الهدنة الاممية في اليمن تجدد للمرة الثالثة ، لم يحصل تحالف العدوان بقيادة امريكية سعودية على مراده بتجديد الهدنة لمدة 6 أشهر على الرغم من الضغوطات والعروض التي مارسها الممثل الاممي الى اليمن هانس غروندبرغ واطراف أخرى ، صنعاء فرضت كلمتها للمرة الثانية تجديد لشهرين فقط وبشروط محسنة بعد وساطات عمانية وحديث عن وساطة المانية .
البحث عن هدنة من قبل طرف تحالف يضم الولايات المتحدة الامريكية القوة الاولى كما تصور نفسها في العالم ، والسعودية القوة النفطية الكبرى في العالم هو بمثابة هزيمة مغطاة لا يريد اصحابها الاقرار بوقوعها بعد 8 سنوات من القتال المرير وحشد الامكانات والطاقات ، وشن مختلف الحروب الاقتصادية والناعمة ،ضد طرف محلي وقوة وليدة جل رصيدها احتضان شعبي لخيار الاستقلال ، وثورة شعبية ورثت لتوها بلدا منهكا جراء عمالة وصدامات نظام السابق ، ودولة في صدارة قائمة الدول المنهارة على مستوى العالم اصبحت عبئا على الثوار بدل أن تكون رافعة في المواجهة ضد العدوان العسكري والحصار الاقتصادي.
بالعودة الى عشية انطلاق العدوان على اليمن 26 مارس 2015م وبقراءة الاهداف التي اعلن عنها السفير السعودي عادل الجبير من حديقة البيت الابيض وما اعقبه من مؤتمرات صحفية للناطق باسم التحالف احمد العسيري كان واضا حجم الاهداف المرتفع للتحالف والمتمثل في احتلال عاصمة الجمهورية اليمنية صنعاء والقضاء على الثورة الوليدة واعادة نظام الرئيس هادي العميل كليا لواشنطن والرياض ، في الساعات الاولى اعلن العسيري سيطرة التحالف الجوية الكاملة على الاجواء اليمنية بحيث لم يعد ممكنا اقلاع أي طائرة حربية يمنية – يملك اليمن حينها سلاحا جويا متهالكا ونظام دفاع جوي متواضع للغاية جرى تعطيل اهم صواريخه وهي سام 11 بمدى من 300 الى 400 كيلو متر – خلال الاشهر الاولى من العدوان جرى تدمير مقدرات الجيش اليمني رغم تواضعها وضرب اغلب مخازن تسليحه المتركزة في العاصمة صنعاء ، قدم الجنرالات العسكريين الفارين الى الرياض علي محسن والعليمي الذي يرأس اليوم ما يسمى مجلس القيادة المشكل في الرياض كافة المعلومات الى قيادة التحالف التي شنت ما يقرب من مليون غارة خلال ثماني سنوات – 200 الف غارة في العامين الاوليين للحرب – 2015م ،2016م – استهدفت مخازن الجيش ومعسكراته والبني التحتية على امتداد المناطق اليمنية من صعدة شمالا وحتى حضرموت شرقا .
بعد اشهر من العدوان سقط الجنوب اليمني عدا محافظة شبوة في يد التحالف ، شكل دخول القوات الاماراتية بقيادة بريطانية الى عدن نجاحا كبير حينها على الارض ، ظل هذا هو الانجاز الاكبر .
وفي العام الفين وثمانية عشر سيطر تحالف العدوان على معظم الشريط الساحلى الغربي لليمن وصولا الى اطباق الحصار من الجنوب والشرق على مدينة الحديدة ودخول بعض احيائها ، وسبق ذلك في عام 2016م احتلال قوات التحالف فرضة نهم ، ووصلت قواته قريبا من العاصة صنعاء بعد سلسلة عمليات قضم تدريجي على مدى 4 سنوات في مديرية نهم ، حينها تعمد اللواء المالكي الناطق الحالي للتحالف زيارة المديرية والتقاط الصور هو يرى بمنظاره العسكري المناطق المحيطة بالعاصمة صنعاء .
تذكر مصادر خاصه انه وعقب سيطرة قوات تحالف العدوان على مفرق الجوف في العام 2016م ، طلب السفير الفرنسي حينها لقاء كبير مفاوضي صنعاء في العاصمة العمانية مسقط محمد عبدالسلام عارضا انسحابا أمنا لقوات الجيش واللجان الشعبية من صنعاء شمالا وعدم المس يالثوار ، فيما بدا رسالة من تحالف العدوان وعرض مغر لطرف يخسر عسكريا واضحت عاصمته تحت التهديد من قبل طرف يضم 17 دولة ويتفوق عسكريا وتكنولوجيا ولديه موارد الاموال الكافية لمواصلة القتال بزخم يمتد لعشرات السنين ، تلقى السفير الفرنسي حينها ردا صادما على رسالة التحالف بان الحرية والسيادة لا تقاس بفقدان الارض بل يزيد ذلك الامر عزيمة على القتال والمواجهة.
في موازاة التقدم العسكري لتحالف العدوان استمر الحصار القاسي ونفذ تحالف العدوان اجراءات اقتصادية مؤلمة جدا ضد صنعاء بغرض معاقبة البيئة الشعبية التي وفرت ذلك الكم من الصمود الاسطوري غير المتوقع ، وجعلت التحالف يعدل تقديراته بالوصول الى صنعاء من اسبوعين الى شهرين الى عامين ، واخيرا الاقرار بالاستحالة ، شملت نقل البنك المركزي الى عدن وقطع رواتب الموظفين وتجفيف موارد الجمارك والضرائب التي تورد الى صنعاء عوضا عن نهب الثروات النفطية الواقعة منابعها في مناطق سيطرة تحالف العدوان في مارب وجنوب شرق اليمن والدفع باليمن الى اكبر ازمة انسانية في العالم.
حتى فبراير 2020م كان التحالف يرفض هدنا لأسابيع تطمح اليها صنعاء التي ترفض اليوم طلبا للتحالف بهدن تمتد ل 6 أشهر ، وترفض عروضا لإنجاز اتفاقات سياسية كانت في السابق على استعداد للقبول بها بما في ذلك القبول بمشاركة عملاء السعودية في السلطة ، فما الذي تغير حتى تحولت صنعاء من وضع الدفاع الى وضع الهجوم ، ومن موقع الباحث عن الهدنة الى موقع من يضع اشتراطاته عليها ، وكيف اصبح التحالف الكبير يتوسط بالعمانيين والالمان والامم المتحدة للضغط على صنعاء لقبول الهدن .
يفرض هذا الوضع اعادة قراءة مسار الاحداث من لحظة سقوط عدن في مايو 2015م ، والتقييم الذي اجري لوضع مسار معركة نفس طويل لا تقتصر على زخم المواجهة في مواجهة طرف لديه القدرة على ادارة معركة بزخم اكبر ولديه القدرة على جلب مرتزقة بأسعار متفاوتة من كل انحاء العالم ، بل تركز على بناء القدرات والمزج بين حروب الجيوش النظامية والمجموعات المسلحة و الجمع بين العمليات العسكرية الخاطفة والتشبث بالأرض.
ولان المقام هنا ليس لشرح مفصل عن مسار ذلك التطور المذهل والذي لفت اليه انظار الاكاديميات العسكرية العريقة في العالم والمعنية بدراسة تور الجيوش وفنون القتال ، فنسرد ابرز العناصر .
فبراير 2020 – نجحت قوات الجيش واللجان الشعبية بعد سنوات من البناء وشهور من الاعداد والتحضير في قلب المعادلة العسكرية في نهم واجتثاث اهم نقاط تفوق تحالف العدوان بالسيطرة على مديرة نهم ومفرق الجوف – عملية البناء المرصوص- ..
وعقب عملية البناء المرصوص وانطلقت قوات الجيش واللجان الشعبية بعملية عسكرية واسعة استعادة بها محافظة الجوف واجزاء من مديريات مارب المحاذية للمحافظة – عملية نصر من الله – وشكلت العمليتان الكبيرتان قلبا لمعادلات الميدان اليمني بشكل مذهل ومربك لتحالف العدوان وللعالم الذي يراقب سير المعارك في اليمن .
2021م — عملية عسكرية واسعة في محافظة مارب انتهت بالسيطرة شبه الكاملة على مديريات المحافظة ماعد المدينة وحقول صافر ، اجبرت العملية العسكرية في مارب للجيش واللجان الشعبية تحالف العدوان على التخلي عن مكتسباته في الساحل الغربي بمافي ذلك فك الحصار عن مدينة الحديدة رغم اهميتها الاستراتيجيه في المعركة الدولية على طرق التجارة البحرية مع روسيا والصين ، وامتلاك صنعاء قدرة مناورة اوسع لفرض سيطرتها على البحر الاحمر .
2022م – تحالف العدوان يدفع بالقوات التي جرى سحبها من الساحل الغربي الى مارب في محاولة اسعاف أخيرة لبقائه هناك، صنعاء ترد بضرب الجناح الامريكي في قاعدة الظفرة في ابوظبي ما شكل صدمة للأمريكيين حول مدى جرأة صنعاء والى اين باستطاعتها الذهاب في تقدم لافت على بقية محور المقاومة ، على مدى سنوات من القتال في سورية تجنبت اطراف محور المقاومة الذهاب الى صدام مباشر مع الامريكان ، قبل ان تقدم على ذلك الجمهورية الاسلامية في أيران وتضرب القواعد الامريكية عقب اغتيال القائد الكبير قاسم سليماني .
ضرب القاعدة الامريكية باعتراف الطرف الامريكي بان قواتهم تعرضت لتهديد سبقه ضرب مصفاتي بقيق وخريص في سبتمبر 2019م ، عماد الصناعة النفطية السعودية والمنشاتين الاستراتيجيين للطاقة امريكيا وغربيا بالدرجة الاولى واحداث أزمة وقود عالمية – لم تتعرض المنشاتان لأي قصف خلال الحرب العراقية الايرانية او من قبل نظام صدام حسين منعا لغضب امريكي – ضرب المنشاتين من قبل صنعاء وما استتبع ذلك من استهداف مراكز الصناعة النفطية السعودية وفي الامارات وتنامي ذلك كما ونوعا ، كل ذلك اطلق جرس انذار كبير للأمريكيين والبريطانيين انهم يخسرون الحرب في اليمن ، وللعالم بان هناك قوة صاعدة ستفرض لاحقا شروطها على العالم ويجب مد جسور التعامل معها ، كثير من السفراء التقوا ممثلين عن صنعاء واعربوا عن رغبتهم علنا اوسرا في اعادة العلاقات معها بمجرد رفع الحصار .
تصريحات رئيس حكومة الانقاذ عبد العزيز بن حبتور بان صنعاء لن تسمح بصهينة البحر الاحمر في اعقاب تشكيل تعاون سعودي خليجي اسرائيلي امريكي في البحر الاحمر ، مؤشر أكثر وضوحا عن الهزيمة التي بلغها تحالف الولايات لمتحدة الامريكي ، فهاهي اهمم مقررات زيارته لجدة تتبخر ، عوضا عن ان الدول الحليفة له بدأت تتبرم وترفع صوتها باستثناء السعودية والامارات لمطامع شخصية بالقبول ببن سلمان ملكا وانهاء عزلته ، ووصول بن زايد ملكا بمسمى رئيس على الامارات التي انشأها البريطانيون في سبعينيات القرن الماضي .
وبالنظر الى المتغيرات الدولية نتيجة لمواجهة الامريكية الروسية ومع الصين ، وعجز تحالف العدوان عن توحيد ادواته رغم انهاء فترة هادي قبل نحو اربعة اشهر وتوحيد ميلشياته في مجلس قيادة مستحدث ، يبدوا خيار الهدنة خيارا اضطراريا لتحالف العدوان ، بدلا من وقوع هزيمة واضحة ، تبقى لهذا التحالف ورقة الحصار والورقة الاقتصادية – الرواتب ، ايرادات النفط والغاز – ليضغط بها ومن غير المتوقع ان يسلم بها سريعا بعد اضمحلال الورقة العسكرية نتيجة ما سبق وعد القدرة على الذهاب الى تفعيلها نتيجة تشتت الادوات على الارض والانشغال بالملفات الدولية الناشبة. الهدنة
صنعاء تفاوض حاليا في ملعب تحالف العدوان وعلى اخر اوراقه فك الحصار والورقة الاقتصادية – وذلك نجاح ومؤشر عن انتصارها في القتال على مدى 8 سنين – هي تمضي خطوة خطوة في خلخلة جدار الحصار وفتح ثغرات فيها عبر توسيع وجهات السفر من مطار صنعاء ، وفتح ميناء الحديدة لتدفق الوقود ، وفرض بند اعادة الرواتب واطلاق الاسرى على صدار اجندة تجديد الهدنة الاممية .
وبمعزل عن طاولة التفاوض، صنعاء لا توفر وقتا في مراكمة تراكم القوة العسكرية النوعية والتقليدية كما شهدنا خلال ايام الهدنة الفائتة ، والاخطر هو مالا يعلن عنه في وسائل الاعلام وستكشفه ميادين المعارك ، فلا يمكن لحالة اللاحرب واللاسلم ان تطول متى رات صنعاء انها استكملت عناصر المعركة الفاصلة والحاسمة ، ويذهب الاعتقاد الى انها ستكون خاطفة وحاسمة بما يكفي ليستوضح العالم نصر واضحا لصنعاء ، والاعلان عن ولادة طرف اقليمي ودولي من بوابة مضيق المندب والبحر الاحمر ..
المصدر: المسيرة