الوحدة الاسلامية.. نظام فكري لحماية مصالح الأمة
العين برس/ تقرير
احمد فرحات
تمر الأمة الإسلامية في مرحلة تاريخية، حيث تعاني من خطرين يهددانها كيانها، الأول داخلي يتمثل بحالة الانقسام، وبالتبعية للثقافة الأجنبية، والثاني خارجي، يتجسد في قوى الاستكبار العالمي، التي تعمل جاهدةً تحت عناوين مختلفة على غزو الوعي والثقافة الإسلامية، والسيطرة على مقدرات الأمة.
وأمام هذه الأخطار، انطلقت الوحدة الإسلامية كمفهوم ومشروع عمل، ليشكل البناء التحتي والأصل الذي تتأسس عليه سياسات نهوض الأمة، وإعادة بناء قضاياها العامة بما يطمح إلى شق الطريق نحو نوع من التعامل مع هذا الواقع، يستجيب للشروط التي يفرضها العصر، ولهمومنا المشتركة التي تحركنا، مع الحفاظ على ثوابت العقيدة.
وحظيت موضوعات الوحدة الإسلامية باهتمامات علماء الدين والمصلحين الاجتماعيين والمفكرين منذ مدة طويلة من تاريخنا، ومن ضمن هؤلاء كان الإمام الخميني قدس سره الذي بذل جهوداً واسعة من أجل الوحدة الإسلامية واعتبرها حاجة ضرورية، لا تعني إلغاء الآخر أو إعادة تركيب فكره وتشكيل وعيه وصياغة ثقافته وبنائها وفق إرادة الطرف الغالب، ولا تعني صهر الهوية الذاتية للمذاهب الإسلامية في بوتقةٍ واحدة تضيع معها الخصوصيات وتذوب المميزات، لأن بقاء الخصوصية لا يعني القطعية مع الآخر، بل يعني تجلي الرحمة في مظاهر الاختلاف الذي يعود إلى مشتركٍ يتحرك في نفس الفضاء الثقافي، وانتماء إلى ذات المرسل والرسول والرسالة.
فالوحدة الإسلامية هي توحيد الكلمة تحت كلمة التوحيد، شكلاً ومضموناً وأسلوباً، لينبثق عنها قدرة على المواجهة والتحدي والتصدي للأخطار الداخلية والأخطار الخارجية، التي كشفت عن أنيابها لطحن جسد الأمة، والتي تزكي نار التمزق لتبتلع حاضر الأمة فيغيب مستقبلها ويضيع ماضيها.
وتشكل الدعوة إلى الوحدة الإسلامية، استجابة لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، حيث أن طبيعة الإسلام قائمة على وحدانية الله تعالى بالذات والصفات والأفعال، والتي ينطلق منها جعل المسلمين كتلة واحدة حيث جمعهم على عقيدة واحدة وعبادة واحدة وشريعة واحدة وقبلة واحدة وغاية واحدة، وأي تصدع في هذه الوحدة وأي اهتزاز في هذا الكيان فيه ذهاب للريح، وقضاء على الدين المشتمل على الدنيا والآخرة، حيث يؤدي ذلك للفناء والزوال.
ومن أهم مرتكزات الوحدة الإسلامية، هو هو العمل من خلال المجتمع، فالمجتمع ضروري بوحدته لتشكيل الوحدة العامة، وهي المتعلقة بكل العلاقات التي تكون بين الفرد والفرد، وبين الفرد والمجتمع، وبين المجتمع والفرد، فإذاً هذا الأس الثاني الضروري لتكوين الوحدة في الأمة.
وأيضاً من مركزاتها، هي السياسة، التي هي أحد الأمور المهمة لتوحيد الأمة، بما يتصل بها من نظام الحكم والإدارة والعلاقات الدولية.
وإذا تحققت الوحدة، فسيكون لها أثر إيجابي في مواجهات التحديات الكبيرة التي تواجهها أمتنا في الوقت المعاصر، فالأمة أمامها تحديات فكرية، ومن هذه التحديات الفكرية التي أمامنا هي الإستعمار، ومنها أيضاً الاستشراق، الذي درس حياتنا وثقافتنا ومجتمعنا، ثم بعد ذلك انقلب علينا من الثغرات التي أوتينا بها.
وسعى الإمام الخميني إلى الوحدة الإسلامية ووضع لها الرؤية وآليات العمل، حيث يؤكد الإمام الخميني أن “الدعوة إلى الإسلام في الأساس هي دعوة إلى الوحدة” و”لقد نزل الإسلام ليوحد جميع شعوب العالم من عرب وعجم وترك وفرس وغيرهم، وليقيم في هذا العالم أمة عظيمة هي الأمة الإسلامية”، وعليه يصبح تلاقي القوميات والأعراق تحت راية الإسلام تلبية لدعوة التوحيد، وتأسيساً لقيام تلك الأمة العظيمة.
ويرى الإمام الخميني (قده) كما الإمام الخامنئي (دام ظله) بأن “الوحدة واجب على جميع المسلمين” وهنا تصبح مخالفة ومعارضة الوحدة بين المسلمين هي مخالفة للدعوة إلى الإسلام، وبالتالي فهي انحراف عن نهج الإسلام وزيغ عن أهم الأهداف التي جاء بها التوحيد وعمل من أجلها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
ويرى الإمام الخميني قدس سره “أن سبب كل المشاكل في البلاد الإسلامية هو اختلاف الكلمة وعدم التعاون”.. وهو يرى في الاستعمار مصدراً أساسياً لزرع التفرقة والتشرذم بينهم، فيقول: “إن مشكلة المسلمين هي نشوء الاختلاف فيما بينهم بعد الحرب العالمية الأولى، فقد وضع المستعمرون خطة الإختلاف لهم بعد أن شاهدوا قوة الإسلام، ففصلوا الحكومات الإسلامية عن بعضها، وألقوا الخلاف بين المسلمين وجعلوا الحكومات الإسلامية كل واحدة عدوة للأخرى”.
ومع الأسف، فإن بعض الحكام وبالتعاون مع بعض وعاظ السلاطين، ساعدوا الاستعمار في مهمته هذه، وساهموا في تنفيذ مخطاطاته لشرذمة وتفرقة المسلمين، من حيث يدرون أولا يدرون. ويقول الإمام في ذلك بأن “الشيطان الأكبر (أمريكا) دَعا فراخه لإلقاء بذور التفرقة بين المسلمين بكل الحيل والوسائل، وجر الأمة الإسلامية والإخوة في الإيمان إلى الإختلاف والعداء، ليفتح أمامه السبيل – أي أمام الاستعمار – إلى مزيد من النهب والهيمنة”.
ويضيف الإمام “بأن الأيدي القذرة التي بثت الفرقة بين الشيعي والسني في العالم الإسلامي، لا هي من الشيعة ولا هي من السنة .. إنها أيدي الاستعمار التي تريد أن تستولي على البلاد الإسلامية، وتريد أن تنهب ثرواتنا بوسائل وحيل متعددة، وهي توجد الفرقة باسم التشيع والتسنن” ويضيف “لو كف وعاظ السلاطين عنا شرهم وكفوا أيديهم عن التعرض لوحدتنا فسننتصر إن شاء الله، وستنتصر القوى الإسلامية والبلدان الإسلامية”.
ونرى الإمام قدس سره يتحرق على ما يسود أحوال الأمة من فرقة وتشرذم، فيخاطب المسلمين في العالم قائلاً: “ماذا دهاكم يا مسلمي العالم، أنتم الذين استطعتم أن تحطموا القوى العظمى في صدر الإسلام مع قلة عددكم، وأوجدتم الأمة الإسلامية الكبرى، واليوم مع ما يقارب المليار نسمة وامتلاككم للثروات الكبيرة، التي هي أكبر حربة أمام الأعداء، أصبحتم هكذا أذلاء ضعفاء، هل تعلمون أن جميع مصائبكم ناشئة من الاختلاف والتفرقة بين رؤساء بلادكم وبالتالي بينكم أنفسكم”.
وينطلق الإمام الخميني من قناعة راسخة، بأن أحد أهم آليات تكريس الوحدة وتجذيرها في الأمة هو الالتقاء بين أبناءها في العمل الجهادي ضد أعداء الأمة، لا سيما ضد الصهاينة مغتصبي فلسطين والقدس الشريف، ولعل في هذا الأمر تجربة عملية ناجحة في لبنان وفلسطين يشهدها جيلنا المعاصر.
ويقول في هذا المجال: “إن كل الحكومات والشعوب الإسلامية تعلم ما هو الداء، وتعلم أن الأيادي الأجنبية تزرع الفرقة فيما بينهم، وهم يرون ما يلحق بهم من ضعف وانهيار في ظل التفرقة، ويرون أن دولة إسرائيل الخاوية تقف في مواجهة المسلمين، الذين لو كانوا مجتمعين وألقى كل واحدٍ منهم بدلوٍ من الماء على إسرائيل لجرفتها السيول. فلماذا لا يلجئ هؤلاء ـ مع علمهم بكل هذا ـ إلى العلاج الحاسم المتمثل في الاتحاد والإتفاق؟”.
المصدر: موقع المنار