المفاوضات في الرياض: جديّة سعوديّة أم استوكهولم 2؟
العين برس/ تقرير
مريم السبلاني
تتسارع وتيرة المفاوضات بين صنعاء والسعودية بشكل لافت. وفيما يعوّل البعض على إيجابية ما تم التوصل إليه إلى حد الآن، وورود أنباء عن اتفاق قريب مُتوقع تستجيب فيه الرياض لشروط صنعاء خاصة على صعيد الملف الإنساني، يقف البعض الآخر خلف دُشمٍ من الحذر، نتيجة التجربة غير المشجعة التي خاضها الوفد اليمني المفاوض مع نظيره السعودي خلال كل جولات المفاوضات السابقة، أضف إلى ذلك، عدم الكشف حتى الآن عما قدمته الرياض من “تطمينات” للجانب اليمني، وسط وجود هالة من التساؤلات حول الآليات التنفيذية لما سيُتَفق عليه وهي النقطة الجدلية الصعبة التي حالت دون التوصل لاتفاق طيلة الجولات السابقة.
خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 2018، تم توقيع اتفاق ستوكهولم الذي تركزت المباحثات فيه على وضع البنك المركزي وإعادة فتح مطار صنعاء والإفراج عن الأسرى إضافة لرفع الحصار عن تعز، وقضى بوقف كامل لإطلاق النار وانسحاب عسكري لمختلف الأطراف من محافظة الحديدة وإبقائها ممراً آمناً للمساعدات الإنسانية، فيما تم ترحيل المناقشة بالملفات السياسية العالقة لمرحلة متقدمة. حينها، كان المجتمع الدولي يرى ان الحرب في اليمن “بحكم المنتهية”، وكانت الولايات المتحدة تذهب نحو الضغط على السعودية للقبول بالرؤية التي قدمها وزيرا الدفاع والخارجية الأميركيان، جيمس ماتيس ومايك بومبيو، والتي تقوم على وقف استهداف العمق السعودي والاماراتي مقابل وقف غارات التحالف، إضافة لإيجاد منطقة حدودية منزوعة السلاح بين البلدين وسحب الصواريخ الباليستية يقابلها إقامة منطقة حكم ذاتي “للحوثيين” شمال البلاد.
لم يدم هذا الاتفاق سوى أشهر عدة على الرغم من تعويل الأطراف الدوليين والمحليين عليه. اذ أن الأرضية التي بني عليها الاتفاق كانت غير سويّة لناحية نضوج التسويات ومراعاة مصالح الطرفين ومناطق النفوذ الفعلية على الجغرافيا اليمنية، أضف إلى ذلك عدم إقرار السعودية بما فرضته الحرب من موازين قوى حقيقية على الأرض كالاعتراف بحركة أنصار الله قوة أمر واقع لها ثقلها العسكري والسياسي وأكثر حضوراً من كثير من الأطراف الأخرى، خاصة تلك المدعومة سعودياً واماراتياً.
اليوم، تشهد المفاوضات بين الجانبين السعودي واليمني والتي تعقد جولتها الحالية في الرياض حراكاً لافتاً، بعدما كانت حتى الأمس القريب تتسم بالركود نتيجة عدم استطاعة الرياض اتخاذ موقف بعيد عن الهوامش الأميركية المسموحة. وبحسب المعلومات الواردة، فقد توصل الطرفان لاتفاق مبدئي، تستجيب فيه الرياض لشروط صنعاء لجهة صرف المرتبات وفتح الطرقات وتبادل الأسرى وفق قاعدة الكل مقابل الكل، ومختلف الملفات الإنسانية الأخرى، فيما يتم ترحيل النقاش بالمسائل السياسية إلى المرحلة اللاحقة. وهذا ما يضع الأمور، مبدئياً، ضمن الإطار عينه الذي وضع فيه اتفاق الحديدة الذي لم يدم طويلاً وأُسقط لعدم التزام التحالف.
حرصت صنعاء خلال الجولات التفاوضية السابقة، على عدم ربط الملف الإنساني بأي استحقاق آخر، مشددة على أنه حق للشعب اليمني لا مَكرُمة من أحد. وعليه مضت قدماً بالجولة الحالية التي أكد وزير الإعلام في حكومة صنعاء، ضيف الله الشامي، أنّها تجرى في الرياض بناء على وساطة عمانية لا دعوة سعودية.
إلا أن صنعاء نفسها، تخشى من المراوغة السعودية التي اختبرتها جيداً، خاصة مع وجود عدد من المحاذير أبرزها حسابات واشنطن، وعدم استطاعة الرياض تقديم رؤية مقبولة لليمنيين حول الآليات التنفيذية، بما يتعلق بصرف الرواتب والجهة المشرفة على ذلك، ونوع العملة والجهة الضامنة لاستمرار تدفقها، إضافة للإجراءات اللوجستية والقانونية بما يتعلق بوجهات السفر، ففتح المطار ورفع الحصار عن الموانئ وحده لا يكفي دون الاعتراف دولياً بجوازات السفر الصادرة عن حكومة صنعاء والمستندات والتصاريح الرسمية الأخرى.
يعقد اليمنيون آمالاً واسعة على المحادثات الحالية، والتي أكد عضو المكتب السياسي حزام الأسد، أنها تسير في “أجواء إيجابية بوساطة عمانية… وستكون آخر الجولات التي تُعقد في الرياض”.
تبقى مخرجات المفاوضات مرهونة بجدية السعودية هذه المرة للتأسيس لمرحلة الخروج من المستنقع اليمني الذي استنزف مواردها في توقيت شديد الحساسية على الساحة الدولية، إضافة للمرونة الأميركية حول أمرين: ترتيب تموضعها العسكري في اليمن وتهيئة الأرضية للمرحلة السياسية المقبلة وقد تلجأ لرواية ضرورة تأمين الممرات البحرية الدولية. والأمر الآخر، تنظيم علاقتها مع الرياض ثم استثمار ذلك لأخذ المقابل في ملفات أخرى كالتطبيع مع كيان الاحتلال.