحدة الساحات. وهذا ما أكد عليه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطاباته الأخيرة.
-خلال الأشهر الماضية، كانت المعركة بين حزب الله والكيان محكومة بضوابط وسقوف محددة، يقابل العملية رداً مناسباً من كلا الطرفين. لكن المشهد مختلف بالنسبة لليمن. اذ أن الحركة التي أوقفت حركة السفن المتجهة نحو كيان الاحتلال في البحرين الأحمر والعربي ثم المحيط الهندي والبحر المتوسط، فاحتجزت بعضاً وأغرقت بعضاً آخر واستهدفت البوارج الأميركية والبريطانية بشكل مباشر مع تبنٍّ علني ببيانات رسمية، جاء الرد عليها ببضع غارات ليس إلا، زُعم خلالها بأنها حدّت من قدرتها على تنفيذ المزيد، قامت باستهداف تل أبيب كخطوة تصعيدية ابتدائية.
لا ينكر أحد بأن الحساب الأميركي الإسرائيلي مع اليمن قد فُتح، ولن ينتهي بانتهاء الحرب في فلسطين المحتلة، لكن جدوائية “العقوبة المُدَخرة” لما بعد الحرب، لن تجدي نفعاً، ولن يغير من الواقع شيئاً يُذكر، بعد أن تصدر خبر استهداف تل أبيب بضربة استراتيجية نوعية عناوين وسائل الاعلام العبرية والعالمية من البلد الذي يرزح تحت نير الحرب منذ أكثر من 9 سنوات. وبالتالي، فإن تنفيذ “ضربة رادعة” كتلك التي يطالب بها عدد من المسؤولين الإسرائيليين، أي استهداف إسرائيلي لليمن بشكل مباشر رداً على استهداف تل أبيب، لن تضيف جديداً عن تلك التي نفذتها واشنطن ولندن خلال أشهر، والسعودية طيلة سنوات.
-التأكيد على أن لا بقعة آمنة على امتداد خارطة فلسطين المحتلة، وأن عدد سكان تل أبيب الذي يتجاوز عددهم 360 ألف نسمة قد يكونوا من بين عداد النازحين في ظل أي تصعيد إضافي في حال استمرت الحرب واتسعت رقعتها.
-لعقود مضت، مارس كيان الاحتلال مختلف أشكال القمع والاعتداءات لاستنزاف الضفة الغربية وجنين للحرص على عدم امتلاك فصائل المقاومة فيها أسلحة تستهدف تل أبيب وعمق الكيان، لكن ما لم يكن في حسابات أحد، أن يأتي الاستهداف من اليمن المحاصر.
-قدرة حركات المقاومة على ضبط إيقاع الجبهة بحسب معطيات الميدان ومستجدات المفاوضات. كذلك استخدام الإمكانيات بطريقة مبدعة لتحقيق الأهداف. اذ ان نتنياهو اليوم، غير قادر على توظيف الاستهداف لإطالة أمد الحرب أو الحظي بتغطية أميركية أوسع لتنفيذ عمليات بوتيرة أعلى.
من ناحية أخرى، فإن زيادة حدة الانقسام الداخلي الإسرائيلي وضغط الجبهة الداخلية قد برز منذ الساعات الأولى التي تلت الاستهداف، وهذا ما سيتزايد خلال الأيام القادمة.
-يعطي الاستهداف صورة مصغرة عن مشهد الحرب في أي حرب إقليمية قادمة، خاصة مع حزب الله الذي لا يحتاج إلى مسيرات بـ2000 كلم للوصول إلى العمق الإسرائيلي. ويشير موقع والا العبري في هذا الصدد إلى أنه “من المهم أن نفهم أن التهديد الحقيقي الذي يتراكم أمام أعين الجميع هو الحرب الكبرى، ووفقاً لتقديرات الخبراء، فإن هذه الحرب ستشمل إطلاق أكثر من 5000 طائرة مسيّرة وصاروخ صوب غوش دان من أكثر من مكان في أنحاء الشرق الأوسط”.
-يحمل الاستهداف اليمني لتل أبيب رسالة للسعودية ايضاً، بعد ان اختارت أخيراً أن تلبي نداءات واشنطن والكيان بتفعيل خلاياها وميليشياتها في الداخل اليمني وتشديد الحصار الاقتصادي وضرب العملة، بأن الخيارات بمجملها باتت موضوعة على الطاولة وأن التصعيد قد يشمل أشكالاً عدة، وصنعاء لا تفتقر إلى الجرأة اللازمة أو القدرات لفعل المزيد.
-أثبت هذا الاستهداف مدعوماً بالتصعيد التدريجي أيضاً في بقية الجبهات، أن القوة العسكرية لن تكون حلاً لإنهاء الحرب، على عكس ادعاءات نتنياهو الذي كان حتى الأمس القريب يصرّح بأن التصعيد العسكري يضغط على حماس والوفد الفلسطيني المفاوض لتقديم التنازلات. بل ان المحور بأكمله قادر على التكيف مع متطلبات الميدان المتغيرة ولفترة طويلة.
المواقف الإسرائيلية بعد الاستهداف
زادت العملية النوعية من حدة الانقسام الداخلي في الكيان. في حين أن الانتقادات لم تطل نتنياهو من معارضيه فقط، بل من وزراء في حكومته أيضاً. منهم من يعتقد أن عقد الصفقة كان ليحول دون الاستهداف بينما رأى البعض الآخر كوزير الأمن القومي ايتمار بن غفير “أننا فقدنا الأمن في إسرائيل”، وهو من أبرز داعمي التصعيد في الحرب على الحدود الشمالية أيضاً.
من جهته، قال زعيم المعارضة يائير لابيد: تحطم طائرة دون طيار في تل أبيب هو دليل آخر على أن هذه الحكومة لا تعرف ولا تستطيع توفير الأمن لمواطني إسرائيل. من يقفد الردع في الشمال والجنوب يفقده أيضاً في قلب تل أبيب.
رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان: من لا يمنع الصواريخ على كريات شمونة وإيلات يجب أن لا يتفاجأ بتلقيها في تل أبيب.
المحلل الإسرائيلي في صحيفة معاريف بن كاسبيت: الفوضى في الجنوب، في الشمال، في الغرب، في الوسط، في الشرق.. لا تطاق.
أحد المستوطنين: كنت في فندق في تل أبيب بالقرب من حادث انفجار طائرة دون طيار… لا يوجد شعور بالأمان، قانون كريات شمونة هو قانون تل أبيب.
مراسل قناة 12 العبرية: بعد 9 أشهر من الحرب: 9 ساعات في الهواء، لا يمكن لسلاح الجو الإسرائيلي بكل أنظمة دفاعه الجوي أن يستيقظ إلا بعد انفجار الطائرة دون طيار.
المصدر: موقع الخنادق