الإعلان عن تعيين ناطق إعلامي علني لجهاز سري هو الموساد أمر غريب وتحول دراماتيكي يأتي لسدّ بعض الثغرات وتغطية العجز في أداء هذا الجهاز السري.
فاجأ رئيس الموساد الإسرائيلي ديفيد برنياع الجميع بإعلانه تعيين أول ناطق إعلامي باسم الموساد لكي يعقّب على الأحداث وآخر التطورات، وقوله إنَّ هذا التعيين يأتي ضمن إعادة هيكلة الجهاز وتطويره بنيوياً وإدارياً، ليكون قادراً على مواكبة التطورات في زمن مواقع التواصل الاجتماعي، التي لا تسمح لأحد بالتأخّر عن مواكبة ما يجري من أحداث متسارعة، وكل من يتأخر عليه أن يدفع الثمن غالياً من سمعته ومصداقيته.
يبدو أنَّ هذه الذريعة ضعيفة، وخصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار أنَّ جهاز الموساد نال جزءاً كبيراً من سمعته من العمل في الكواليس التي تحوّله إلى شبح لا يُرى ولا يُسمع صوته، بل يرى الجميع نتائج أفعاله على الأرض وبرؤوس الضحايا.
لذا، إنّ الحقيقة كما نراها هنا غير ما ذُكر، وهي تعود إلى الأسباب التالية:
أولاً: بحسب موشيه ديّان، فإن الدول الصغيرة لا تملك سياسات خارجية، بل سياسات دفاعية، فكلّ دولة تصل “إسرائيل” إليها تعدّ خطاً من خطوط دفاعها. على مدار العقود الماضية، أخذ جهاز الموساد على عاتقه تكوين هذه السياسة وتقويتها واختراق الحدود التي أخفقت الدبلوماسية في اختراقها.
لذا، كان الموساد، ومنذ تأسيسه، المسؤول الأول عن العلاقات الخارجية مع الدول التي لا تقيم “دولة” الكيان علاقات معها، واستطاع دخولها عبر بوابة الأمن، لكن في السنوات الأخيرة حصل أمران مهمان في هذا المجال، إذ إن عدداً مهماً من الدول التي كان يتولى إدارة العلاقات معها سراً، أخرج علاقاته معها إلى العلن. ولأن أساس هذه العلاقات أمني، سواء كانت سرية أو علنية، فقد كان لا بدّ من أن يتولى إدارتها والتعقيب عليها علناً من أدارها سراً.
من جهة ثانية، كثر في الآونة الأخيرة في “دولة” الكيان الصهيوني استخدام الموساد وأعماله في خدمة السياسيين الذين لا هَمَّ لهم إلا مصالحهم الخاصة. وحتى يتمّ وضع حد لهذا الأمر الذي يمس الأمن القومي، كما قال خبراء الأمن و”الجيش”، فإن الناطق الإعلامي الجديد هو الذي يحدد منذ الآن ما هو مسموح أن يخرج إلى العلن وما هو ممنوع.
ثانياً: سرّ غياب رئيس الموساد عن الظهور الإعلامي أو حضور جلسات الكابينت الأمني، كما جرت العادة أسبوعياً، وذلك لفترة قاربت عاماً، وهو ما ترافق مع قصف إيران أحد مقار الموساد في أربيل العراقية وتدميره، ومن ثم نشر أخبار كثيرة عن أن رئيسه كان في الموقع وأصيب في الهجوم، وعدم وجود تعليق أو تعقيب إسرائيلي على ما جرى.
هذا الأمر أضرَّ بالموساد، وطرح علامات استفهام على حال السكوت، وربما يأتي الناطق الإعلامي الجديد ليملأ هذه الثغرة المهمة حتى تبقى “أسطورة الموساد وسطوته في القمة من دون أن يمسها أي حدث”.
الإعلامي الجديد جاء بعد مرور عدة أيام على كشف ماليزيا شبكة ماليزية تابعة للموساد، قامت باختطاف مواطن غزاوي من آل البلبيسي، بذريعة انتمائه إلى حركة “حماس”.
هذا الإعلان شكَّل ضربة مؤلمة جديدة للموساد الذي ما زال يعيش عقدة ما جرى معه في عملية اغتيال المبحوح في دبي عام 2010.
في نهاية هذه الكلمات، نقول إنَّ الإعلان عن تعيين ناطق إعلامي علني لجهاز سري أمر غريب وتحول دراماتيكي يهدف إلى سد بعض الثغرات وتغطية العجز في عمل قادة هذا الجهاز.
المصدر: الميادين