لا يختلفُ ماضي القوى الاستعمارية، في تموضعها الفردي (البرتغال، إسبانيا، إيطاليا، فرنسا،… إلخ)، عن حاضرها في تموضعها الجمعي (الأمم المتحدة -مجلس الأمن –الاتّحاد الأُورُوبي -مجموعة البريكس)، وخلاصة التحول السياسي الحديث، هو أنها أنشأت لنفسها كيانًا جمعيًّا، تحت مسميات (عصبة/ منظمة/ مجلس/ اتّحاد/ مجموعة)، وكلها تسعى لفرض شرعية هيمنة المجموع/ الكل الاستعماري، على جميع شعوب العالم، بوصفها رغبة تلك الشعوب الذاتية، التي لا تملك إلا التسليم المطلق والتبعية الكاملة، لتلك الكيانات الاستعمارية، في مسمياتها الجديدة المهذبة، التي وحدت فيها جهودها وبرامجها وأولوياتها، ونظمت من خلالها ممارسة أطماعها الاستعمارية، وطريقة تقاسم الثروات، ومناطق النفوذ والهيمنة، وبذلك استطاعت ممارسة نشاطها الإمبريالي التوسعي اللصوصي، تحت أوهام النظام والحضارة المزيفة، المليئة بمشاريع القتل والحروب والدمار، التي تنفذها تلك القوى بصورة غير مباشرة، لتصل من خلالها إلى فرض حق التدخل والوصاية والهيمنة والتسلط، تحت مبرّرات ومزاعم الحفاظ على الأمن العالمي والسلم المجتمعي، بالإضافة إلى مكرمة الاستعمار الجديد، على الشعوب المستضعفة، بهبات الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة، ومنحه إياها صكوك حق الحريات والسيادة والاستقلال، وغيرها من الشعارات الرنانة الفارغة، التي أخضعت الشعوب لمستعمريها بإرادتها، طمعاً في عدل الظالم، ووفاء الخائن ونزاهة اللص المستبد، لتبقى تلك الشعارات وهماً استعمارياً، لا يتجاوز أحلام المخدوعين وآمال البسطاء، وأما واقعهم فقد عاشوه في ظل (مجلس الوصاية)، التابع لمنظمة الأمم المتحدة.
ترى.. أية حرية تبشر بها منظمة الأمم المتحدة، الشعوب المستضعفة المستعمرة، في ظل (مجلس الوصاية)، وما هي الإنجازات الإنسانية أَو الحضارية أَو الأمنية أَو التنموية، التي يمكن الإشارة إليها بالبنان، عند الحديث عن الدور الفعلي للأمم المتحدة، وما الذي قد نجده في رصيدها (الإمبريالي)، غير مشاريع الإفقار والتجويع والقتل، وتفكيك المجتمعات، وهدم القيم والمبادئ والأخلاق، وتدمير كيان المرأة، وكلّ الروابط والصلات الأسرية، ونشر الانحلال القيمي والديني والأخلاقي؟!
ألم يكن في مواقفها من الشعوب النامية، التي مزقتها المجاعات والحروب، ما يكفي لتوضيح صورتها الحقيقية، في أبشع وأقذر مظاهر الإجرام والتوحش، وهي تقدم للشعوب المستنجدة بها من شبح المجاعة، مساعدات إنسانية مدججة بجرعات الموت الكبيرة، في المواد الغذائية الفاسدة، المنتهية الصلاحية، التي تحولت إلى سموم فتاكة، وفي الأدوية والمستلزمات الأُخرى، المحقونة بأخطر أنواع الفيروسات والأمراض والأوبئة، التي أعدت في مختبراتها البيولوجية خصيصاً لهذا الغرض، وفي تاريخ تلك القوى الاستعمارية، ما يغني السائل ويكفي المستزيد، وأما ما تزعمه تلك القوى من حرصها على تحقيق الأمن والسلام العالمي، وتجنيب شعوب العالم حرباً عالمية ثالثة، فليس هناك ما هو أدعى للضحك، من هذا الشعار الفارغ، الذي يعكس إلى أي مدى بلغ الصلف والقبح الاستعماري، حين يعلن مخاوفه على الشعوب المستضعفة، من نشوب حرب عالمية، هو مصدر شرها وشررها، وبيده إشعال فتيلها، كما يملك أدوات تنفيذها وتحقّقها على أرض الواقع، أليس في إبداء تلك المخاوف المزعومة، دليل إدانة كاف، يؤكّـد نزعة الإجرام لدى القوى الكبرى، وعزمها على ارتكاب حروب عالمية مستقبلية، كما هي عادتها، وإلا فما معنى تنطعها من وقت لآخر بحرصها على الأمن والسلام العالمي، وسعيها تجنيب شعوب العالم مزيداً من الحروب، ترى من يملك مصانع الأسلحة الفتاكة، والترسانات النووية والبيولوجية، وكم يبلغ إنتاج تلك المصانع، وأين يتم تسويقه؟!، ومن الذي حوَّل شعوب العالم الثالث، إلى سوق استهلاكية مفتوحة مطلقاً لمنتجات الموت البينية، ومنتجات الإفقار والتجويع الاقتصادية، ومنتجات الاستلاب والتبعية السياسية، ومنتجات الانحلال الديني والقيمي والثقافي؟
ترى.. كم عدد النزاعات والحروب والصراعات، التي عمل مجلس الأمن على إيقافها والحد من تداعياتها، في سبيل تحقيق الأمن والسلام بين شعوب العالم، أليست قضية ونكبة فلسطين، صناعة مجلس الأمن والأمم المتحدة الاستعمارية، دون سواها؟، وَإذَا كانت لفلسطين خصوصية الإرث العدائي الديني -الذي تحرص الأمم المتحدة على تنشيطه- كحالة خَاصَّة، فما سبب تواطؤ الأمم المتحدة، وتخاذلها عن القيام بدورها ومسئوليتها، تجاه الشعب اليمني المظلوم، والحفاظ على أمنه واستقراره، الذي ينعكس على أمن واستقرار المنطقة والعالم، أليس في موقفها ذاك ما يؤكّـد نزعتها الاستعمارية، ورغبتها الأكيدة في اشتعال الحروب واستمرارها خدمة للمشروع الإمبريالي، خَاصَّة بعد سقوط زعيم الأمم المتحدة (الأمريكي)، في فخ التعصب الظاهر، والانحياز الواضح المعلن إلى صف المعتدي الغاصب المحتلّ الصهيوني دون أدنى حرج، أَو مراعاة لما يفرضه عليه موقعه (الأبوي) المزعوم، أَو لما تقتضيه الأعراف السياسية والدبلوماسية، أَو ما تلزمه طبيعة علاقته مع العرب والمسلمين من قبيل احترام المشاعر على الأقل.
إن السؤال عن الدور الإنمائي والحضاري والثقافي والتكنولوجي الذي يفترض بالأمم المتحدة القيام به تجاه الشعوب للارتقاء بها من حضيض التخلف إلى مستويات متقدمة من التطور والازدهار، هو تساؤل جوهري وهام يمكننا من خلاله تقديم قراءة تحليلية أكثر وضوحاً لحقيقة حاضرنا وما يجب أن يكون عليه مستقبلنا، غير أن تلك التساؤلات قد أصبحت مصدراً للألم أكثر من كونها بلسماً معرفياً، إذ لم يعد الجهل بالواقع، وعدم معرفة صانعي أحداثه ومتغيراته هو السبب الرئيس لاستلاب وضياع وضعف الشعوب، كما أن العدوّ الإمبريالي لم يعد متخفياً خلف أقنعة المسميات والشعارات التي لجأ إليها ردحاً من الزمن، ولم تعد هناك من لغة مفهمة ولا منطق صريح أوضح من مواقف الأمم المتحدة بزعامة أمريكا تجاه كُـلّ قضايا الشعوب المستضعفة، وخَاصَّة فلسطين واليمن ولبنان، وغيرها من دول وشعوب محور المقاومة والممانعة، حَيثُ سعت الولايات المتحدة الأمريكية في صياغة موقف أممي -باسم الأمم المتحدة- يعكس حقيقة التوجّـه الإمبريالي، وصورة النزعة الاستعمارية والهيمنة في أجلى مظاهرها وتشكلاتها.
لذلك وغيره كان لليمن قيادة وشعباً، موقف متفرد وسباق في وضع الأمم المتحدة الاستعمارية في سياقها الطبيعي في صيغة العداء الصريح، والتعامل مع تلك القوى الاستعمارية، من منطلق الرفض لممارساتها التسلطية، ومشاريعها الهدامة، وإجرامها المتعالي، حسب ما تقتضيه تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وتحدّده العادات والتقاليد والأعراف، وبمقدار النزعة التحرّرية، التي حازها اليمنيون في تصديهم لأعتى تحالف إجرامي، شكلته تلك القوى الاستعمارية وأدواتها، كان جنون وتخبط وسقوط تلك القوى وأدواتها مدوياً على المستوى المحلي والإقليمي لتكون مهمة اليمن -قيادة وشعباً- انطلاقاً من موقع تضحياته ودوره الريادي، إعادة رسم الخارطة السياسية إقليمياً وفق أبعاد وتداعيات ما بعد ذلك السقوط الإمبريالي (الأممي) المهين، الذي كان اليمن وما يزال عاملاً حاسماً وفاعلاً رئيساً فيه.
المصدر: موقع أنصار الله