إنَّ عمليةَ قراءة طبيعة دور ومواقف الأمم المتحدة حَـاليًّا، يجب أن تنطلق بالتحليل والنقاش، مصاحبةً لسياقَيها التاريخي منذ بداية نشأتها بنسختها الأولى تحت مسمى عصابة أَو عُصبة الأمم وحتى الآن، والسياسي المرتبطِ في تحول الفكر الإمبريالي في تموضعه بين النقطة الفاصلة بين زمنين، ماضٍ استعماري أسودَ، زعمَ براءته منه، ومستقبل بطريركي رمادي، لم تكن تباشير إشراقة الضبابية مشجِّعةً بما يكفي للإيمَـان بأبوية الأمم المتحدة، والتعبيران بمشروعهما الحضاري، والتسليم المطلق لعناوين ريادتها الإنسانية؛ ونظراً لخلو الساحة العالمية من مشروع منافس، لم تجد شعوب العالم -وخُصُوصاً الشعوب النامية- بُـــــدّاً من الارتماء في أحضان ذلك المشروع، في صيغته الإمبريالية الجديدة؛ بحثاً عن الدفء الاقتصادي، والحنان الحضاري المزعوم.
امتاز خطاب الأمم المتحدة، بأنه استعلائي إمبريالي، لا تخلو مضامينه من نبرة التهديد المبطن، بسرد المخاوف والتداعيات التي قد تطال الشعب اليمني (مثلاً)، إن لم يقبَلْ بطروحاتها العوجاء المقدمة في سياق الحلول المقترحة، لإنهاء (الحرب على اليمن) حسب وصفها، الذي يعكس حقيقة موقفها المنحاز سلفاً إلى الطرف المعتدي على اليمن، وهو الموقفُ المخزي، الذي طالما حاولت إخفاءَه، خلف شعارات رسالتها الإنسانية المزعومة، ودورها الأبوي المحتضن للجميع (كذباً)، والمتكفل – كما تدّعي – بتحقيقِ أمنِ وسلامةِ واستقرارِ البشرية، غيرَ أن كُلفةَ تلك الصورة المصطنعة، والمساحيق التجميلية المثالية، أصبحت باهظةً ومرهقةً جِـدًّا بالنسبة للأمم المتحدة، التي لا تتورعُ عن الكشف عن أنيابِها، والتلويح بمخالبها، عند أول موقفٍ تتعارَضُ فيه أدنى مستويات مصالحها، مع رغبةِ الشعوب المستضعفة، في الحرية والسيادة والاستقلال، ونيل حقوقها المشروعة.
ولأن الإِلْفَ يَكسِرُ الدهشة، فَـإنَّ السقوطَ الأخلاقي والإنساني المتكرّر، للأمم المتحدة، لم يعد أمراً مثيراً للدهشة والاستغراب، لدى شعوب العالم، التي اعتادت على ذلك الصَّلَف والقُبح، في ممارسة الهيمنة والاستبداد بحقها، الأمر الذي يجعلنا نتساءلُ: من هي الأمم المتحدة؟ وما مشروعية أبويتها المتسلقة؟ وما مبرّرات تواطؤ الضحية مع الجلاد؟
هيمنةُ مشروع الإرهاب المنظَّم وعولمة الفوضى
إنَّ تحوُّلَ القوى الاستعمارية، من استراتيجية التدخل العسكري المباشر -في فرض الهيمنة- إلى استراتيجية التسلط غير المباشر، بواسطة السيطرة الاقتصادية وغيرها، لا يعد تحولاً حضارياً، ولا يعكس بُعداً إنسانياً، أَو أخلاقيا، كما أن تحول تلك القوى -أيضاً – من صيغة المستعمر الفرد (كل قوة على حدة)، إلى صيغة المستعمر الجمع (الأمم المتحدة)، لا يعني تخليها عن أطماعها الاستعمارية، كما أن ممارسة الهيمنة وحق التدخل السافر، والسيطرة الأبوية المتعالية، على الشعوب النامية، والتحكم المطلق في سياساتها ومستقبلها، تحت مسمى قرارات مجلس الأمن، لا يمكن النظر إليه من منظور أخلاقيات الأمم المتحدة العالية، وحرصها على صلاح واستقرار ونماء، تلك الشعوب المستضعفة (العالم ثالثية)، كما أن الدور الاستعماري الصريح الذي تمارسه الدول دائمة العضوية، من خلال حق الفيتو، يعكسُ بكل وضوح، صورةَ المستعمر الاستعلائية، ونزعته الاستبدادية، وعقليته اللصوصية المتعجرفة، وطبيعته البدائية التوحشية، مهما ادّعى التحضر، والعدالة والمساواة، ومهما تقمّص من أدوار الصلاح، ومهما ارتدى من أقنعة المفاهيم الإنسانية، والحرص على تحقيق نماء وتقدم الشعوب النامية.
المصدر: موقع أنصار الله